هاتف بشبوش، شاعر و ناقد (عراق/دنمارك) محمّد حياوي…في خان الشّابندر (1) (هناك حرفٌ واحدٌ يُفرّق بين كلمتيْ الحبِّ و الحربِ و هذه كانت طبيعة عشتار ربّة الحبّ و الحرب… من شذرات الذّهب في الحبّ و المُحبّ.. ترجمة شاكر لعيبي). محمّد حياوي كاتب و روائي و صحفي عراقي من مدينة النّاصرية، مقيم في هولندا منذ عام 1996،ماجستير في البنية المعماريّة للحرف اللاتيني. محرّر للسّينما في جريدة Telegraaf الهولنديّة. يعملُ أستاذاً لمادّة الغرافيك والصّحافة الجديدة في معهد غرافيك ليزيوم أمستردام،أصدر ستّة أعمالٍ أدبيّة حتّى الآن والقادمُ أكثر،منْ ضمنٍها "ثغور الماء" رواية 1983″. "غرفة مضاءة لفاطمة" قصص 1986، "طواف مُتَّصِل" رواية 1989 عن دار الشؤون الثقافية ببغداد. ثمّ رواية "خان الشّابندر" 2016 عن دار الآداب للنشر والتوزيع في بيروت،والتي هي موضوع بحثِنا في هذه القراءة. يتناولُ محمّد حياوي في روايته الأخيرة "خان الشّابندر" وقائع تاريخ العراق ما بعد السّقوط مُؤطّرا بأيروتيك مُمتع عن حال المرأة العراقيّة التي يصلُ بها الحال إلى أنْ تتحوّل لبائعة هوى نتيجة ظُلمِ ذوي القربى من الدّرجة الأولى،كأنْ يكون الأبُ كما سنُبيّن لاحقا وهذه هي بحدّ ذاتها تُشكّلُ الألم الحقيقيّ الذي يزرعُهُ أراذل الرّجال الذين لمْ نسمعْ عنهم إلاّ ما ندر لأنّهم من الشّواذ و المأبونين. ينقلُ لنا الكاتب ما يحدثُ في الأمكنة العراقيّة الشّهيرة والأصيلة لما فيها من أصالة البناء والنفس العراقيّة الأبيّة التوّاقة للنّبل و الكرم،و منْ هذه الأمكنة (خان الشّابندر) في منطقة الحيْدر خانة العريقة،الذي اتّخذ اسما للرّواية قيد دراستنا هذه. و منْ لا يعرفُ هذه الرّقعة الجغرافيّة البغداديّة التي كتب عنها الكثيرون وسكنها الطّلاب و الدّارسون في الجامعات والقادمون من بقيّة المُدن العراقيّة لما فيها مِنْ أحياء شعبيّة بسيطة؟ وقد كانت في قديم الزّمان بمثابة بورصة للفضّة تُحدّد فيها الأسعار بشكلٍ يوميّ وتجلبُ سبائك المعدن الثّمين بواسطة السّفن حتّى شريعة القشلة و منْ هناك يحملونها على ظهور الحمير حتّى الخان،و هذا ما نقلهُ لنا أحدُ شخصيّات الرّواية (مجر) العجوز الصّوفي الغامض. استطاع الكاتب أنْ يُجسّد الحبّ بشقّيْهِ، الوقتي الحميميّ و الدّائميّ المُتعارف عليه كالزّواج، و الحبّ الوقتيّ الذي ينشأُ في ماخورٍ أو بيتٍ للدّعارة حيثُ تُعجب إحدى الفتيات بفتى شهم يعرفُ كيف يحترمُ الفتاة حتّى لوْ كانتْ بائعةُ جسدٍ منْ أجلِ القوتِ. استطاع الكاتب أنْ يصف الغرام و الغزل و الجنس العفيف دون التّوغّل والتّعمق في ممارسة الجنس كما فعلها بُرهان شاوي الذي تخطّى