يقول سيدى أحمد بن عطاء الله السكندري: ( اجتهادُك فيما ضُمِنَ لك، وتَقْصيرك فيما طُلِبَ منك دَلِيلٌ على انطِمَاسِ البصيرة منك) الاجتهاد في الشيء: استفراغ الجهد والطاقة في طلبه، والتقصير: هو التفريط والتضييع، والبصيرة ناظر القلب، كما أن البصر ناظر القالب، فالبصيرة لا ترى إلا المعاني، والبصر لا يرى إلا المحسوسات. أو تقول: البصيرة لا ترى إلا اللطيف، والبصر لا يرى إلا الكثيف. أو تقول البصيرة لا ترى إلا القديم، والبصر لا يرى إلا الحادث. أو تقول البصيرة لا ترى إلا المكون، والبصر لا يرى إلا الكون. فإذا أراد الله فتح بصيرة العبد أشغله في الظاهر بخدمته، وفي الباطن بمحبته فكلما عظمت المحبة في الباطن والخدمة في الظاهر قوى نور البصيرة من المعاني اللطيفة والأنوار القديمة. وإذا أراد الله خذلان عبده أشغله في الظاهر بخدمة الأكوان، وفي الباطن بمحبتها، فلا يزال كذلك حتى يطمس نور بصيرته، فسيتولى نور بصره على نور بصيرته، فلا يرى إلا الحس، ولا يخدم إلا الحس، فيجتهد في طلب ما هو مضمون من الرزق المقسوم ويقصر فيما هو مطلوب منه من الفرض المحتوم. ولو كان بدل الاجتهاد استغراقاً، وبدل التقصير تركاً لكان بدل الطمس عمى وهو الكفر والعياذ بالله. لأن الدنيا كنهر طالوت ولا ينجو منها إلا من لم يشرب أو اغترف غرفة بيده لا من شرب على قدر عطشه فافهم.