فيديو| «نبض القلوب».. هدية الداخلية للقوات المسلحة بمناسبة نصر أكتوبر    «آي صاغة»: 0.2 % تراجعًا في أسعار الذهب بالبورصة العالمية    وزيرة التخطيط تستقبل بعثة الاتحاد الأوروبي لمتابعة آلية مساندة الاقتصاد    رفعت عطا: الشراكة مع الإمارات تفتح آفاقاً واعدة للاستثمار في مصر    بيروت: 282 شهيدًا حصيلة قصف الاحتلال على بعلبك والبقاع الأوسط    الدفاع الروسية: أوكرانيا خسرت 400 جندي على محور كورسك خلال يوم    رئيس وزراء كندا يحث مواطنيه على مغادرة لبنان مع إجلاء أكثر من ألف كندي    ليفربول يضرب كريستال بالاس بهدف نظيف في الشوط الأول    ضبط دجال الأقصر عقب تداول فيديو عبر موقع إخباري    دفاع فرد الأمن ضحية إمام عاشور: اللاعب توهم بالتحرش بزوجته    طقس «الأحد».. حار نهارا معتدل ليلا والعظمى بالقاهرة 31 درجة    الدفع ب9 سيارات إسعاف لموقع حادث اصطدام «ميني باص» بشجرة في الإسماعيلية    حملة لإزالة الإشغالات بحي شرق بورسعيد    أسرار من كواليس الفن.. الكاتب الصحفي عادل حمودة يتحدث عن أسرار حياة أحمد ذكي    كومباني يوضح صعوبة مواجهة فرانكفورت في الدوري الألماني    نقابة المهن الموسيقية ترعى مؤتمر الموسيقى والمجتمع في جامعة حلوان    مفتي الجمهورية: مصر وماليزيا ترتبطان بعلاقات تاريخية.. ودار الإفتاء تفتح أبوابها دائمًا لتبادل الخبرات العلمية    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يوما    بعد انطلاق فعالياته.. 5 أفلام مصرية تشارك في مهرجان وهران السينمائي    التضامن: تسليم 801 وحدة سكنية في 12 محافظة للأبناء كريمي النسب    «لا يشترط الخبرة».. الشباب والرياضة تعلن وظائف خالية جديدة لجميع المؤهلات (تفاصيل)    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    الكنيسة الأرثوذكسية تهنئ الرئيس والمصريين بذكرى نصر أكتوبر    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    احتفالًا بانتصارات أكتوبر.. ورش وعروض فنية ضمن فاعليات قصور الثقافة    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    رئيس معهد التمريض بالتأمين الصحي في الشرقية: تكليف الطلبة بالعمل فور التخرج    «منظومة الشكاوى» تكشف عن الوزارات والمحافظات صاحبة النصيب الأكبر من الشكاوى    ابنة علاء مرسي تحتفل بحنتها على طريقة فيفي عبده في «حزمني يا» (صور)    إطلاق حملة لصيانة وتركيب كشافات الإنارة ب«الطاحونة» في أسيوط    وزير التعليم العالي: لدينا 20 جامعة أهلية تتضمن 200 كلية و410 من البرامج البينية    ترشيدًا لاستهلاك الكهرباء.. تحرير 159 مخالفة للمحال التجارية خلال 24 ساعة    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    استشهاد 5 فلسطينيين بقصف إسرائيلي علي بيت حانون    برلماني يحذر من مخاطر انتشار تطبيقات المراهنات: تسمح بقرصنة بيانات المستخدمين    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    خاص- محامي أتشمبونج: فيفا سيخطر الزمالك بايقاف القيد    الولايات المتحدة تضرب 15 هدفًا للحوثيين في اليمن    لموظفي القطاع الخاص.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2024    للتغلب على التحديات.. «الصحة» تبحث وضع حلول سريعة لتوافر الأدوية    في ذكرى حرب أكتوبر، نماذج من المناهج المصرية التي تناولت الحرب والجيش المصري    إنتر ميلان يواجه تورينو اليوم في الدوري الإيطالي    شاهندة المغربي: استمتعت بأول قمة للسيدات.. وأتمنى قيادة مباراة الأهلي والزمالك للرجال    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    حاول إنقاذه فغرقا معًا.. جهود مكثفة لانتشال جثماني طالبين بهاويس الخطاطبة بالمنوفية (أسماء)    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    غارة إسرائيلية عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت    تعديل تركيب قطارات الوجه البحري: تحسينات جديدة لخدمة الركاب    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    إسلام عيسى: انتقالى لسيراميكا إعارة موسم منفصل عن صفقة أوجولا    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    "حزب الله" يكشف قصة صور طلبها نتنياهو كلفت إسرائيل عشرات من نخبة جنودها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التمييز الضروري بين أمن مصر الوطني وأمنها القومي
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 02 - 2009

إننا- نحن العرب- لا نطلب من مصر إلا أن تكون ذاتها". هكذا ختم الأستاذ طلال سلمان – رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية – مقالته في صفحة الرأي بجريدة الشروق منذ حوالي أسبوعين والتي أخذت عنوان "أين تبدأ حدود أمن مصر القومي". فكيف تكون مصر ذاتها؟ يجيب الأستاذ سلمان بأن تدرك مصر أن الدفاع عن أمنها القومي يبدأ من جبال طوروس.
