بقلم د/نورا عبد العظيم – باحث بمركز تحقيق التراث دار الكتب والوثائق القومية عند الحديث عن ذوي الاحتياجات الخاصة لابد من إلقاء الضوء على أن الإعاقة ليس إعاقة الجسد ولا العقل فقط و لكنها إعاقة الإرادة فالتحدي الأصعب في الحياة هو مواجهة الذات وليس الناس فكل فرد يعاني من خوف ما ولكن من يتخطي خوفه يصبح قادرًا علي التغيير فكيف لمن يعاني من الإعاقة الجسدية أو العقلية فقد لا يكون كالأصحاء ولكن يمكن أن يتميزوا بقدرات إضافية أخري تجعلهم من أصحاب الإنجازات التي يقتدي بها الآخرون هذه حقيقة واقعة أثبتها قاهري المستحيل من ذوي الاحتياجات الخاصة والذين تمكنوا من تحدي الإعاقة عبر التاريخ واستطاعوا بقدرتهم علي التغيير صنع العجائب بعد أن تسلحوا بسلاح قوي وهو الإرادة ،ليؤكدوا أن الإعاقة لم تكن حجر عثرة في طريقهم بل طريقًا لإثبات الذات والتميز والإبداع . ومن أشهر من قهروا المستحيل”بيتهوفن” والذي رفع شعار لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة وهو شخص ليس فقط تحدي الإعاقة,بل استطاع رغم إعاقته أن يسَطر اسمه في التاريخ متحديًا كل المبدعين في مجاله. ولد “بيتهوفن” عام 1770م في ألمانيا وكان والده يعمل مغنيًا بكنيسة البلدة,وكان لهذا الفضل أن يبذر أول بذرة في غرس موهبة “بيتهوفن “وحبه المفرط للموسيقى، فقدم أول أعماله الموسيقية وعمره ثمان سنوات فقط. كان والده يعلمه الموسيقى واللعب على البيانو صغيرًا ,وبدأت صورة طفولته الأولى تتبلور لديه في وقفته على كرسي صغير وهو في سن مبكرة أمام مفاتيح البيانو والدموع تنهمر من عينيه, فكان والده يجبره بقسوة على التدريب المتواصل,حتى وصل لسن الحادية عشرة من عمره كان لا يتعلم شيئًا غير الموسيقى. عندما وصل سن الرابعة عشر من عمره حصل على وظيفة عازف الأرغن المساعد بإحدى الكنائس, وكانت وظيفته تتضمن العمل كعازف للهاربسيورد بمسرح القصر لتدريب المغنيين على خشبة المسرح, وهذا يدل على المستوى الفني الكبير الذي كان قد وصله له. كانت تحتوى مؤلفات بيتهوفن في الأوركسترا على تسع سيمفونيات, وخمس مقطوعات على البيانو وأخرى على الكمان, وألف غيرها من المقطوعات للأوبرا, حتى سمى ب “مطور الموسيقى الكلاسيكية”. بعد هذا النجاح الباهر الذي وصله “بيتهوفن “مبكرًا ونبغ فيه بدأ “بيتهوفن “يفقد أغلى ما لديه وما صنع موهبته, بدأ يفقد سمعه تدريجيًا , حتى فقده تمامًا في العقد الثالث من عمره. انعزل “بيتهوفن “عن الحياة الخارجية,فقد قضى أكثر من عشرين عامًا وهو أصم, وأمتنع عن العزف في الحفلات العامة, وأصابه اليأس حتى قال أحد أقرب أصدقائه أنه كاد يصل يأسه للانتحار, وأحب الكونتيسا “تريزا “ورفضته بسبب إعاقته وأمضى حياته بلا زواج وعاش معذبًا. لم يستسلم “بيتهوفن” لإعاقته رغم تأثيرها القوي في نفسيته وعلاقته مع الحياة الخارجية, فألف “بيتهوفن” أقوى مقطوعاته وهو أصم وهي المقطوعات الأكثر شهرة في عالم الموسيقى الكلاسيكية, حتى بلغ فيها