منذ ان بدأت صونيا عامر كتابة الشعر، كانت ترغب في ان تطلق على ديوانها اسم (تيه) وقد ازدادت هذه الرغبة عندما ايقنت ان هناك ارتباطا بينه وبينها، تقول: اصررت على اختيار (تيه) لأنه يدل على التوهان والغنج، واشعر بأنني اجد هتين الصفتين في شخصيتي، كما اعتبر ان هذا الديوان بمثابة مولودي الاول. ديوان تيه، يقدم للقارئ صوراً شعرية جميلة وواقعية تنبض بالحياة، حيث النصوص الشعرية ممتعة، فمن خلال البساطة والكلمات العميقة قدمت لنا الكاتبة صورا تجسد الوعي الذاتي والتجربة الشخصية للشاعرة، فالديوان يروي قصصا استعارية أو استعادية أدبية عن صونيا الانسان والطفولة، اللوحات الفنية، الانسانة والاسرة: تعرفنا عليها بعمق أكبر، اقتربنا منها من هدؤها، نظرتها لعالمنا، عالم الصراع والمتناقضات، ورؤيتها النقدية لذاتها، "لوكتبت ستعيد كتابة قصائدها بصورة اخرى"، اليوم نفهم الشاعرة أكثر واعمق من الأمس، وسنعرفها اكثر في الصباحات والامسيات القادمة، فأنت يا صونيا ايقونة للكلمة والجمال والحب الابدي. وفي ديوانها (التيه)، تتجلى واحدة من صور شخصية صونيا عامر في قصيدة "وغلب الشيطان الشعر"، هذه الجدلية بين الخير والشر، الملاك والشيطان، الابيض والاسود، رمزاً محوريا في ديناميكية الحياة، ورمزاً للحب وصيرورة البقاء، تكحم عالمنا وقوانينه، هكذا خلق ألله المرأة، قوة للتوازن ومحوراً للتناقض والصراع، ففي قصيدة "وغلب الشيطان الشعر" يذهب البناء الشعري لمعاينة وتحليل اشكالية العلاقة بين الحب (الخطيئة) والايمان (الفضيلة) طريق الانسان نحو الجنة والخلود، ليطرح ذات الاسئلة السرمدية من ملحمة كلكامش للبحث عن سر الخلود. وتستمر اشكالية العلاقة والصراع بين المتناقضات، بين الدين والدنيا، ليتولد شعورا واحساساً عميقا في بنية قصيدة صونيا عامر، بالقلق حيث تقول: "عانيت الأمرين بين ديني ودنياي"، القلق بين البحث عن اللذة والفرح والسعادة، أو القبول بالحرمان وتعذيب النفس للتكفير عن الخطيئة الأولى أملا بالحصول على الجنة، وبين هذا وذاك اختارت الشاعرة الحب، لتضيف الى الخطيئة الأولى خطيئة جديدة، ولتؤكد مرة أخرى ان الحياة الانسانية قائمة ومستمرة على ثنائية فلسفية ودينية، ولايمكن للحياة ان تستقيم على أحادية الخير، فالشر باق مابقيت الحياة والرغبات والغرائز والاحاسيس. هكذا، تقدم لنا الشاعرة في لحظة شعرية سرمدية صورة فلسفية للتمرد على المجتمع وقيمه، فمع ادراكها لمخاطر خيار الحب، أختارت الحب ورفضت ثنائية العالم، لتعلن رؤيتها للعالم من منظور أحادي، يتمثل بالعالم المادي والحسي الدنيوي، تتركنا وتترك عوالمنا، لتهاجر مع حبيبها الأسمر، هناك: حيث لاجنة ولا نار. الكاتب : د. غازي فيصل حسين أستاذ تحليل المضمون أكاديمية الدراسات العليا