(صباح الخير يا عمان صباح الخير يا حلوة).. بهذا المقطع الذي يعود لسبعينات القرن الماضي من قصيدة للشاعر غسان زقطان، أهمس من شرفتي العمّانية في حي خلدا في هذا الصباح، أقف وحيدا أستمع لزقزقة عصافير الدوري لا يرافقني الا طيفي البعيد القريب وفنجان قهوتي وشدو فيروز، أستذكر ذاكرتي مع هذا الحي الذي سكنت به منتصف عام 1987 ، وبعدها عدت للوطن عام 1997 وأصبحت لا أحضر للحي وبيتي الا زائرا، فأتذكر كيف مررت بالحي صدفة في أوائل ثمانينات القرن الماضي،حين بدأت اعمال توسعة وإنشاء شارع مكة في عمان، ولم يكن الزفت قد تم صبه في الشارع، فقررت السير فيه حين وصلت الى حي الأمير حسن، جريا على عادتي في استكشاف الأمكنة، وحين وصلت للمنطقة التي عرفت بمجمع جبر لاحقا، كان الشارع الترابي قد توقف، فدخلت الى اليمين لشارع فرعي ضيق، لأجد نفسي لأول مرة في حياتي في حي أم السماق الشمالي، ومنه ومن على التلة التي أفتتحت بها المدارس الانجليزية لاحقا بعد أن سكنت الحي، شدتني خلدا بقوة وأنا انظر الى هذا الامتداد الريفي الساحر، فالجو كان ربيعا جميلا، وكان هناك زفة لعريس مررت من جوارها، كانت زفة شعبية تقليدية جميلة، فألقوا الى داخل سيارتي بعض من حبات (التوفي)، فاستبشرت خيرا بهذا الحي، وفي أول يوم جمعة تلا هذا الحدث، كنت أحضر وزوجتي ختام وابنتي دودو وولدي مصطفى لهذه المنطقة، فأولادي المعتز بالله ومحمد لم يكونوا قد ولدوا بعد، وجلسنا على الأعشاب واحتسينا القهوة، وما زلت أحتفظ بصور التقطتها عدستي لإبنتي وابني وهم يمرحون بين الأعشاب والورود البرية، وما هي الا عدة سنوات وقد بدأت المنطقة بالتغير، حتى كنت أشتري شقة في الحي وأسكنه، وكنت قد رزقت بولدي المعتز بالله قبل ذلك بعام، ليرزقني الله بولدي محمد بعد عام من سكني الحي. حين عدت لعمان بعد غياب قسري فرضه الاحتلال عليّ استمر 11 عاما، كانت خلدا قد تغيرت تماما، حتى كدت أتوه عن بيتي لولا أن أبنائي وزوجتي أحضروني من الجسر، فخلدا البريئة الريفية التي تركتها شابة، وجدتها قد كبرت وتغيرت ملامحها جدا، وأصبحت من أحياء عمّان الغربية المهمة. في سند التسجيل لبيتي يسمى الحي (رجوم خلدا)، وبجوار مسجد خلدا توجد آثار لموقع مجهول الهوية، من حجارة قديمة ومرتفع عن الأرض بالبناء، وهو أشبه ما يكون ببقايا برج أو قلعة أو قصر قديم، فهل أخذ الحي اسمه من هذا الموقع الذي ما زال موجودا وإن كان مهملا؟ لم أعرف وإن كنت أعمل على الوصول لتاريخ الحي وربما أتمكن من لقاء بعض من كبار السن في المنطقة ممن يمكن أن يفيدوني لتوثيق ذاكرة المكان، فخلدا والتي تبلغ مساحتها أقل من عشرة الآف دونم بقليل، مكونة من أربعة أحواض هي: رجوم خلدا، تلاع قصر خلدا، العوجانية، خلدا الغربية وخلدا الجنوبية، وأحد المصادر (الغير مؤكدة) يشير أن هذه الموقع هو برج يعود لفترة دولة العمونيين كما برج الملفوف، وهذه الدولة تعود لفترة 1300-300 سنة قبل الميلاد حين كان جبل القلعة مركزا لدولة ربة عمون، وبنيت الأبراج في أطرافها لحمايتها ومراقبة أية تحركات للغزاة. خلدا كما أسلفت من أحياء عمانالغربية بعد أن جرى ضمها لعمان بقرار من مجلس الوزراء في 1/1/1987 مع أم السماق وتلاع العلي، فكان تأسيس أمانة عمان الكبرى بذلك، علما أن خلدا وأم السماق تأسس لهما مجلس قروي عام 1961 واستمر حتى عام 1983، والآن هناك مجلس منطقة يضم خلدا وتلاع العلي وأم السماق ضمن أمانة عمان الكبرى. الصديقة عبير الأشقر والتي لم ألتقيها شخصيا حتى الآن، وهي من قرائي ومتابعي محراب قلمي ورواق عدستي خاطبتني مرة من غربتها في كندا قائلة: اشتقت لخلدا التي لدي ولديك بيت فيها، فهلا وثقت أحيائها عدستك وقلمك؟ فوعدتها بذلك وكانت هذه اللقطات ال 94 عبر جولتين ما بين صحو وغيم، وإن تأخرت عدة شهور لأسباب ما بين سفر وعطل فني، أقدمها هدية لكل أحبة خلدا الغائبين عنها: الصديقة عبير الأشقر وزوجتي ختام وأبنائي مصطفى والمعتز بالله ومحمد، وابنتي دودو في أطراف خلدا في بيادر وادي السير.