منذ أن تحولت مصر إلى جمهورية، من حوالي ستين عاماً، لم يحاول كثير من أبنائها الإدلاء بأصواتهم في اختيار رئيس لهم، أو نواب يمثلونهم في مجلسي الشعب والشورى، وهذا لأنهم يعلمون أن النتيجة محسومة مسبقاً لصالح الحزب الحاكم، ولهذا كانوا يحجمون عن الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاءات التي تجرى وكأنها لا تعنيهم من قريب أو بعيد. وأتذكر أنني في انتخابات البرلمان الأخيرة، التي فاز فيها الحزب الحاكم بأغلبية ساحقة، كنت أسير بأحد الشوارع بالقرب من دائرة انتخابية، فإذا بسيارتين للشرطة تقفان بجوارها، ويقف بالقرب منهما ضباط أمن دولة يرتدون الزي المدني، ومعهم بعض البلطجية، لإرهاب الجماهير القادمة للاستفتاء، وبلطجية آخرون يمسكون بأحد الشباب ويوسعونه ضرباً، فاقتربت منهم لأوثنيهم عما يفعلون، فإذا بأحدهم يقول لي: ابتعد أحسن لك وإلا أخذتك معه. فقلت له: لقد أتيت لكي «أُحَجِزَ بينكم»، فكيف ترد عليَّ بهذه الطريقة؟ فقال: أنا أمن دولة، أي خدمة؟! فقلت له: شكراً، وابتعدت عنهم، وتركت المسرح برمته، لكي لا أُقحم نفسي في متاهات معهم، وذلك لأن قانون الطوارئ، كان يعطي لمباحث أمن الدولة الحق في استخدام السلطة المفرطة مع الجماهير، دون رقيب أو حسيب. وليس ببعيد عن هذا المشهد، استوقفني أحد بلطجية النظام المخلوع في وسط الشارع، وكان باللباس المدني، ليسألني: إلى أين ذاهب؟ فقلت له: وما شأنك؟ فقال: رد عليَّ بأدب أحسن لك، ومن أسلوبه الغليظ علمت أنه من رجال أمن الدولة، عصا النظام البائد، فقلت له: أنت أمن الدولة، فرد عليَّ باستخفاف: نعم، أنا ضابط أمن دولة. فقلت له: إذاً من حقك أن تسألني، أنا ذاهب إلى السوق. فبادرني بالسؤال: ذاهب إلى السوق أم إلى الدائرة الانتخابية؟ فقلت له: أنا لا أحمل بطاقة انتخابية لأدلي برأيي في الانتخابات. فقال: حظك إنك لا تحمل بطاقة انتخابية، وإلا لكنت أريتك ما لا تستطيع أن تراه. وهذا قليل من كثير مما كان يفعله النظام المخلوع مع أبناء الشعب، فقد كانت لا تمر أي انتخابات رئاسية أو برلمانية إلا ويستعين بالبلطجية لإرهاب المواطنين.. لذلك كان المصريون لا يهتمون كثيراً بالانتخابات. لكن بفضل ثورة 25 يناير، استبشر الناس خيراً بانتخابات نزيهة، يكون لصوت كل مواطن قيمة، لذلك شاهدنا الزحام الشديد والذهاب دون خوف من بلطجية النظام، كما كان في السابق. وفي يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، رأينا الناخبين يتكالبون على مقرات الاقتراع في جميع أنحاء مصر، للإدلاء بأصواتهم، حتى أنني رأيت شباباً دون الثامنة عشرة، ذهبوا للإدلاء بأصواتهم رغم صغر سنهم، بل إني رأيت رجالاً وسيدات طاعنين في السن، لا يستطيعون الوقوف كثيراً، يقفون في الطابور، انتظاراً لدورهم، وذلك لأنهم يعلمون أن الدنيا تغيرت ولا مكان فيها للخارجين على القانون. والأعظم من هذا وذاك، أن كثيراً من المواطنين ذهبوا إلى مقرات الاقتراع قبل فتحها، ليدلوا بأصواتهم قبل ذهابهم إلى عملهم.. فقد أصبح الكل حريصاً على المشاركة في صنع القرار. مهما كانت النتيجة سواء ب«نعم» أو «لا»، هذا لا يهمنا كثيراً، لكن الذي يهمنا في هذا المشهد أن الجماهير قامت من سباتها بعد أن كانت في غفلة من المشهد السياسي برمته. فهنيئاً لمصر، وهنيئاً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهنيئاً لكل الشرفاء، وهنيئاً لشباب 25 يناير، ورحم الله شهداءنا الأبرار الذين ضحوا من أجل الوطن... وهذه بداية الطريق، والله أسأل أن يديم على مصر الديمقراطية، وعلى شعبها الرخاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه. محمد أحمد عزوز كاتب مصري