"الحرية" كلمة بسيطة في حروفها ، عظيمة في معناها .. جَذرها الأساسي "حُر" .. حرفان .. الأول حرف الحاء الدال على الحرارة والحب والحياة ، والثاني حرف راء للدلالة على الرِفعَة والرّقي .. وقد سبق الحاء لكونه سبب للثاني ، وتأخرت الراء كونها نتيجة للأول .. فلا رفعة بدون حرارة ، أو بدون حياة .. ولا رُقي بدون حب ، أو بدون حلم .. وأتأمل .. لماذا أقول تأخرت الراء ولا أقول تأخر الراء .. لماذا اجعلها مؤنثة !! .. الواقع أنها غير مستساغة لي في التذكير ؛ فيبدو وكأنها كلمة كاملة أولها مذكر "ح" وآخرها مؤنث "ر" يربط بينهما حركة ضمّة ديناميكية لتكوين عائلة صغيرة رأسها الرجل وبجانبه المرأة في تكوين فريد لإنتاج كلمة "حُر" ومنها "الحريّة" ... فمن هو الحُرّ؟ وما هي الحُريّة؟ ... أتأمل: إن الجذر "حُر" بتفعيل الضمّة ثم إبداله نحصل على كلمة "روح".. هل هي مجرد صدفة؟ .. إنّ الروح هي الحياة .. فلنعيد سؤالنا بشكل أوضح .. هل الحرية = الحياة؟ ... سنرى !!!. لقد قلنا أن الراء في الكلمة للدلالة على الرفعة والرقي ... والرفعة من الفعل رَفَعَ أي من الارتفاع ، والرقي من الترقي أي العلو .. أي باختصار "التحليق" من الفعل "حلّق" .. وكأن الراء تتبادل الدور مع الحاء عندما يحتاج الأمر. لماذا كل هذه الفلسفة .. لنسأل صديقتي حتشبسوت كل ما نريد وبطريقة مباشرة: "حُتحُت قوليلي .. هل الحرية = الحياة؟" .. تجيب حُتحُت في منتهى الوضوح: نعم ثم نعم .. لقد كنا نرمز للروح بصورة الصقر ودعوناه "حُر" ثم أتي اليونانيون وأضافوا الزائدة اليونانية "وس" فصار "حُورس" ولكننا كنا ندعوه "حُر" في الهيروغليفية .. وقد اخترنا الصقر لكونه من الطيور التي تحلّق في الأعالي على ارتفاعات شاهقة حيث يسمو فوق الهواء ناظرًا ببصره الحاد إلى مدينته الصغيرة محددا أهدافه بكل دقة ومن سمو .. أعين ثاقبة .. عين على الأعداء وعين على الصغار لحمايتهم عند اللزوم في تتابع مدهش .. إننى احتاج لساعات لأكلمك عن "الحُر" ولماذا اتخذناه رمزًا للروح والحرية والملك. - ولكن قوليلي يا حتحت ، إللي أنا فهمته أن الصقر - أو الحُر زي ما بتقولي - بيرمز للروح ، نقول الحياة .. فين هنا الحرية. - ألا ترى يا صديقي .. وهل هناك حرية أكثر من أن تحلق للسماء كيفما شئت؟ إن الحرية منحوته أساسًا من جذر "حُر" .. لا تقل أن "الحرية" كلمة عربية و"الحر" كلمة هيروغليفية .. فإذا فتحت أي مُعجم للغة العربية ستُدهَش عندما تجد أن طائر "الحُر" هو (الصقر). - يا خبر أبيض !!! ده الدنيا دي صغيرة قوي .. - وماذا تظن .. - أنا دورت على الكلمة الهيروغليفية اللي بتعني "حرية" عندكم ، لقيت حاجة غريبة قوي .. لقيتها مجرد صورة شراع سفينة!! .. فسريلي. - طبعًا .. كنا نقول "نف" أو "نفي" بمعنى (يَتَنفّسُ) وبها صورة الشراع كما ترى (Bdg. P.369) ، ونقول "نفو" ونعني بها (أنفاَس) كما نعني بها (حُريّةٌ) كما أسلفت (Bdg. P.351). ومنها قلنا "دي نفو" بمعنى (يُطْلقُ سَرَاح ، يُحَرّر) ، وهي حرفيًا كما تري (يمنَحُ الأنفَاس). ذلك لأننا رمزنا للهواء الديناميكي بصورة الشراع .. وبدون الهواء لن تجتاز السفينة الشراعية في بحر الحياة .. بل ستقف مكانها بلا حراك .. سليمة شكلا ، ولكنها لا تسير وكأنها ميتة .. وهكذا