ينظر إلينا يسوع فيحرّك قلبنا في أحشائنا بل ينتزع منه قسوته وصلابته ويعيد إليه الحبّ الأوّل، أي يعيده كما كان يوم خلقه الله، على صورته كمثاله. إنّها النّظرة الّتي من الصّعب أن نفهم سرّها العظيم أو أن نتبيّن ماهيّتها. فإذا قلنا نظرة حنان فإنّها أكثر من ذلك، وإذا قلنا نظرة رحمة فهي أبعد من ذلك، وإذا قلنا نظرة حبّ فهي أعمق من ذلك. إنّها نظرة الله المحبّة في عمق إنسانيّة الإنسان؛ تلك النّظرة الّتي لا تدين ولا تحكم وإنّما تلمس الجرح الإنسانيّ وتداويه. والجراح تتفاوت بين جسديّة ونفسيّة وروحيّة، ولكلّ منّا جرحه الّذي يراه الرّبّ ويلمسه بل ويحتمله معنا ويشفيه. نقرأ في إنجيل متى الفصل الرّابع أنّ يسوع دعا سمعان الملقّب ببطرس وأخوه أندراوس وقال لهما: " اتبعاني، أجعلكما صيّادَيْ بشر. فتركا شباكهما في الحال وتبعاه" ( متى 20،19:4). لعلّنا ونحن نقرأ هاتين الآيتين نعتبر أنّ الموضوع بسيط وأنّه من الطّبيعي جدّاً أن يتبع سمعان وأندراوس المسيح. ولكنّ الموضوع ليس بهذه البساطة، فالمسيح ليس ساحراً أو زعيماً أو حتّى صيّاداً، وعبارة ( أجعلكما صيّادي بشر) ليست واضحة تماماً بالنّسبة للتّلميذين، ولو بحثنا فيها منطقيّاً لما وجدنا تبريراً لهما إذ تبعاه. إلّا أنّ يسوع حرّك قلبيهما وجعلهما يعدوان خلفه بدون أي سبب منطقيّ، فتركا الشّباك للحال، أي مورد رزقهما، وتبعاه فوراً. وكذا نظر إلى المرأة الخاطئة في ( يوحنا 11:8) وقال لها:إذهبي ولا تخطئي بعد الآن"، ولا بدّ أنّه بدّل حياتها كلّها وملأها من حبّه ورحمته. إنّها النّظرة الّتي لا ترى من الإنسان إلّا جماله وإن بدا منه القليل، والنّظرة الرّحومة والمربّية الّتي تقوّم سبل الإنسان وتخلق فيه قلباً جديداً ينبض بحبّ الله. ولمّا نبضت القلوب بحبّ الله بثّت في الجسد كلّه حياة جديدة. نظر إلينا الرّبّ وأحبّنا ثمّ أتى إلى عالمنا المسكين، واتّخذ صورة إنسانيّتنا الفقيرة والضّعيفة ليرفعها إلى أسمى وأرفع الدّرجات. فحبّذا لو ننظر إلى بعضنا البعض بعيون يسوع المسيح ونبحث عن جمال بعضنا البعض، حتّى نستقبله استقبالاً يليق بحبّه الّذي لا ينتهي ولا يفنى. هو وحده الّذي يليق به كلّ مجد وإكرام مع أبيه وروحه الحيّ القدّوس، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين. أمين.