عرف العالم مصطلح الديموقراطية الانتقائية من الغرب الأوروبي وامريكا! فعندما تتم انتخابات حرة ونزيهة في أي دولة من دول العالم الثالث وتأتي بمن لا تحبهم أمريكا أو أوروبا يتهمون حكومات تلك الدول بالتزوير وبعدم نزاهة الانتخابات! أما إذا كانت النتيجة بما يحبون يهللون لانتصار الديموقراطية لأنها أتت بمن يريدون! في الثمانينات من القرن الماضي رأينا بأعيينا وعايشنا تجسيدا عمليا لهذا المصطلح الانتقائي! ففي دولة الجزائر الشقيقة أراد الرئيس الجزائري – حينها – الشاذلي بن جديد أن يضع الجزائر علي خريطة الدول الديموقراطية الحرة ، فأعلن عن انتخابات تشريعية حرة ونزيهة تماما دون أي تدخل من الحكومة ! هللت أوروبا وفي مقدمتها فرنسا الراعية الأساسية لدول المغرب العربي بعد أن فشلت في تنصيرها أو أفرنجتها رغم احتلالها لها مئات السنين وممارستها هناك أقسي أنواع الاحتلال الثقافي والعسكري والديني !. انتظر العالم الغربي كله بلا استثناء نتيجة التجربة الجزائرية الرائدة في المنطقة العربية التي لا تعرف سوي النظم الديكتاتورية وحكم الطغاة ! تمت الانتخابات الجزائرية بشفافية لم تعهدها المنطقة العربية من قبل بشهادة المراقبين الأوروبيين أنفسهم وكتم العالم أنفاسه ترقبا لإعلان النتيجة النهائية لتلك الانتخابات النزيهة بشهادتهم أنفسهم قبل الجزائريين ! وحققت جبهة الإنقاذ - إسلامية التوجه - المفاجأة وتقدمت علي جميع التيارات والفصائل لتصبح علي بعد خطوة واحدة من تكليف أحد أعضائها بتشكيل الحكومة وهنا وقفت الديموقراطية الغربية موقفا غريبا!. لقد أعلنت أوروبا علي لسان فرنسا عن عدم رضائها عن نتيجة الانتخابات الجزائرية- والتي شهدوا لها من قبل بالشفافية والنزاهة!- وأعلنت أنها تخشي من سيطرة الإسلاميين علي الحكم في الجزائر فينفرط عقد الحضارة الغربية هناك وتصبح الجزائر القدوة لكل الدول العربية والإسلامية ! استشعر الغرب الأوروبي وامريكا الخطر فتم التمهيد لوقوع انقلاب عسكري يطيح بالرئيس الشرعي ويلغي نتيجة الانتخابات الشرعية النزيهة ليعود الظلم تحت تشجيع أوروبا وامريكا ويتم كل ذلك بمباركة غربية وعربية أيضا ! لتبدأ الحرب العلنية علي جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر ويبدأ تطبيق أسلوب تجفيف المنابع للعقيدة الإسلامية واللغة العربية حتي يتم القضاء علي كل ملمح إسلامي وعربي لندين جميعا بالولاء للغرب وامريكا!. نعيش هنا في مصر منذ إجراء أول انتخابات حرة ونزيهة بعد ثورة يناير 2011 ظروفا مشابهة لما حدث في الجزائر! فمنذ قيام ثورة يناير 2011 لم تتمكن القوي العلمانية من تحقيق أي تقدم علي التيار الديني الإسلامي رغم الآلة الإعلامية الجبارة والتمويل الخارجي من بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات والتمويل الداخلي من رجال أعمال نظام الرئيس المخلوع مبارك ! فعلي مدي عامين تقريبا تم إجراء استفتائين وثلاث انتخابات لم تستطع القوي العلمانية من تحقيق أي تقدم ! ففي الاستفتاء الأول في مارس 2011 علي التعديلات الدستورية حقق التيار الديني ما يريد إرضاءً للمجلس الأعلي للقوات المسلحة – الحاكم آنذاك – وهاجم التيار العلماني التيار الديني الذي أرهب المواطنين بالجنة والنار!. وصرخت قوي التيار العلماني وطالبت المجلس العسكري بتأجيل الانتخابات البرلمانية والتي كان مخططا لها شهر 4/2011 حتي تتمكن الأحزاب الجديدة وشباب الثورة من خلق شعبية لهم علي الأرض ! وتم التأجيل من 4/2011 حتي 6/2011 ثم تواصل التأجيل حتي ثارت الجماهير ليعلن المجلس العسكري عن بدء الانتخابات في شهر 11/2011 لمجلس الشعب وذلك علي 3 مراحل وتمت الانتخابات باكتساح التيار الديني الانتخابات لتسدد الضربة الثانية للتيار العلماني في انتخابات حرة ونزيهة شهد لها العالم ! وما أن انتهت انتخابات مجلس الشعب حتي بدأت انتخابات مجلس الشوري ليحقق التيار الديني النجاح بنسبة أكبر من نسبته في مجلس الشعب ليسيطر التيار الديني علي البرلمان بغرفتيه للمرة الأولي في التاريخ النيابي المصري! ثم جاءت انتخابات رئاسة الجمهورية الأولي في التاريخ المصري بين مرشحين مدنيين وعسكريين ! وصرخ بعض المرشحين خوفا من الفشل في الانتخابات وأعلن المجلس العسكري عن اجراء الانتخابات علي 