د.إلهام سيف الدولة حمدان – مصر ونحن في مطلع هذا القرن، قرن التقدم العلمي الهائل والانفجار التكنولوجي المُبهر، ومع اقتحام الكواكب والمجرات الهائمة في الفضاء، أجيل النظر حولي في واقع مصرنا المحروسة، فيرتد بصري حسرة وألمًا على التقهقرالذي أصابنا في مجالات عدة، كانت لنا فيها الريادة منذ فجر التاريخ . ولكني في ظل الاحتفالات بعيد المرأة العالمي وقع اختياري على استعراض دور مصر التي توّجت نساءها ملكات على عرشها منذ فجر التاريخ؛ وأفرز المجتمع على مر الأحقاب العديد من السيدات اللاتي يُعددن نقاطًا مضيئة، ودلالة مؤكدة على نجاحاتها في جميع المجالات؛ وأجدني مدفوعة إلى عقد المقارنة اللازمة بين المرأة المصرية في الماضي والحاضر، هذا الحاضر الذي تخلت فيه طواعية عن أبسط حقوقها التى نالتها بفضل صراع الأجيال السابقة منهن على انتزاع تلك الحقوق، والعودة بها إلى نقطة الصفر ؛لتتوارى خلف كل السواتر التي تحجبها عن المشاركة الإيجابية في المجتمع ، بل والخنوع لما تفرضه عليها الأفكار الذكورية؛ والتي ينطبق عليه قول الشاعر/نزار قباني بأننا في شرقنا العربي : لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية ! وتعالوا بنا نستعرض ماذا كانت عليه المرأة المصرية من مكانة رفيعة فى العصر الفرعوني؛ وفيه جلست بكل العظمة والإجلال على عرش الحكم؛ متوشحة ثوب القداسة والتمجيد. وأسوق إليكم بعض القطوف التاريخية في انتقاءات خاطفة ولكنها دالة : "الملكة ميريت نيت" التي تعد أول ملكة في تاريخ العالم اعتلت عرش البلاد، والذي أكد توليها الحكم؛ لوحة عثر عليها فى إحدى مقابر أبيدوس نقِش عليها اسمها؛ كما جاء ذكرها في حجر "بالرمو" الخاص بأسماء الملوك الذين حكموا مصر، وذكرت في المصادر التاريخية أنها ارتقت العرش وحكمت حكمًا منفردًا، وهذه مزيّة تميزت بها عن سائر ملكات التاريخ . " الملكة نفرتيتي "والتي يعنى اسمها "الجميلة أتت" هي زوجة الملك أخناتون" فرعون الأسرة الثامنة عشر. وكانت تعد من أقوى النساء في مصر القديمة؛ وعاشت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد ،كانت نفرتيتى تساند زوجها أثناء الإصلاحات الدينية والإجتماعية، ثم انتقلت معه إلى تل العمارنة. وظهرت معه أثناء الاحتفالات والطقوس، حتى في المناظر التقليدية للحملات العسكرية والتي صورت فيها وهى تقوم بقيادة الجنود للقضاء على الأعداء . " الملكة حتشبسوت "؛ وتعني : أبرز النبيلات؛ كانت الفرعون الخامس من عصر الأسرة الثامنة عشرة في مصر القديمة؛ تميز عهدها بقوة الجيش ونشاط البناء والرحلات البحرية العظيمة التي أرسلتها للتجارة مع بلاد الجوار؛ وكان لها الفضل في تنشيط حركة التجارة التى كانت في حالة سيئة في الحقبة التي سبقت اعتلاءها العرش . وإذا جاءت تلميحات المؤرخين لتشير إلى وجود حالة حب قد جمعت الاثنين "سينموت "و "حتشبسوت" ؛ فإنهما أيضا قد شاركا في "حياة أسطورية"، وبقيت آثارها المعمارية خالدة تشهد على مكانة وعظمة دور المرأة فى هذا العصرالسحيق . " كليوباترا السابعة " ملكة مصر ، الشهيرة في التاريخ والأعمال الدرامية في السينما العالمية كزوجة ل "يوليوس قيصر" ؛ وأصبحت ملكة عند وفاة والدها بطليموس الثاني عشر، وأبلت بلاءً حسنًا فى الدفاع عن أرض مصر فى معركة "أكتيوم" البحرية؛ ولكن قواتها مع قوات "ماركوس انطونيوس" انكسرت في المعركة نتيجة هياج البحر وانسحابها ،ولم تحتمل تلك الهزيمة القاسية فانتحرت، وهي القصة التى ذكرها المؤرخون عن انتحارها بواسط "سم الكوبرا"؛ حتى لاتسقط أسيرة في يد أعداء الوطن، وقال شاعرنا/احمد شوقي على لسانها فى مسرحية: مصرع كليوباترا : سطت روما على ملكي ولصَّت /جواهر أسرتي وحلي آلي فرُمت الموت لم أجبن ولكن /لعل جلاله يحمي جلالي فلا تمشي على تاجي ولكن /على جسد ببطن الأرض بالي ! "الملكة إياح حتب الأولى" هي ابنة "الملك تاعا الأول" والملكة "تتي شري" وزوجة الملك سقنن رع وأخته، ويعتقد أنها قد شاركت بالفعل وقادت حملات لقتال الهكسوس ولذلك وجد بتابوتها أوسمة ونياشين عسكرية مثل وسام الذبابة الذهبية والتي تمنح لتقديم خدمات عسكرية استثنائية والفأس الذهبية ؛إياح حتب، أو "إياحة" بالعامية القديمة، معناه "قمر الزمان" باللغة العربية، وهي الملكة الفرعونية التي لا يعلم عنها الكثيرون، ولم تحظ بالقدر المناسب من الاحتفاء و التقدير على دورها التاريخي في حماية مصر والدفاع عنها؛ برغم تغنينا باسمها كل عام في مطلع شهر رمضان: "وحوي يا وحوي إياحة". هذه هي المرأة المصرية الحقيقية؛ كما رأيتها بعين الصدق عبر التاريخ لتلك الحقبة الفرعونية العظيمة؛ التي وضعت بذور شجرة الحضارة في جذور التربة المصرية التى ارتوت بماء" حابي" الذي وهب لها ووهبت له الحياة . فلم نتقاعس إذن في عصرنا الحاضر عن أن نتخذ منهن المثل والقدوة ؛ ولم لا نحذوا حذوهن فى التقدم إلى رأس الصفوف، فلا نستسلم للخنوع لنكون ضيوفًا على مائدة الرجال بعد هذا التاريخ المشرف والذي أشرقت فيه شمس المرأة في سماء المحروسة قيادة وجمالا وسطوة وعطاء غير منكور أنصفها فيه التاريخ خلودا وتعظيما والتاريخ في انتظار أن يخط اسماء جديدة تنضاف إلى هؤلاء المجيدات..أما آن الأوان لاستكمال مشوارهن يانساء محروستنا النابهات خيرا إن فعلتن..عظيم ؟ ! أستاذ العلوم اللغوية أكاديمية الفنون