ويستشهد الكاتب بالمفكر المصري الراحل لويس عوض الذي سمعه الأستاذ سلمان يدافع عن هذه الفكرة في مواجهة الأساتذة الراحلين توفيق الحكيم وحسين فوزي. أي أنه حتى صاحب النزعة المصرية الفرعونية الذي خاصم القومية العربية يدرك هذه الحقيقة التي يراها الأستاذ سلمان من ثوابت جغرافيا وتاريخ مصر.
المقالة المذكورة تدور بالطبع على خلفية التراشق الذي حدث في الإعلام العربي أثناء العدوان الصهيوني الأخير على الشعب الفلسطيني في غزة بين أصحاب فكرة "مصر أولاً" والمدافعين عن فكرة مصر العربية والإسلامية. أهمية المقالة المذكورة تكمن في أنها تضع العلاقات المصرية بجيرانها على أرضية المصالح. وهذا والله كلام جد ومحفز للنقاش. لأن الكلام في السياسة بدون ذكر المصالح صراحة أو ضمناً هو "كلام ساكت"، كما يقول الأشقاء السودانيين.
إذن ليس مطلوباً من مصر إلا أن تدافع عن أمنها القومي، الذي سيشدها بالضرورة للعب دور نشيط في المنطقة. وهنا يصبح التناقض الذي طرحه البعض بين مصر أولاً ومصر المنتمية لمحيطها العربي الإسلامي هو تناقض مزيف. لأن من يخلص فعلاً لشعار "مصر أولاً" عليه أن ينخرط في الصراع خارج مصر. هكذا يمكن تلخيص موقف رئيس تحرير السفير.
خلافي مع الأستاذ سلمان في نقطتين.. أولا هو لخص مصالح مصر الإقليمية في الأمن. والحقيقة أن الدور الخارجي النشيط لمصر الذي صيغ نظرياً منذ الخمسينيات كان له دوافع اقتصادية.
يشهد على ذلك كتابات الأستاذ حسنين هيكل التي تشير إلى أن نشاط الدولة المصرية الخارجية لم يكن تضحية بقدر ما كان إستراتيجية نظام سياسي يحاول تعبئة الموارد الخارجية للتغلب على محدودية موارد مصر. هذه أحد ثوابت نظام 23 يوليو التي لم تتغير من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك.
السياسة الخارجية النشيطة سمحت لنظام يوليو أن يكون أهم النظم المتلقية للمعونات في العالم. أي أن دافع "الأمن القومي" لم يكن هو الهاجس الوحيد لنظام يوليو. وهذا شيء طبيعي، لأن نظام الحكم الذي يدير الدولة مطلوب منه أن يحافظ على الوظائف الأساسية لهذه الدولة، ووظائف الدولة الحديثة تشتمل على ما هو أكثر من الأمن.
لذلك من يطالب الدولة المصرية بدور نشيط في المنطقة عليه أن يتوقع بالضرورة أن تكون مصالح الدولة الاقتصادية في قلب هذا النشاط. بإمكانه رفض بعض المصالح الاقتصادية أو بعض السياسات التي تخدمها، ولكن ليس بوسعه إلا أن يقبل وجود دوافع اقتصادية لحركة الدولة خارج حدودها باعتبارها من حقائق الحياة وليس باعتبارها انتهازية سياسية.
بالمناسبة الدور الثقافي المصري المحوري في العالم العربي لا يمكن فهمه بمعزل عن الاقتصاد. إذ كان منتجي الثقافة والفن في مصر عروبيين النزعة فذلك يرجع جزئياً إلى أن أسواق منتجاتهم لا تقتصر أبداً على مصر وإنما تمتد من الخليج إلى المحيط. المراد قوله أن استدعاء الدولة المصرية للعب دور نشيط في إقليمها بناءً على لفت نظرها إلى أخطار خارجية وتأسيساً على نظرية "أمن قومي" وفقط لن يفلح.
ناهيك عن أنه لا يستدعي من مصر إلا الأجهزة الأمنية. فهل يرغب الأشقاء العرب أن يأتيهم من مصر الأجهزة الأمن والمهمومين بقضية الأمن وفقط؟
نقطة الخلاف الثانية تتعلق بحديث الأستاذ سلمان عن "الأمن القومي" لمصر. بالطبع تحقيق الأمن هو أحد أهم وظائف أي دولة. المقصود بالدولة هنا مجموع المؤسسات العامة المملوكة للمجتمع ككل والتي من المفترض أن تُدير المصالح الجماعية للسكان التابعين لهذه الدولة. الحفاظ على أمن مصر هو أحد أهم وظائف الدولة المصرية أيا كان الجالس على رأس هذه الدولة.
