" إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله". ( 1 كو 18:1). بمقدار ما نفهم أنّ الله محبّة وبمقدار ما نرتقي إلى الولوج في عمق هذه المحبّة، بذات القدر نستوعب مفهوم الصّليب، وبالتّالي مفهوم قوّة الله. كثيرون يصوّرون المسيح المصلوب كئيباً حزيناً، ما يعكس انهزاميّة وخنوعاً يتنافيان مع قدرة الحبّ. إذا تكلّمنا على المستوى البشريّ سنرى قدرة الحبّ على التّغيير والخلق الجديد، فكيف إذا تحدّثنا عن الحبّ كفعل إلهيّ؟ الحبّ البشريّ مرتبط بظروف ومصالح وحاجة ورغبة، وأمّا الحبّ كفعل إلهيّ مرتبط بالحبّ فقط. خلق الله الإنسان من صلب محبّته بدليل أنّه خلقه على صورته كمثاله. إلى هذه الدّرجة ترتقي الصّورة الإنسانيّة، وإلى هذا السّموّ تصبو الكرامة الإنسانيّة. بالمقابل كلّ خطوة باتّجاه الحبّ الإلهيّ هي بمثابة تحقيق للصورة الإنسانيّة الكاملة، وبالتّالي يكون القرار الحرّ للإنسان في أن يتفاعل مع المحبّة أو لا. " من أراد أن يتبعني، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني." (لو 23:9). عبارة ( من أراد) تعبّر بشكل واضح عن احترام الرّبّ للحرّيّة الإنسانيّة في مسيرتها نحوه. كما أنّها لا تحمل في معناها سياسة ترغيب أو ترهيب. الله المحبّة حرّيّة مطلقة تتفاعل مع حرّيّة مثلها، الإنسان. لكنّ حرّيّة الإنسان وكي تتحقّق تتطلّب مسيرة صاعدة أبداً نحو المحبّة. الصّليب منبر هذه الحرّيّة ومنبر هذا الحبّ. المحبّون هم من يمنحون ذواتهم بالكامل من أجل محبّيهم، والأحرار هم من يطلقون العنان لبذل الذّات من أجل الحقيقة. وبالتّالي، " إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله". إنّ كلمة الصّليب غير مفهومة عند كثيرين، بل يعتبرونها منتهى الضّعف والمهانة، وأمّا عند الّذين فهموا معنى الحبّ الخالص والحرّيّة والتّخلّي عن كلّ شيء في سبيل الحقيقة وسلكوا في هذا الخطّ، أدركوا أنّها قوّة الله، أيّ قوّة الحبّ الفائق التّصوّر.