الحرية محركها الأساسي هو الهواء ؛ فبدون الهواء ستفقد الروح .. ستموت .. ولا تنسى أن بدون الهواء سيسقط طائر الحُر ولا يستطيع الطيران. - تصوري يا حتحت انتي فكرتيني بتعبيرات شعبية بتثبت كلامك ده .. لما بيبقى واحد فاقد الحرية بيقول: "أنا اتخنقت خلاص مش مستحمل" ، وأحيانًا اسمع مثلا واحدة تقول لجوزها الغلث: "انت خنقتني .. مش عارفة اتنفس منك" .. أو تقول لجارتها "يا ختي ده بيعد علي النفس اللي داخل واللي خارج" .. فعلا الشراع برمزه للهواء هو تعبير جميل للحرية. - كلامك دقيق طبعًا. - وأنا فاكر كمان يا حتحت تعبير لصديق لي كل ما حد يسأله عن مراته يقول "دي جايبالي كرشة نَفَس" بمعنى (خانقاه) .. أنا مش بمسك السيرة ... ده مجرد مثال. - أريد أن أذكّرك إلى شئ هام جدا وهو أننا بالفعل كنا نضع صورة الشراع في كلمة يتنفس ، وكلمة يحرر أيضًا. - ماشاءالله عليكوا ... ده انتوا كنتوا أراريب .. جمع أروبة يعني .. طب قوليلي: مين هو الراجل الحر في نظركم. - هذا سؤال يعجبني .. كنا نقول "سعح" وكنا نعني بها (رَجلٌ شَرِيفٌ ، صَاحِبُ مَقامٍ رَفيعٍ) كما كنا نعني (رَجُلٌ حُرٌ) (Bdg. P.646)... أي كنا نرادف بين النبالة والحرية ... فلا حرية بلا نبالة كما تعلم .. - فعلا في الصعيد عندنا بيقولوا (الراجل الحُر ياكل من عرق جبينه) أو (الراجل الحر ما تطلعش من بقه العيبة) وكأن الحرية معانيها متداخلة .. فعلا كلكوا حكمة ... أنا ملاحظ حاجة جميلة قوي في الكلمة دي .. أنا شايف انكوا حاطين صورة معزة أو جدي أو ظبي – مش قادر أحدد - وفي رقبتها عليقة لمفتاح الحياة .. عليكوا طريقة غريبة قوي في الرمز. - أرأيت!.. ألا تري العلاقة بين الحرية والحياة والحب والنبالة والرفعة والرقي ... إن المبادئ السامية تتداخل كما ترى ... لذلك أهمس في أذنك وأذن كل شاب مصري ... هل يليق أن يحضر أحد الشباب حذاءًا ويكتب عليه (يا مبارك ، هو ده مقامك) ... هذه حرية مغلوطة .. هل يليق بالحُر أن يهين رمزه حتى وإن كان ظالمًا؟ .. لا تنسى أنه شَارَك في الماضي بصنعه باستكانته؟! أين الافراز والاعتدال؟!! - أنا حاسس بالخجل من ملاحظتك دي. - لا تخجل ؛ فثورتكم عظيمة .. نقيّة .. راقيَة .. منظمة .. بيضاء .. أثبتت للعالم كله رُقي وحضَارة الشعب المصري .. ولكني أردت أن أنبه .. أننا لا بد أن نغضب ونثور لأن ذلك صحّي ، ولكن إن غضبنا لا نخطئ. - كلامك زي الفل وأثّر فعلا فيَّ .. طب نرجع لكلمة "سعح" .. المعزة أو الجدي ده ليه حطيتوه ف....... - إسمحلي مضطرة أمشي .. - رايحة فين .. عندي اسئلة. - جارتنا إيزيس محتجاني معاها نطحن القمح سوا عشان نعمل الأكل .. ونحضّر الغيط عشان البوفيه بتاع فرح بنتها "نفرت". - استني بس .. إيزيس أيه ونفرت أيه؟ أنتي ملكة ولاخدامة .. وأيه الغيط ده .. ما تخليها تعمله في فندق محترم وانتي تقعدي معايا. - أرجوك مُضطرة أمشي (تتركني). - (بصوت مرتفع) طب والثورة دي ، مين هيكلمني عن مفرداتها؟ ده الشباب بقالهم تمنتاشر يوم في الميدان ... وما تنسيش ان اسمه ميدان التحرير .. استني ... يا باشمهندسة .. انتي يا مدام .. يا آنسة. - سوري مستعجلة .. سي يو. - طيب إستنِّي .. هيروغليفي ده ولا انجليزي؟ ... سامح مقار ناروز 14-فبراير-2011 ليبيا - طرابلس