3 مراحل حتي تتمكن القوات المسلحة من السيطرة الكاملة علي الوضع الأمني وليشرف القضاء علي جميع الدوائر !. تمت الانتخابات بنزاهة شهد لها العالم وانتهت الجولة الأولي بعبور محمد مرسي مرشح التيار الديني ( الإخوان المسلمين) وأحمد شفيق ( آخر رئيس وزراء في عهد مبارك قبل خلعه ورئيس وزراء موقعة الجمل أثناء الثورة) وبدت المعركة الانتخابية علي أشدها بين تيارين اثنين لا ثالث لهما، التيار الديني بزعامة الإخوان والتيار العلماني بزعامة رجال نظام مبارك والكنيسة! وفاز مرشح التيار الديني محمد مرسي برئاسة الجمهورية لتكون الضربة الرابعة علي التوالي للتيار العلماني ! ثم جاءت القشة التي قسمت ظهر البعير ! فقد كان الاستفتاء علي الدستور الجديد آخر معركة انتخابية إن جاز التعبير بين التيار الديني والتيار العلماني ! ورغم الحشد والإعلام المتحيز للتيار العلماني ونظام مبارك الذي لم يسقط بعد كما سقط رئيسه فقد صوت المصريون للدستور المصري الجديد لتكون الضربة القاضية علي آمال التيار العلماني في قيادة الشارع المصري ! ليعلم أنصار التيار العلماني ونظام مبارك أنهم لن يحققوا بالديموقراطية أي تقدم علي الأرض! من هنا أصبح لزاما علي التيار العلماني ونظام الرئيس المخلوع مبارك البحث عن مخرج آخر ليكون لهم موطيء قدم في السلطة التنفيذية ! كانت السعودية والإمارات في مقدمة دول الخليج التي قطعت العلاقات الاقتصادية مع مصر عقب ثورة يناير مباشرة ، وأبقت علي العلاقات الديبلوماسية في مستوي بين الموصول والمقطوع ، واحتضنت جميع رجال نظام مبارك وفتحت لهم خزائنها ومدنها لتخطط من جديد لضرب التيار الديني الحاكم بأي وسيلة مشروعة وغير مشروعة! فبدأت الآلة الإعلامية المأجورة تنفث سمومها في جماهير الشعب وبدأ نظام مبارك الذي لم يسقط بعد في تصدير الأزمات الواحدة تلو الأخري للشعب المصري وساعدهم في هذا الأمر الغباء السياسي الذي تميزت به الجماعة الحاكمة ورئيسها باستئثار التيار الديني بالمناصب بنسبة كبيرة معتمدا علي نسبته البرلمانية رغم أن النسبة البرلمانية وحدها غير كافية للسيطرة علي الشارع المصري!. وعلي مدار عام منذ تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم في مصر لم يهدأ الشارع المصري لحظة واحدة واستعدي الرئيس وجماعته القضاء بعزل النائب العام عبد المجيد محمود بطريقة غير دستورية – رغم أنه كان أحد مطالب الثورة المصرية !- واستعدي الإعلام المأجور من الأساس واستعدي المثقفين بتعيينه وزير ثقافة غير مقبول ! ارتكب الرئيس وجماعته أخطاءً ساذجة سياسيا مع التصدير المستمر للأزمات في الشارع مثل الوقود والكهرباء والأمن مما زاد في وتيرة العداء للرئيس وجماعته مما خلق نوعا من الاطمئنان لدي أعداء الثورة المصرية في الداخل والخارج العربي خاصة السعودية والإمارات مما ساعد من شحن الجماهير بالعداء المتنامي والمستمر للرئيس وجماعته ! حتي وصل الأمر لإنشاء حركة يتم تمويلها من الداخل والخارج بأسلوب مباشر وغير مباشر ! عبر آلة إعلامية مأجورة فوصل الأمر ذروته عندما أعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوم الأربعاء 3/7/2013 عن عزل أول رئيس مدني منتخب في التاريخ المصري علي الإطلاق ليحقق للمعارضة العلمانية ما تريد من الوصول إلي سدة الحكم علي ظهر الدبابات لأنها فشلت في الوصول عبر الأساليب الديموقراطية علي مدار عامين !. إن قبول المعارضة العلمانية بهذا المبدأ بالوصول إلي سدة الحكم علي ظهر الدبابات وعن طريق عزل أول رئيس مدني منتخب لهو المؤشر الأساسي أن الديموقراطية الانتقائية أصبحت من مبادئنا رغم ادعائنا المستمر أننا نريد الحرية والديموقراطية ! لقد فضلت المعارضة العلمانية ورجال نظام مبارك الديكتاتورية والانقلاب علي الشرعية عن مواصلة طريق الديموقراطية الصعب ! فالديموقراطية عبارة عن تراكم التجارب الديموقراطية نجاحا وإخفاقا ! والتحمل في سبيل الوصول إلي الهدف المنشود من الحياة في حرية حقيقية وديموقراطية حقيقية لنفتخر أننا شعب يفضل الموت في الميادين كما حدث أثناء ثورة يناير2011 عن الحياة في ذل واستعباد لطغيان حاكم مثل المخلوع مبارك ونظامه الفاسد الذي بدأ يطل برأسه من جديد كما تفعل الأفعي عندما تهم بالخروج من جحرها تحت الأرض!.