ومصر هي وطن. إذن أمن مصر الذي تدافع عنه الدولة المصرية هو أمن مصر الوطني. ما معني إذن "أمن مصر القومي"؟ هو في الحقيقة نظرية الأمن الوطني المصري التي صاغها نظام 23 يوليو في الخمسينيات والستينيات عندما تبني فكرة القومية العربية.
أمن مصر الوطني إذن هو من الثوابت طالما ظلت هناك دولة مصرية مستقلة. أما "الأمن القومي" فما هو إلا تعريف الأمن الوطني في مرحلة تاريخية معينة، وهو قابل للنقد والتطوير.
فلنكن واضحين.. تمييز كاتب هذه السطور لمصطلح "الأمن الوطني" عن "الأمن القومي" لا تكمن ورائه أية ميول انعزالية. ميزة مصطلح الأمن الوطني هي أنه يقوم على الاعتراف بحدود مصر الجغرافية والتي تقوم عليها الدولة المصرية اليوم، وهي بالمناسبة نفس الحدود تقريباً التي قامت عليها دولة الوحدة الأولى حوالي عام 3200 قبل الميلاد على يد ملك الصعيد مينا الذي نجح للمرة الأولى في تاريخ مصر في توحيد شمال وادي النيل مع جنوبه.
الدولة المصرية بحدودها الدولية القائمة اليوم ليست صنيعة الاستعمار وإنما هي بالعكس هي نتاج مسيرة استقلال مصر التي ضحت في سبيلها أجيال وأجيال من المصريين بالدم والعرق والمال -. ما يقال عن أن الحدود بين الدول العربية اليوم هي حدود مصطنعة خططها الاستعمار لتفتيت المنطقة هو كلام مخل في تبسيطه إذا قيل عن البلاد العربية عموماً بما فيها لبنان، وهو من قبيل الهراء إذا قيل عن مصر. الدول العربية القائمة على حدودها الحالية هي حقائق قائمة يجب قبولها والنضال من أجل دمقرطتها وإخضاعها لشعوبها.
وإذا كان الأستاذ سلمان قد اعتبر أن مصر هي النموذج الأصفى للدولة في المنطقة، فإن هذه الدولة لم تقم باستفتاء حر ومباشر صوت فيه شعب مصر على وحدة مصر العليا والسفلى، وإنما هي قامت بفضل غزو الصعايدة للبحاروة. هكذا كانت الدول تقوم في الماضي. والحقيقة أن القضية ليست كيف قامت الدولة في مصر أو في لبنان أو في سوريا، فالتاريخ لا يعود للوراء، وإنما القضية هي النضال من أجل إخضاع الدولة لشعبها من خلال نظام ديمقراطي. هذه هو السؤال المطروح على كل الشعوب العربية.
الدولة المصرية ملك للمصريين جميعاً، أو هكذا يجب أن تكون. وبالتالي فإن وظيفة الأمن المكلفة بها هي حماية أمن المصريين كأفراد وكجماعة موحدة. الاسم الأدق لهذه الوظيفة هو الأمن الوطني. فهل هناك مكان للأمن القومي ؟ نعم.
إذا كان القوم الذين نتحدث عنهم هنا هم سكان المنطقة فهناك بالتأكيد أمن مشترك بينهم. ولكن وظيفة الحفاظ على هذا الأمن تتحملها كل دول المنطقة والمنظمات الإقليمية الممثلة لوجودها الجماعي، أقصد جامعة الدول العربية. ولكن في كل الأحوال ليس هناك إمكانية لتحقيق أمن قومي بدون - بادئ ذي بدء - الحفاظ على الأمن الوطني للدول القائمة بالفعل. كما أنه ليس هناك مشروع وحدوي حقيقي بدون الحفاظ على الدول القائمة بالفعل، لأن من يُسقط الحدود بين الدول العربية هو يسقط الدول الوطنية العربية. هو يفتت العالم العربي ولا يوحده.
صحيح أن الدولة ليست صنماً نعبده، ومن حق الإنسان الحر أن يطمح للانتماء إلى شيء أكبر وأعلى من دولته الوطنية. ولكن حذار من نستخف بالدولة الوطنية بدون أن يكون لدينا مشروع حقيقي لتأسيس دولة متعددة الوطنيات أو مجتمع إنساني متحرر من الدولة بالكامل. لأن إسقاط الدولة الوطنية أو إضعافها بدون مشروع تقدمي هو بمثابة العودة بالمجتمع إلى سيادة الطوائف والميليشيات كما في لبنان، أو العودة به إلى سيادة القبائل والعصابات كما في الصومال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.