خياله وإحساسه بالموسيقى مقام أذنه. سمى “بيتهوفن” بعد ذلك ب “أبو السيمفونيات” وألف أشهر مقطوعتان وهما “السيمفونية التاسعة والخامسة”, وله دور في تطوير الموسيقية الكلاسيكية لن ينساه التاريخ, وكان “بيتهوفن “أفضل مثال على القوة والصلابة في تحدي الإعاقة. ومما لاشك فيه أن قهر الإعاقة نجاح كبير يتطلب إرادة قوية والتاريخ يعلمنا أن مواجهة الخوف والذات كافية لتحقيق المعجزات ومن هؤلاء “إديسون” مخترع و رجل أعمال أمريكي ، له العديد من الاختراعات التي كان لها أثرًا كبيرًا على البشرية حول العالم، مثل تطوير جهاز الفونوغراف و آلة التصوير السينمائي بالإضافة إلى المصباح الكهربائي المتوهج العملي الذي يدوم طويلًا . أطلق عليه مراسل إحدى الصحف لقب “ساحر مينلو بارك” ولد”إديسون” عام 1847م وعانى من مشاكل في السمع في سن مبكرة وكان يعزى سبب الصمم له لنوبات متكررة من إصابته بالحمى القرمزية خلال مرحلة الطفولة دون تلقيه علاج لالتهابات الأذن الوسطي. بدأ “إديسون “مسيرته بولاية نيو جيرسي حيث اخترع المُكَرِّر الآلي وغيره من الأجهزة التلغرافية المتطورة، ولكن الاختراع الذي أكسبه الشهرة لأول مرة كان في سنة 1877م حيث اخترع الفونوغراف ، وكان هذا الإنجاز غير متوقع على الإطلاق حتى من قبل عامة الجمهور لاعتباره سحريًا. ومن أشهر ممن قهروا المستحيل هيلين كيلر من اسكتلندا أديبة ومحاضرة وناشطة أمريكية، وهي تعتبر إحدى رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتم تلقيبها بمعجزة الإنسانية لما قاومته من إعاقتها حيث أن مقاومة تلك الظروف كانت بمثابة معجزة نشرت هيلن كيلر ثمانية عشر كتابًا ومن أشهر مؤلفاتها” العالم الذي أعيش فيه”، “أغنية الجدار الحجري”، “الخروج من الظلام”، “الحب والسلام”، وترجمت كتبها إلى خمسين لغة ألفت هيلين كتاب “أضواء في ظلامي” وكتاب “قصة حياتي”، توفت عام 1968م عن ثمانية وثمانين عامًا. ومما لاشك فيه أن قهر الإعاقة نجاح كبير يتطلب إرادة قوية والتاريخ يعلمنا أن مواجهة الخوف والذات كافية لتحقيق المعجزات ومن أشهر هؤلاء الشيخ “عبد الحميد كشك” عالم و داعية إسلامي مصري كفيف البصر،ولد بمحافظة البحيرة، يلقب بفارس المنابر، و يعد من أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي و الإسلامي ، له أكثر من ألفين خطبة مسجلة خطب مدة أربعين سنة دون أن يخطئ مرة واحدة في اللغة العربية، حفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، و في الشهادة الثانوية الأزهرية كان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بالأزهر. وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب خاصة علوم النحو والصرف له عدة كتابات أشهرها في” رحاب التفسير”. ومن هنا نستطيع القول أنه ليس هناك إعاقة مع الإرادة والتحدي فمهما كانت احتياجاتك فأنت مميز ،فلا يوجد مُعاق و إنما هناك مجتمع مُعيق لذا حطموا العوائق وافتحوا الأبواب والنوافذ من أجل مجتمع شامل .