وأثناء ما كان يحصل في بيت مستر " بلفور " العجيب توفر عدد من الضباط في مركز شرطة المدينة على فحص تاريخ " توبياس بلفور " بالنسبة لسجلات الميلاد والدراسة والزواج والميراث والمعاملات التجارية وخلافه .. وحسنا فعلوا .. لأنهم وقعوا على مفاجآت بالغة الغرابة .. " توبياس هنري جوناثان بلفور " .. لغز كبير .. رجل منطو بالغ الثراء شبه معتوه .. نعم ( شبه معتوه ) لأن تهمة العته لم تثبت عليه بعد .. لا لأنهم يشيعون عنه أنه معتوه ! ملياردير ورث ثروة هائلة باردة ، لم يتعب في جني سنت واحد منها ، عن آباء وأجداد كلهم ، كلهم بلا استثناء ، لديهم تاريخ مع المرض العقلي والنفسي .. لكن أي منهم لم يتم إيداعه مصح للأمراض العقلية أو ليس لديه شهادة تثبت إصابته بمرض عقلي أو نفسي .. لكن شهادات كل من عاشرهم أو ساكنهم أو خدمهم أو عمل معهم دامغة في ذلك الأمر .. لكن الحقيقة أن الحفيد الأخير ، وآخر وريث للأسرة ، هو الوحيد الذي لديه تاريخ مرضي نفسي موثق ! نعم موثق .. وإن كان التوثيق قد أُخفي بمهارة وبفضل قوة عائلة " بلفور " الثرية بالغة النفوذ .. المدهش في الأمر حقا أن " توبياس بلفور " يجهل تاريخه المرضي النفسي ولا يعلم شيئا عن إيداعه في مصحة نفسية خاصة باهظة المصروفات وهو في سن الثالثة عشرة بسبب أعراض نفسية وعقلية مجهولة لم يستطع أطباؤه التوصل إلي تشخيص دقيق لها .. كل ذلك لا قيمة له ما دام الرجل لم يرتكب ، حقا ، فعلا مخلا أو مخالفا للقانون .. لكن من قال أنه لم تحم حوله شبهة من ذلك النوع أيضا ؟! إن لدي " توبياس بلفور " شبهة قتل وإخفاء قسري لم يجري التحقيق معه فيها بتاتا .. لا لشيء إلا لأنه لم يقم دليل واحد على تورطه في أمر كهذا .. ولا لشيء أيضا إلا لأن المجني عليه ، أو عليها ، المفترض في تلك الشبهة قد ظهرت في مدينة تبعد ألف وأثنين وأربعون ميلا عن موقع منزل السيد " بلفور " بعد الاشتباه في اختفائها القسري بستة أيام ! تلك المجني عليها المفترضة لم تكن سوي زوجته السيدة " جيسيكا " ! ولكن لا أحد من ضباط فرقة البحث الذين رافقوا السيد " بلفور " إلى منزله كان على علم بتلك الشبهة القديمة ولا بأي من تلك المعلومات الخطيرة .. المعلومات بالغة الخطورة إن شئتم العدل والصراحة ! ................................. ركضا صعد الجميع إلي أعلي .. بقية فرقة الشرطة ومعهم مستر " بلفور " ووصلوا خلال نصف دقيقة ليجدوا الضابط " وينفري " واقفا مذهولا وسط القاعة الضخمة بينما تمدد زميله " جيم باتون " على الأرضية اللامعة والدم ينزف بغزارة من رأسه .. كان " باتون " شاحبا فاقد الوعي كما بدا لهم من أول وهلة .. ولكن عندما أتجه أحد زملائه المترددين نحوه ولكزه بلطف فتح " جيم " عينيه .. كانت عيناه خابيتان وهناك نظرة واسعة بلا تعبير مرتسمة فيهما .. مد " وينفري " وآخر أيديهما لمساعدة زميلهما " باتون " على النهوض .. نهض بصعوبة والدم لا زال يسيل من مقدمة رأسه هتف أحد الواقفين مستنكرا : " جيم ! ماذا حدث .. كيف أصبت تلك الإصابة البالغة ؟! " صمت " جيم " قليلا ومضي يمسح الدم عن رأسه ورقبته بمنديله القماشي الغريب التهاويل ثم نطق أخيرا ليقول بصوت ضعيف : " لا أعرف يا سيدي .. لقد كنت أتفقد الحجرة عندما شعرت بشي ثقيل يسقط فوق رأسي ! " نظر " وينفري " حوله وأخذ الباقون يتلفتون حولهم بسرعة محاولين العثور على الجسم الساقط الذي دك مقدمة رأس " جيم باتون " وأسال منه كل هذا القدر من الدماء .. ولكنهم لم يجدوا للأسف أي شيء في غير موضعه ! إذن أين ذهب الجسم الذي سقط وضرب رأس " باتون " الأبله هذا ؟! شعر " جيم " ، رغم الدوار الذي يلف رأسه ، بالنظرات النارية التي تحدجه بعنف وتقول له بصراحة : " أنت أبله .. لعل ساقك زلت وسقطت ضاربا رأسك في الأرضية .. فلا تملأ الدنيا صراخا ! " وفعلا قرر " جيم " ألا يملأ الدنيا صراخا وأجاب على النظرات الجارحة بهزة رأس متعبة وجملة قصيرة خرجت بصعوبة من بين شفتيه المنهكتين : " لا بأس .. لعلني أوقعت نفسي دون أن أنتبه ! " وعند ذلك أنتهي الموقف .. وقادهم " بلفور " إلى خارج القاعة .. خرج الجميع في المقدمة وتبعهم هو .. لكن ليس قبل أن يلقي نظرة مسحية على القاعة خاصة على سقفها .. حيث تلقي بسمة متفهمة وهزة رأس من نموذج فريد الجمال مستو بغطرسة على جدار جانبي !