كلّ التابوات و استطاع أنْ يعطينا واقع حال الممارسة الجنسية و الجنس الذي بطبعه لا يعرفُ الأخلاق، و لكلّ روائيّ وُجهة نظرٍ في هذه الزّاوية الحسّاسة. محمّد حياوي استطاع في هذه الرّواية التي تجاوزتْ المائة والسّبعين صفحة أنْ يروي المأساة الحقيقيّة للمُناضلين الذين عشقوا دروب السّياسة والنّضال من أجل الوطن في زمنِ البعث المُجرم. الكاتبُ ينقلُ لنا حالة المثقّف المُغترب الذي يعودُ لوطنه بعد فراقٍ مريرٍ و ما يشاهده هناك مِنْ غرائبٍ لا تًصدّق أو ما سيجدهُ مقارنة لما يعيشه في بلدان الغرب الديمقراطية التي تحترمُ الإنسان وتحفظُ له حقوقه. الرّسالة الأخرى التي أراد إيصالها لنا هي ما يفعله المجرمون اليوم والملتحون باسم الدّين وممارساتهم الإجراميّة علاوة على الزنا الذي يرتكبونه بمسميّات أخرى كالمُتعة مع إحدى العاهرات في الماخور الكائن في خان الشّابندر كما سنبيّن لاحقا. مُلخّصُ الرّواية يدور حول شخصٍ مُغتربٍ (علي) أبعدتهُ المنافي نتيجة الظّروف القاهرة للعراق، ثمّ يعودُ بعد السّقوط ولا بُدّ لكلّ طائرٍ أنْ يرجع إلى عُشّهِ و لوْ بعد حينٍ أوْ لفترةٍ من الزّمن. هذا الشّخص صُحفيّ لديه مهمّة بحثٍ اجتماعيٍّ عنْ أماكنِ الغواني و المواخير العراقيّة و ما يدور في فلكها منْ أسرارٍ وخبايا ومآسي ألمّتْ بنساء العراق والسّبب الذي جعلهُنّ يتّخذنَ هذا الطّريق غير اللائق بهِنّ كنساءٍ. إنّ المرأة لا يمكنها أنْ تبيع جسدها بسهولةٍ مهما كانتْ، سواءٌ في العراق،أو الواقواق أو بورما،مهما كان دينها سنتويسيّ، هندوسيّ،عابدة الفرج،عابدة الشّيطان، بوذيّة، مسلمة، مجوسيّة.. إلخ، لا يمكنها الجلوس و تنادي : "أنا أريدُ أن أجلس عند تقاطع أربعةِ طُرُقٍ و أنادي تعالوا فهنا من تبيعُ نفسها مقابل رغيفِ العيش". لكنْ رغم ذلك فإنّ البغي يتواجد منذ نشوء التّاريخ وحتّى الآن نتيجة الظّلم الواقع على المرأة. بطلُ الرّواية (علي) يُريد أنْ يعرف خبايا هؤلاء النّساء، مثلما فعلوها يوما وفي زمن القادسيّة اللّعينة، حيثُ ازداد البغيُ بشكلٍ كبيرٍ،فقامتْ فرقة اجتماعية بعمل بحثٍ حول نساء حيّ الطّرب في البصرة والكمالية، وغجر الديوانية و السّماوة و بعضُ المحافظات الأخرى التي تتواجد فيها مثل هؤلاء الغواني. بالمناسبة هذه الأماكن لا يتوفّر منها في بعض مناطق العراق الأخرى لأسباب تتحكّم فيها الحكومات السّابقة،أيْ لا يمكننا أنْ نجد مواخير في الرّمادي أو تكريت وغيرها،لكنّنا نستطيع إيجادها في العديد من مناطقِ الجنوب. هذه الفرقة التي عملتْ بحثا اجتماعيا حول الغواني وجدتْ العديد منهنّ و بنسبةٍ لا بأس بها اتّخذْن هذه المهنة نتيجة الحاجة الماسّة إلى