القلم يصرخ ويتألم عندما يتسمر في مكانه , فلا يجد الإرادة التي تحركه , والشجاعة الكافية التي تجعل ذلك القلم كالسيف القاطع الذي يخوض المعركة ويخرج منها لامعاً بتاراً كما كان , فالكل اليوم يلبس جميع الوجوه , فلكل وقت وجه يناسبه , فمن ينقد أو يحاول النقد فهو عدو الوطن يستحق المحاكمة بل الموت , أما من يمدح ويمجد الأحداث فيستحق المدح والتكريم , لا اعلم كيف يقوم المجتمع ويتقدم وهو لا يعرف موضع ألمه ولا يلملم جراحه , فالجرح المفتوح إن كان غير ذي ألم اليوم إلا أنه قد يتسبب في آلام لا حصر لها في المستقبل , فالطبيب الذي لا يصارح أهل المريض بالمرض وينصحهم بالتعليمات الصحية السليمة التي يجب أن تتبع , فإنه يعجل بموت المريض , كذلك المجتمع الذي لا يقف على مواطن الضعف فيه ويخدع نفسه ببعض المسكنات فإنه يعجل بقدوم الخراب والدمار , يرد عليك البعض بأن الجزء المريض في الجسد لابد من بتره ونرد عليه بأن الجسم يبقى عليلاً بفقد جزء منه , كيف يعيش كثيراً من وضع في غرفة إنعاش ثم يزود بالأكسجين بين الحين والأخر , تبلغ المأساة ذروتها عندما يرى الإنسان صورته في المرأة ولا يرى غيرها بعدما يمجده الجميع كأنه خلق في هذا الكون وحده , فلابد أنه يوم ما سيصل إلى درجة الجنون التي تفقده التوازن , فيقضى على الأخضر واليابس , عندما تخرص الألسنة وتعلو راية الكذب والنفاق وعدم البحث عن حلول حقيقية للمعاناة والاكتفاء بالبتر , تملأ القلوب بالحقد والبغض والطائفية , فإننا نزرع الأرض بالأشواك , فكيف ستكون الثمرة ؟ فالتسامح والمحبة وحدهما يكفيان لاقتلاع جذور البغض والكراهية وفقد بدأ نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم دولته بالمدينة بالوثيقة التي دعمت الوحدة والترابط بين أبناء المدينة بل أقام العهود مع اليهود بل مع الكفار , وعندما دخل مكة تسامح مع خصوم دعوته فلم يأمر بقتلهم أو إذلالهم بل أمنهم على أنفسهم ليمهد لقيام أعظم حضارة إنسانية عرفها التاريخ , مع المحبة والتسامح يبدأ عصر جديد لا تلوثه وسائل الكذب والنفاق والسعي وراء الأموال دون النظر لوحدة الأمة وتمسكها.......... ومازال القلم حائراً متألماً لما يدور في مجتمعنا الآن من الفرقة والتمزق ويسأل الله أن يجمع جميع أبناء هذه الأمة المصرية على المحبة والتسامح والبعد عن أخلاق الجاهلية من الكره والبغض وإشعال نار الخصام , وتكفير بعضنا بعضاً , بل أصبحنا نستحل سفك الدماء التي حرمها رب العباد بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان من علماء خفت صوتهم زمناً كبيراً واليوم نسمع لهم صوتاً , فأين كان هذا الصوت منذ زمن بعيد ....... فالعلماء هم ورثة الأنبياء والأنبياء لم يحلوا سفك الدمار وما جاءوا ليشعلوا نار الخصام بين الناس بل كانوا مصابيح هداية يزرعون المحبة بينهم ويجمعون قلوبهم على قلب رجل واحد ....فهل نرجع للمنهج الصحيح ونرفع راية الوحدة والترابط للنهوض بالوطن قبل فوات الأوان ؟!