أثناء بحثي على موقع اليوتيوب بالصدفة شاهدت حلقة في برنامج العاشرة مساءً الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، في وقت قريب لا أذكر التاريخ تحديداً، وكان ضيوف البرنامج اللواء طيار محمد عكاشة، واللواء طيار نصر موسى، والذين عاصرا تاريخاً طويلاً من الحروب التي واجهتها مصر منذ ثورة يوليو 1952 والحمد لله على أنهما يعيشان بيننا حتى الآن. فحين بدأت بالاستماع إلى الحلقة وذكر اللواء طيار محمد عكاشة بعض الحقائق عن نكسة 1967 لم أكن اسمع بها حتى وقت هذه الحلقة بدأت الأسئلة تدور في ذهني وسألت السؤال الأول: من الذي زور التاريخ؟ لا بل من الذي سرق التاريخ؟ فالتزوير يعني تغيير الحقائق ولكن هذا محو كامل لأننا لم نسمع عنه يوماً في كتب التاريخ التي نسبت تاريخ مصر الحديث كله للرئيس السابق حسني مبارك الذي وصفته ب "باني نهضة مصر الحديثة" فيما سطرت تاريخ ثورة يوليو والضباط الأحرار الذين قاموا بها معرضين حياتهم وأهلهم بل وآمال وأحلام الشعب كله للخطر، وتاريخ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في سطور قليلة، وتاريخ الرئيس المرحوم أنور السادات في سطور بالمثل لا تكاد تذكر كأن هذه الفترة من تاريخ مصر سقطت سهواً أو مرت بدون أحداث. وعندما استرسل اللوائين الضيفين بالحديث عن معارك الطيران المصري الذي نجا من الضربة الإسرائيلية في نكسة 1967 مع سلاح الجو الإسرائيلي والتي تعد بطولات لأنها أتت في وقت عصيب جداً، سألت أين حقوق من قاموا بهذه الأعمال البطولية؟ لماذا لم يذكر عنهم شيء؟ أكان لا بد أن يتحدث أصحاب هذه البطولات بأنفسهم ويقولون فعلنا وفعلنا ليكذبهم الناس ويتطاول عليهم الإعلام الفاسد ويدعي أن حديثهم من وحي الخيال؟ فنحن لم نكن نعلم عن النكسة أو حرب الاستنزاف التي سطرت فيها مصر أروع البطولات، أو حتى تفاصيل حرب استرداد العزة والكرامة في أكتوبر 1973 حتى الآن، نحن لا نعرف التاريخ الصحيح وغيبنا عن حقائق تاريخنا في لعبة إعلامية طال مداها من أجل رفعة نظام حكم فاسد زيف الحقائق وسرق تاريخ أمة من أعظم أمم الأرض. لم نرى أو نسمع يوماً في إعلامنا أي تفاصيل عن حرب أكتوبر سوى بعض الأفلام التليفزيونية بالأبيض والأسود التي عاف عليها الزمن وأصبحت محفوظة من كثرة العرض على الشاشات ثم يلغي كل مراحل الكفاح والنضال والتضحيات وخطط الهجوم والدفاع والمغامرات العسكرية التي تمت ويطمسها ويمسخها تحت كلمة واحدة "الضربة الجوية الأولى" وينسبها للسيد الرئيس المبجل محمد حسني مبارك طيلة أكثر من ثلاثة عقود زمنية هي عمر جيلنا، ولم نر يوماً السيد الرئيس في خطاباته عن حرب أكتوبر التي ينسب الفضل في نجاح هذه الضربة لأي أحد شارك فيها، ولم نسمع منه أن نسبها لطياريه المقاتلين على الأقل. ولكن شاءت إرادة الله عز وجل أن يبقى من هؤلاء العظماء من هو على قيد الحياة ليحفظ بهم تاريخ مصر، فما أكد لي ذلك هو اعتراض اللواء طيار محمد عكاشة واللواء طيار نصر موسى على نسب الضربة الجوية الأولى ونجاحها لشخص بعينه أو لفئة دون الأخرى، فعندما تحدثا عنها نسباها للصغير قبل الكبير، فنسبها للشعب المصري المكافح بأسره، ونسباها للعمال الذين كانوا يحملون الرمال على رؤوسهم وظهورهم لبناء الدشم التي تحمي الطيران الحربي من الغارات العدائية، ونسبها للطيارين المقاتلين الذين واجهوا سلاح الطيران الإسرائيلي المتطور بطائرات أقل حجماً وعتاداً وقوةً، ولكل جندي شريف في القوات المسلحة، وللرئيس الراحل أنور السادات الذي كان سلاحه الأول هو الإيمان بالله وتنمية الدافع المعنوي للجندي المقاتل لدرجة أنه كان يقولها علناً "الطيار من أبنائي المصريين بعشرة من الإسرائيليين" وهذا سر من أسرار نجاح تلك الضربة الجوية. فلا يصح أبداً أن تنسب للرئيس مبارك ويهمل صبر الشعب ودماء الشهداء، وكفاح الأشراف؟ نحن بصدد سرقة لا مجرد تزييف، سرقة تاريخ طويل يحتوي بطولات عسكرية من حق الأبطال الذين سطروها أن يذخر بأسمائهم التاريخ، ومن حقنا كجيل أن نفتخر بهم وأن يكون تاريخهم دافعاً لنا لنسير على خطاهم من أجل خدمة تراب هذا الوطن، فمن نحاسب الآن على سرقة التاريخ؟ أنحاسب الرئيس مبارك؟ هل هو وحده المسؤول؟ أم نحاسب منظومته التي اتسمت بالفساد على كل المستويات وفي كل المجالات؟ أم نحاسب مؤرخينا الذين ألفوا وكتبوا ثم عجزوا عن نشر ما سطروه؟ أم نحاسب المنظومة الإعلامية الفاسدة التي اتسم خطابها دائماً بالكذب والتضليل والتهويل من أجل تغطية مصائب النظام الذي أسسها؟ أم نحاسب الشعب الذي غيب عن تاريخه وكان كل همه أن يسعى للقمة العيش التي تسد جوعه؟ من نحاسب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأخيراً!!!!!! أتقدم بباقة ورد، وتحية إعزاز وتقدير ووفاء لروح الفريق سعد الدين الشاذلي مهندس حرب أكتوبر المجيد الرجل الوطني الشريف، ورسالة أبعث بها إلى روحه، ارقد بسلام واسعد في آخرتك، فقد رحل نظام مبارك وإن لم تهنأ بهذه اللحظة فقد هنأ بها المصريون. وباقة ورد، ورسالة شكر من القلب إلى الإخوة الأفاضل مؤسسي موقع "مجموعة 73 مؤرخين) على جهودهم الطيبة في جمع وتأليف وتصنيف وتدوين تاريخ الحروب المصرية.