وسط طوفان الأحداث والتداعيات التي تشهدها مصر وما يتبعها من تغييرات جذرية في هيكل المجتمع من ناحية وفي التركيبة النفسية للمواطن من ناحية أخرى ونظرته إلى الماضي والمستقبل, تبدو الرياضة ليست ضمن الأولويات المطروحة سواء لدى السلطة الحاكمة أو الناس, وهنا تبرز المفارقة فالتعديل الوزاري الجديد أغفل وضع الرياضة ولم يشر إليها من قريب أو من بعيد ولم نعرف هل سيستمر نظام مجلسي الرياضة والشباب المنفصلين تماما عن بعضهما أم سيتم دمجهما في وزارة واحدة؟ ويطرح دوري كرة القدم نفسه الذي شهد منافسة ساخنة بين الزمالك والأهلي قبل ثورة 25 يناير في شكل نداءات غير موضوعية من جانب اتحاد اللعبة مطالبا بعودته, وفي ظني أن كرة القدم لم تعد محور الاهتمام لدى الشباب "في الوقت الحالي على الأقل" وليست مصدرا للجذب، فقد اتجه الشارع الرياضي بكل كيانه للمشاركة في إعادة تشكيل الأوضاع السياسية والإصلاح وكشف مواطن الفساد. إشكالية الرياضة تتمثل في غياب المناصرين والمهتمين بها، بل يبدو تداول الكلام عنها يثير الاستياء في ظل حملات التخوين والاتهامات الجزافية السائدة، وأكاد أجزم بأن كرة القدم لا تلقى الاهتمام الجماهيري السابق باستثناء القائمين على إدارتها والممارسين لها، ويلعب اتحاد الكرة وخاصة سمير زاهر دورا ملتبسا وغير مفهوم في الترويج لاسئناف المباريات بأي شكل رغم أنه يدرك تماما خطورة الزج بالنشاط الرياضي وسط الأجواء الغامضة الحالية والمحفوفة بالمخاطر لغياب الغطاء الأمني على كل المستويات، ولم يكن معقولا أن يدرج زاهر في البيان الأخير الذي أصدره اتحاد الكرة فقرة كارثية تقول إن "اتحاد الكرة غير معني بالشأن السياسي"، وبدا للجميع أنه منفصل عما يحدث في "البلد". ونتصور أن لهفة اتحاد الكرة لحشد الأندية وراء شعار "استئناف الدوري" تفتقد المسئولية، فالقرار الحاسم مازال بيد المجلس العسكري الحاكم ولا يجوز -في رأينا- لاتحاد الكرة الضغط من أجل المسارعة بعودة الحياة إلى الملاعب، ولا أتصور أن مباراة الزمالك مع فريق ستارز الكيني التي وافقت القيادة العسكرية على إقامتها بالقاهرة بصعوبة وبعد تردد ستكون تمهيدا لعودة الدوري، والراجح أنها ستقام في ملعب عسكري بحضور جمهور من العسكريين ولن تكون متاحة للجمهور المدني. اتحاد الكرة قلق للغاية من الخسائر المادية لارتباطه بعقود غامضة في الرعاية والتسويق وحقوق البث والوضع يثير الخوف، فاستمرار توقف المسابقات سوف يضع اتحاد الكرة في وضع سيئ للغاية ويعرضه لمخاطر فتح ملفات الممارسات الإدارية الملتبسة بما فيها نظم الرعاية والمباريات الودية ومعسكرات ورحلات الفرق الوطنية، ولكن المشكلة الأخطر تتمثل في تورط الأندية كلها بدون استثناء وعجزها عن تحمل أعباء توقف النشاط ودفع القيم المالية المغالى فيها لعقود المدربين واللاعبين على حساب رواتب العاملين المتواضعة والذين باتوا مصدرا للإزعاج لقيامهم بالاعتصام والامتناع عن العمل مطالبين برواتبهم والعدالة. وإذا كان الارتباك المادي أمسك بالناديين الكبيرين الزمالك والأهلي، فماذا عن الأندية الأخرى التي تعتمد على إيرادات المباريات وصفقات بيع اللاعبين لتمويل أنشطتها؟ الوضع جد خطير واتحاد الكرة الذي تهتز أركانه بسبب عدم دقة حساباته المالية فيظل عاصفة الثورة وفتح ملفات الفساد لن ينقذه سوى استئناف الدوري ولذلك اضطر إلى تقديم تنازلات لا يمكن إغفالها مثل إقامة المباريات بدون جمهور وهو الاقتراح الذي رفضه سمير زاهر قبل أيام، كما قدم تنازلا أخطر بالموافقة على إلغاء الهبوط لتشجيع الأندية الرافضة لعودة الدوري، ولا نتصور أن ذلك وارد خاصة أن المدارس والجامعات مازالت متوقفة ودولاب العمل في الوزارات والمؤسسات مازال متعثرا، والوضع الأمني لا يتحمل صراخ التوأمين حسام وإبراهيم حسن وعصبية مانويل جوزيه وممارسات جماهير الألتراس، والهوس المصاحب للبرامج الرياضية في الفضائيات وما تثيره من أحقاد في النفوس وزيادة في معدلات التعصب والترويج لأخبار كاذبة عن صفقات وهمية للأندية. وخطورة هذه البرامج في توظيف ما يسمى ب"القوائم السوداء" التي تصنف الرياضيين فريقين على طرفي النقيض من الموالاة والمعارضين وتفجير المواجع بفضل المذيعين "الكاريزما" واللعب بقذارة على مشاعر البسطاء والجماهير والشباب. هذه الظواهر ستصاحب عودة الدوري وهي غير مقبولة في الوقت الحالي ما دامت مصر قلقة غير مستقرة أما اتحاد الكرة فمحاسبته قادمة لا محالة.