لمحة نقديّة في نصّ للشّاعر التّونسي يوسف الهمامي – النّصّ: كي أخلص لك.. زرعتُ باسمك أربع زهرات و"وَاواً"!! (يوسف الهمامي) – هذا النّص قليل اللّفظ كثير المعنى واسعه، تفانى الشّاعر يوسف الهمامي في استخراج جماله من عمق الذّات، فأتى مسكوباً بقالب ثالوثيّ متّحد ضمناً. أشبه بمثلّث متساوي الأضلاع، إن فقد أحدها انتفى شكلاً ومضموناً. ولكي يتجلّى هذا الثّالوث كاملاً يعلن الشّاعر صفاء القلب التّام الخالي من أيّ رياء ليكرّس هذا القلب للعشق الاتّحاديّ (كي أخلص لك). والتّكريس هنا يكون بمثابة تفاعل بين الحبيب والمحبوبة؛ ليكشف عن مساواة بينهما حتّى يتشكّل الشّخص الواحد (زرعتُ باسمك). فالزّارع واحد، والزّرع واحد، والاسم قوّة الزّرع. به يكون ودونه لا يكون. تاء المتكلّم العائدة للشّاعر تشابه الاسم الّذي به زُرع، وبالتالي فالاسم يد الزّارع وكلمته. وكأنّنا أمام مشهد خلق جديد يشهد على اتّحاد الحبّ الّذي يحتاج إلى فاعل ومتفاعل، حتّى يفيض العشق. وإن عنتِ الزّهرات الأربعة حروف الاسم، فهي تضرب في عمق الوحي الشّعريّ لتعبّر عن امتداد الزّرع إلى الأرض كلّها بل الكون بأسره. فيكون الرقم (4) رمزاً لجهات الأرض الأربع، وعناصر الكون الأربع. وقد يرمز إلى المجموع الكونيّ وإلى الدّوام والثّبات. وإذا اجتمعت هذه الدّلالات الأربعة في قلب الشّاعر فلتعزّز معنى العشق الّذي فاض عن الاتّحاد الرّوحيّ بين الحبيب والمحبوبة. تتّحد أنا الشّاعر بالأنتِ، ليظهر للقارئ ثالوث العاشق والمعشوق المتساويين في جوهر العشق. فيفيض عنهما عشق يساوي بينهما ويتساوى معهما. وينشأ الخلق العشقيّ الجديد الّذي دلّ عليه الشّاعر بالزّهرات، كدلالة على جماليّة صافية راقية وشاملة. فالشّاعر لم يحدّد نوعاً معيّناً من الزّهر، بل جمع في أربع زهرات كلّ معاني الجمال والرّقة والعذوبة. (زرعتُ باسمك أربع زهرات). ولئن أراد الشّاعر التّأكيد على خلود هذا الاتّحاد ومنزلته السّماويّة، ونفي الموت عنه، روى زرعه ب(واوٍ). (زرعتُ باسمك أربع زهرات/ و"وَاواً). إذا كان لفظ (واو) معطوف على الزّهرات فهو يثبت معنى الخلود العشقيّ والحركة بين الزّهرات وحرف (الواو) العائد للشّاعر. إلّا أنّه يمكن أن يشير ضمناً إلى المعيّة ليستبين الثّالوث العشقيّ الأنا/ الأنت وحرف الواو الجامع بينهما كحرف أصيل مساوٍ للحالة العشقيّة الموحى بها. وتبدو هذه الحركة العشقيّة التّفاعليّة ضمن الثّالوث العشقيّ متنامية ومرتقية. فالزّرع تجذّر ونمو وحياة تتفجّر من قلب الأرض لتتصاعد نحو السّماء. لا تعرف الموت وإن حلّت في التّراب. حركة دائمة مستديمة، تُزرع في هيئة وتخرج من الأرض بهيئة أخرى. وكأنّي بالشّاعر يشير إلى تحوّلات العشق الأبديّة، تلك الّتي تُزرع في الموت (التّراب) لتقوم للحياة الأبديّة (ملكوت العشق). ألا يقول الشّاعر نفسه: "أُورِقُ في صمت كشجرة توت يتيمة.."