الجنس وجئْن لمناطقٍ غريبةٍ عنْ محافظاتهنّ لتُمارسْن الجنس بطلاقة و حريّة كسراً للكبْتِ و الحرمان الذي تعاني منه المرأة العراقيّة و الرّجل العراقيّ على حدٍّ سواء،و هذه في أغلب دول الشّرق المتخلّف،إذا ما استثنينا المغرب وتونس لما فيهما من تأثيرٍ واضح في ثقافة الغرب وتقاليده، ثمّ وجدتْ هذه الفرقة منْ أنّ النّسبة الأخرى العاليّة جدّا من النّساء تبعنّ أجسادهنّ من أجل المال نتيجة الظّروف القاهرة التي جعلتهنّ تهربنّ من أهاليهنّ ولا تستطعْن الرّجوع إليهم مرّة أخرى،و هو ما سنبيّنه لاحقا في شرحنا عنْ بعض الغواني في الماخور الذي هو بصددِ دراستنا في خان الشّابندر بعد سقوط الصّنم والصّراع الطائفيّ على مناطقِ النّفوذ و الأحياءِ. الكثيرون أيّام الصّبا والمراهقة التي لا تُطاق،قد دخل هذه المواخير و هي بنظر الكثيرين بيوتٌ لا أثر للإنسانيّة فيها،لكنّها وحين تدخلُ إليها تجد المحبّة والعطف والحنان من المرأة التي تتراءى لك على أنّها وقحة و ذات لسان سليط، وهذا ما أكّده لنا الرّوائي الكولومبي الشّهير غابرييل غارسيا ماركيز في روايته (ذاكرة غانيّاتي الحزينات)،و أنا أقول إنّهنّ ملائكة الرّحمة،حيث يعوضنّ لنا الحبّ الذي نفتقده بالجنس ساعة اشتهائنا. فكمْ من جنود القادسيّة اللّعينة زاروا حيّ الطّرب (حيّ تعرِض فيه النّساء أجسادهنّ مقابل المال) لغرض تفريغ شحناتهم الجنسيّة التي ليست لها مصبٌّ آنذاك سوى الرّذيلة بمعناها اللّغوي فقط،فيذهبُ هذا الجنديّ إلى هناك لأنّ الزّواج صعبٌ للغاية،علاوة على عدم وجود اختلاط بالعنصر النّسوي،فيلجأ الرّجل لممارسة الجنس لتحقيق غروره وحاجته التي طفح لها الكيل وبلغ سيلُ مائهِ خارج صفن الخصيتيْن،وقد كتبتُ ذات يومٍ عنْ بعض المواخير في العراق بشذرةٍ بهذا الخُصوص….. أيامَ زمانٍ كان هناك،ماخورُ واحد في السّماوة (الكاولية) لهُ الفضلُ الكبيرُ على إطفاءِ شبقِ فتيانِ المدينة ومثلهُ كان في البصرةِ،حيّ الطربْ لهُ الفضلُ الكبيرُ على إطفاءِ شيطنةِ جنودِ القادسيةِ اللعينة الماخور كتب عنه زيد الشّهيد في روايته (أفراس الأعوام)،و فيه الكثير من التأريخ العراقيّ وكبار الشّخصيات العراقيّة قد مرّت على هذا الدّرب لما في العراق من كبتٍ وعدم اختلاط المرأة بالرّجل فيلجأ الرّجل للذهاب إلى هذه الأماكن المكتظّة بالنّساء أو الملاهي وما أكثرها أيّام زمان، حيثُ تكونُ بيوتُ الدّعارة أحيانا رحمة على المكبوتين ممّن لمْ يعرفوا معنى الأفخاذ البلّوطية، لمنْ أحرقتهُمْ نارُ الكبتِ،لمنْ لمْ تذق آلة إخصابهمْ طيب حرثها. حتّى أنّ البعض يذهب إليها لغرضِ تحقيقِ الصّبوات قبل الزّواج لجهل الأغلبيّة الكبيرة من