إن أحداث تونس الأخيرة والتى انتهت بخلع وهروب رئيسها زين العابدين بن على كانت بمثابة تذكرة لمن أراد أن يذكر ..وما جرى في تونس أعاد ذاكرة التاريخ الى الوراء ،عندما سقط نظام صدام حسين وأعاد المشهد على أذهان القادة العرب عندما شاهدوا حبل المشنقة وهو يلتف حول رقبة صدام حسين فأمسك كل منهم برقبته وحسس بيديه عليها خائفا من نفس المصير، وهرولوا إلى أمريكا والغرب وقدموا لهم الولاء والطاعة والعمل على تنفيذ كل ما يطلبه الغرب بدون تردد غير مبالين بشعوبهم أو متطلبات أمتهم . ربما خشى القادة العرب من أن تفعل بهم أمريكا والغرب مثلما فعلوا بصدام وحسين وعملوا حساب لذالك .،ولكن لم يكن بحسبهم هذه المرة ان ازاحتهم سوف تأتي من خلال شعوبهم وهذا ماجري لزين العابدين بن على رئيس تونس المخلوع، والذى كان مقدم الولاء والطاعة الدائمة لأمريكا والغرب وعمل على تنفيذ كل رغباتهم وقهر شعبه وقضى على روح الاسلام في تونس حتى كاد التونسيين أن يتركوا الإسلام حتى يسلموا من بطش نظام بن على المجحف في حقهم ،والذى ضيق عليهم في أبسط أمور العبادة وهى الصلاة فكان يخصص لكل منهم بطاقة يحملها كل شخص يريد الصلاة ويحدد بها مسجد معين ،فلا يصلى في أى مسجد غيره وإلا لا يرى النور. وغير ذلك من التضيق عليهم في حرية الاعلام وغيره من الامور الاخرى . ولكن الأمر الغريب في هذه الأحداث كلها والذى أصاب القادة العرب بالدهشة هو تخلى الغرب عن رئيس تونس المخلوع زين العابدين بن على الذى كان مقدما لهم الولاء والطاعة دائما...!نعم تخلوا عنه فلم يوافق أحد على استضافته ،وأخذت طائرة بن على تحلق من تونس إلى مالطا ثم إلى إيطاليا ثم إلى فرنسا ثم عمل اتصالاته بأمريكا ولم يجبه أحد ..ثم أخذ يطرق أبواب أصدقائه القادة العرب سواء ليبيا أو مصر أو الامارات العربية أو قطر أو غيرها من الدول ..أيضا كان جوابهم نفس جواب الغرب والأمريكان، حتى كادت طائرة بن على ألا تحط على الأرض أبدا وضاقت عليه الارض بما رحبت .. ..ولولا عطف المملكة العربية السعودية عليه ..فأجاروه بعد استغاثته بهم بعد أن كاد بن على ألا يجد موطأ قدم له على الكرة الارضية بأثرها. ولكن أرجع وأقول ان ماحدث من الغرب اتجاه بن على ليس بغريب عنهم، فهم دائما يبقون مصالحهم العليا فوق كل اعتبار ولم يكترثون بعهد أوفاء اتجاه أصدقائهم ،والتاريخ يكرر نفسه عندما تخلت أمريكا والغرب في الماضي عن حليفهما شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي ورفضت أمريكا استقباله ما أن انطلقت الثورة الإسلامية عام 1979م .،وأيضا تخلت أمريكا والغرب عن برويز مشرف رئيس باكستان الأسبق وعدم إعطاءه حق اللجوء السياسى رغم أنه هو الذى فتح لهم الباب الباكستاني على مصرعيه ونفذ لهم كل ما طلبوه منه . وهذه فرنسا وأمريكا تخلوا عن بن على الذى قدم لهم الغالى والنفيس من أجل إرضائهم. وما أود قوله للقادة العرب أن المتغطي بأمريكا والغرب عرياااااااااان .، نعم فبعد فضائح ويكيليكس أصبح الأمر مفضوحاً وقبيحاً وربما كانت لهذه الوثائق دور كبير في الإطاحة بابن على بعد فضح نظامه الفاسد في تونس .،ولا يصح لنا كأمة عربية أو كدول عربية متفرقة إلا أن نخجل من أنفسنا فى ثقتنا المطلقة فى أمريكا والغرب أو التعامل مع العدو الصهيوني بعد اليوم فإذا كانوا قد استغلوا سذاجتنا كشعوب واستغلوا حكامنا ونقطة ضعفهم وهى الاستمرارية مدى الحياة على كراسي الحكم أو توريث أبنائهم ، فلنكن نحن وحكامنا أكثر منهم دهاءً ولا عيب فى ذلك ، فهل يجوز وبكل هذه السهولة أن يتحصل شخص عادى على هذه المعلومات السرية والخطيرة بدون موافقة المخابرات الأمريكية ؟؟ لا يا حكامنا الأفاضل فأنتم منا ونحن منكم ... ولا نقبل أن ينشر غسيلكم أمام العالم وأن تتجسس أمريكا ومخابراتها على اتصالاتكم وأن تضعوا ثقتكم فيها وتأتمنوها على أسراركم فى الوقت الذى تخفون فيه قراراتكم المصيرية على شعوبكم وعلى بعضكم البعض وكأنكم أعداءً لشعوبكم ولبعضكم البعض ولذلك لا بد أن تراجعوا أنفسكم وتعلموا علم اليقين أن الغرب لا يحميكم ولن يفيدكم في شيء وهو أول من يقطع فيكم بسكاكينه التى لا ترحمكم عند ضعفكم أمام شعوبكم أو عند سقوطكم أو عند رحيلكم فلا تركنوا إليهم وعودوا الى شعوبكم وأمتكم واسمعوا لهم واعملوا على حل مشاكلهم وشاركوهم الرأي والمشورة واعملوا على تنفيذ أمال وأمنيات شعوبكم والأمة العربية التى خابت آمالها فيكم طيلة هذه العقود الماضية ولم يروا ولو بصيص من الأمل فيكم وكما يقول المثل المصرى :- (من لا ينظر من الغربال فهو أعمى) ،(ومن لايعرف صاحبه من عدوه فهو أهبل) فاحذروا فلم يعد الأمر سراً واقولها وأردد أن المتغطي بأمريكا والغرب عرياااااااااان ولا وجود لأسرار بعد اليوم !!!! فليس لديكم إلا شعوبكم وأبناء أمتكم أنتم منهم وهم منكم فالشعوب العربية لا تكرهكم ولا تريد ازاحتكم ،ولكن انتم بأفعالكم تجعلون الحجر يكاد أن ينفجر من شدة غيظه . وأعلموا أن حب الشعوب لقادتها لن يأتي من فراغ فعلى سبيل المثال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر صنع زعامته بحبه للشعوب المقهورة والفقيرة وعمل على مساندتهم ومساندة قضاياهم العادلة ولم يكن حريصا يوما ما على جمع الأموال أو فتح رصيد بالبنوك الغربية لحسابه أو جعل أمرأته سيده أولى أو ثانيه أو خطط لتوريث أحد أبنائه الحكم من بعده...! أنما كان رصيده هو حب الشعب المصرى خاصة والشعوب العربية والافريقية عامة ،وعندما قرر التنحى خرجت ملايين من الشعوب العربية بتظاهرات غير مفبركة مثل تظاهرات اليوم المصنوعة من قبل بعض القادة والحكام وأعوانهم..! تطالبه بالعدول عن قرار التنحى رغم هزيمته من العدو الصهيونى ...!ويوم وفاته شيع جنازته ملايين من البشر في جنازة مهيبة تعد من الجنازات المشهودة عبر التاريخ . وأقول إنما كانت ثورة شعب تونس بمثابة إنذار خطر للقادة العرب مذكرة الجميع بكلمات أبو القاسم الشابي منذ أكثر من مائة عام لتبقى وتفجر ثورة الناس وهم يرددون «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر» وما بين كلمات أبو القاسم الشابى كان الخلاص وعودة الوعى والتنفس الطبيعى لأبناء تونس فهذه الثورة الشعبية كانت مفاجأة لأجهزة الاستخبارات والرادارات والطائرات الغربية والعربية، كما يحاولون دائماً تخويفنا، ورحل بن على في ظلام الليل كا لخفافيش وبقيت تونس والشعب، رسالة الشعب التونسى مباشرة وواضحة للأنظمة العربية ارجعوا إلى شعوبكم فهم الأمان الحقيقى لكم ودعوكم من الاستغراق فى الركوع أمام البيت الأبيض وقصر الإليزيه ..! فأطلقوا سراح شعوبكم من أيدى الأمن والحاشية والمستشارين وأشباه الرجال لأن بقاءكم مرهون برضا شعوبكم، فارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء لأن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما ذهب إلى أهله فى مكة قال لهم «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، فبحكم التاريخ والجغرافيا والحياة، الشعوب والأوطان باقية والحكام المستبدون زائلون وأقول فى النهاية ارجع إلينا يا عمر بن الخطاب لأنك حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا أمير المؤمنين. وإلى لقاء بقلم /أبوحلاوة التهامى - كاتب ومدون مصرى - المنصورة اميل [email protected]