– من أكل جسدي وشرب دمي يثبت هو في، وأثبت أنا فيه. ( يو 56:6) قد لا نكون واعين بما يكفي لأهمّية تناول جسد الرّبّ، وهذا أمر طبيعيّ نظراً لمحدوديّتنا البشريّة. إلّا أنّنا نعي بإيماننا، أي بثقتنا بالحبّ الإلهي، أنّ المحبّة لا تبخل بنفسها على أحد، وعظمة حبّ الله للإنسان تتجلّى في انسكابه كاملاً فيه. وبقدر ما يفوق الحبّ الإلهيّ المنطق الإنساني، فبذات القدر يعجز الإنسان عن إدراك هذه العظمة الإلهيّة المتجليّة بشخص يسوع المسيح واهب الحياة. " من أكل جسدي وشرب دمي فله الحياة الأبدية، وأنا أقيمه في اليوم الآخر." ( يو 54:6). من السّذاجة أن نتوقّف عند حرفيّة كلمة جسدي وكلمة دمي، لنتحوّل إلى آكلي لحوم البشر، أو إلى وثنيين يقتاتون من أجساد أصنامهم. بل يجب أن نتوقّف عند هذه الحرفيّة لنعيّ أننا لسنا أمام رمز وإنّما واقع حقيقيّ: جسد الرّبّ ودمه أي الرّبّ بذاته. فالجسد هو الشّخص بكلّيّته، أي كيانه المادّي والرّوحي، ولا يقتصر على اللّحم والدّمّ. " آباؤنا أكلوا المن في البرية وماتوا،" ( يو 49:6)، لأنه حين نأكل الطّعام العاديّ، يخسر واقعيّته وأمّا جسد الرّبّ فيحوّلنا إليه. وبالتّالي علينا أن نأكل الخبز النّازل من السّماء لنتّحد اتّحاداً كاملاً بمعطي الحياة فتكون الحياة فينا. إذا كان الرّبّ يعني بقوله " من أكل جسدي وشرب دمي يثبت هو في، وأثبت أنا فيه. ( يو 56:6)، مجازيّة المعنى، فنحن أمام نظريّة الاتّحاد الإلهي الإنساني، وليس أمام حقيقة اتّحادنا بالمسيح. وبذلك لن نختلف كثيراً عن نظريّات جميلة في ما يخصّ العبادات والإيمان بالله. بتناولنا جسد ودم الرّب، نحن أمام واقع حقيقيّ صارخٍ، يؤكّد لنا حضور الربّ فينا بكلّيّته، ويحقق انتفاء المسافة، فالرّبّ أصبح أقرب من الذّات ومنحنا أن نسير به ومعه إليه. إنّ المسيح يثبت فينا، ونصير وإيّاه واحداً واقعيّاً وبشكل ملموس. من هنا عظمة كلمة الرّبّ: ( من أكل جسدي وشرب دمي فله الحياة الأبدية.). فنحن أمام حياة ثابتة فينا ولا تنتهي، حياة أبديّة بدأت مع يسوع المسيح وتكتمل معه. " إنّ الرّب يسوع في اللّيلة الّتي أسلم فيها، أخذ خبزاً وشكر فكسر، وقال: " خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا لذكري". كذلك الكأس أيضاً بعدما تعشوا، قائلاً: " هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. اصنعوا هذا كلّما شربتم لذكري". ( 1 كورنتس 2،24،23:11) ( مرقس 22:14). إنّ تناول جسد الرّبّ أيّ ثبات الرّب فينا وثباتنا فيه، هو العهد الجديد مع الله بيسوع المسيح. عهد الإنسان الجديد الحرّ والكامل بالمحبّة، كما اختارنا فيه قبل إنشاء العالم لنكون عنده قديسين بلا لوم في المحبة. ( أفسس 4:1).