استيقظت على صدى كلمات قصيدة، ك قرع الأجراس في أذنها، وجدت وسادتها غارقة، وملح متكلس على رموشها، منحهما ثقلًا، تقاوم وتحاول أن تفتح عينيها، وأن تنتزع نفسها من براثن سريرها، الذي أدمن رقادها، وعشق تبعثرها عليه، في أوضاعٍ مختلفة، أحبهم لقلبه، وضع الجنين المنكمش على ذاته، باحثاً عن الدفء والأمان من داخله. انتزعت نفسها وقامت، تجولت في أرجاء الغرفة كالباحث عن شئ، وقفت و فكرت لحظات "عما تبحث ؟"، لم تتذكر!! استمرت الكلمات تتردد في أذنها، وتتسرب رويدا رويدا إلى روحها "ولكني شقيتُ بحسن ظني" استمرت في محاولة تجاهلها، اتجهت إلى المطبخ لعمل مشروب دافئ، يبدد القشعريرة التي تشعرها بها في جسدها منذ الأمس، رغم أن أغسطس يفرض نفسه ويثبت وجوده بشدة. تعاود الكلمات عنادها وتتكرر " ولكني شقيتُ .. شقيتُ" لم تترك لها فرصة للاختيار، لم يعد أمامها سوى مواجهتها. فتحت جهاز الكمبيوتر وبحثت عن الأغنية، ها هي ساكنة في مجلد الأغاني، ستمارس معها هذه القاعدة التي طالما كرهتها "أحسن وسيلة للدفاع .. الهجوم" ستضغط عليها لتكرر نفسها، حتى تمل من نفسها، وتصمت طويلاً، وتكف عن ملاحقتها هكذا. بدأت الأغنية، فخطفها صوت الكمان، كانت تشعر بارتباط مع هذه الآلة. أيمكن أن يكون الإنسان أصله آلة ؟! و إلا ما سر هذا الحنين والتشابه الغريب، كأن أوتارها شُدت من أحبالها الصوتية، و كأن أنينها يتماهى مع الشجن الموشوم بأعماقها. كانت كلما استمعت لصوتها تشعر وكأن روحها انسلخت من جسدها، ولا تدري هل تلتف الأوتار حول روحها، فتطلق صرخاتها مستنجدة، أم أن روحها تثب على الأوتار، وتلقي بأوجاعها، فتثقلها، وتصرخ مستغيثة؟ راحت النغمات تحرضها، وربما آهاتها حرضت النغمات، لم تحتمل ولم تستطع المقاومة وأطلقت سراح دموعها. انتهت وصلة البكاء، و بدأت كلمات الأغنية في التقدم مستفزة ذاكرتها، ماذا حدث بالأمس؟ لم يحدث شئ جديد، مجرد خيبة، لم تكن تحسب حسابها. واجهتها بشجاعة وقالت لها وهي تغرس نصلها في شغاف القلب : (طعنتك لم تؤلمني، فالقلب النازف وجعاً، لن تضيره طعنة "خيبة" جديدة، وابتسمت ابتسامة باهتة، وسألتها : "أما زال لديكِ رفيقات ؟" (لا تأتينني فرادى، اجتمعوا لتشكلوا الضربة القاضية!!) تجاهلت الخيبة تساؤلاتها وأمنيتها، وراحت تؤدي مهمتها بصمت، انتزعت شجيرة أمل من روحها وأذابت حفنة مرارة بابتسامتها، شذبت براعم الفرح المتنامية خجلى، استسلمت لها لا مبالية ونامت، لم يوقظها سوى تلك الأغنية العنيدة. ها هي تتكرر وتتكرر، كورالها صامت وموسيقاها أنين، وكلماتها صفعات قاسية. تبكي وتبكي، تسد أذنيها، يرتفع صوت بكائها، تكتم أنفاسها، حتى لا تفرح الخيبة، تكتمها أكثر،ترى ملاكًا، يضمها بجناحيه. تكتمها أكثر، فيضمها أكثر وأكثر، ولا يتركها إلا بعد أن تحول لون بشرتها من الوردي إلى الأزرق و ما زالت الأغنية تتكرر !!