الشّباب للعمليّة الجنسيّة، فخوفا من الحياء نرى الرّجال يرتادون هذه المواخير لتحقيق الرّجولة في ليلة العرس.. كما نقرا في الثيّمة أدناه لصاحب المقال هاتف بشبوش: آآآآآآهٍ من صباي في بلدي إذْ كنّا.. مرغمينَ على نكاحِ البغي لدخولِ التّجربة… قبلَ الزّواج!!!!!!! واليوم في ظلّ نظامٍ بيوقراطيّ دينيّ تكادُ تكونُ المواخير صفرا مع ازدياد الجريمة الجنسيّة، حيثُ أكّد علي الوردي الباحث الاجتماعي العراقي على أنّه من الضّروري أنْ تتواجد المواخير بشكلٍ علنيّ وأمام الأعين و عُرضة للفحصِ الطبيّ بدلا من السريّة وأمراضها وجرائمها. روائعُ القصصِ العالميّةِ والأفلام العربيّة تحدّثتْ عن المواخير ومنها فيلم "أبي فوق الشّجرة" لعبد الحليم حافظ و نادية لطفي و قصّة الحبّ العاصف التي نشأتْ بيْن الطّرفيْن. لكنْ نظرة المجتمع الدنيويّة والقاسيّة جدّا على هذا النّوع من نساء المواخير جعلتْ عبد الحليم يبتعدُ عنها رُغما عنه و ينتهي الحبّ بينهما و يموت. غادة الكاميليا قتلها الحبّ وهي فتاة ماخورٍ،وحتّى اللّواتي لمْ ترتدْن المواخير لكنّهنّ نساءٌ جنسيّات مثيرات قتلهُنّ الحبّ والإغراء كما مدام بوفاري بطلة الرواية التي خطّها لنا الفرنسي العظيم جوستاف فلوبير. علي بطل روايتنا هذه (خان الشّابندر) يتعرّف في الماخور على (أم صبيح …القوادة) و مِنْ ثمّ على (ضوية) التي بدورها تُعرّفه على (هند) الفتاة مدرسة الجغرافية. ضوية يعجبها هذا القادم المجهول الذي لم يتردّد أمثاله عليهنّ ،فهو كما يبدو مثقّف، رزين و واثق يمشي الهوينا. تنجذب إليه ضوية لكنّه يقول لها : "أنا لم أجيء هنا بحثا عن الجنس،أنا أردتُ فقط أنْ أسألك بعض الأسئلة" لكنّها تميلُ عليه بغنج و إغراء مُتمرّسٍ و تستدرجه كيْ يقع في حبائلها فتحصُلُ منه على المال الذي تبحثُ عليه و قيمته ( 25) ألف دينار عراقيّ أعطاه بعد ذلك لأمّ صبيح القوّادة و هذه عادة عراقيّة مُتّبعة حيثُ القوادة تعملُ كمحاسب و كمدير لإدارة الماخور. و في النّهاية يستطيعُ الحصول على معلومات منها عنْ سببِ مجيئها هناك و لماذا تعملُ كغانيّة. فطفقتْ تحكي بلهجة عاميّة دارجةٍ نقلها الرّوائي كما هي بحذافيرها مُبتعدا عن فصيحِ الكلام،لكنّني أوجز ما قالته ضوية عن حالها: (كلّ ما في القصّة أنّ أباها نام معها و هي في عمر الرّابعة عشر،أتاها في اللّيل و هي نائمة و رفع ثوبها،و أولجه فيها، و كانتْ لا تعرفُ شيئا، كان يشخرُ فوقها و هي مرعوبة و لمّا انتهى منها، انتزعه ثمّ انسلّ إلى سريره بجانب أمّها النّائمة التي لا تدري ماذا حصل لابنتها المسكينة من أبيها هذا الوحشُ الكاسرُ الدّنيءُ الحقيرُ). يُتبعُ في الجزء الثّاني