لو علم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن أهالي الشهداء والأسرى المحررين الذين استضافهم لأداء فريضة الحج هذا العام سيواجهون ما واجهوا على أرض مصر وأرض السعودية من عذاب، لغضب لهم كثيراً، ولما وافق على ما حل بهم، ولطيب خاطرهم، ولسعى إلى تأمين راحة ضيوفه في المرة القادمة قبل دعوتهم، ولما سمح بأن يتركوا بين أيدي موظفين ومسئولين لا يراعون ضيفاً، ولا يهتمون براحة زائر. من المؤكد أن خادم الحرمين الشريفين لا يعلم بأن الحافلات التي أقلت الأسرى المحررين وعائلاتهم قد اجتمعت عند منتصف ليلة الخميس في المعبر على الحدود مع مصر، ليظل المسافرون ينتظرون في الحافلات على سياج مصر حتى صلي فيهم فجر يوم الخميس وزير شئون الأسرى الأستاذ فرج الغول، وودعهم بعد ذلك بسلامة الله، دون أن يعرف أحد أن ركاب الحافلات سينتظرون على الجانب المصري من المعبر من الساعة الخامسة فجراً حتى الساعة الثانية ظهراً دون مبرر للانتظار، ودون أن يعلم أيهم أنهم سينتظرون في الحافلات الذاهبة إلى مطار القاهرة حتى الثانية من ليلة الجمعة موعد إقلاع الطائرة. خادم الحرمين الشريفين لا يعلم أن الموظفين قد أسلموا ضيوفه داخل السعودية إلى شركات إسكان وإطعام ونقل لم تراع فيهم عهداً، ولم تحترم مكانتهم، فتركتهم في فندق الحرم بلا خدمات تنسجم مع فحوى دعوة خادم الحرمين، وعندما انتقل الحجاج من صعيد عرفات إلى مِنى، ألقت بهم الحافلات على أطراف مزدلفة تائهين، لما يصل بعضهم إلى المكان حتى بعد انتهاء أيام التشريق، أما من وصل بجهده الشخصي إلى المخيم المعد لاستقبال ضيوف خادم الحرمين فلم يستوعبهم المكان الضيق، وسلوا في ذلك النساء الفلسطينيات أمهات وأخوات الشهداء والأسرى اللائي نمن في الممرات، وكان الرجال يعبرون إلى حمامات الوضوء من فوق أحسادهن الممدة، لقد تكررت مأساة التخبط عندما انتقل الحجاج من مكةالمكرمة إلى المدنية المنورة، وكان عليهم أن يمكثوا في الحافلات من التاسعة صباحاً حتى الثانية بعد منتصف الليل، في أطول رحلة عذاب داخل المملكة العربية السعودية. ضيوف خادم الحرمين الشريفين أنزلهم المقاول في فندق خمس نجوم في المدينةالمنورة! فأي فندق هذا الذي لا يقدم لنزلائه كأساً من الشاي؟ وأي نجوم خمس تلك التي تقدم طعاماً يلقى في سلة المهملات، وأي خمسة نجوم يقيم كل ستة رجال من نزلائه في غرفة فندق أضيق من الزنزانة التي عرفوها في السجون الإسرائيلية، فكيف يسمى هذا فندق خمس نجوم؟ ومن الذي سيصرف الفاتورة باسم ضيوف خادم الحرمين، ويتقاضى مبالغ طائلة دون أن يقدم الفندق الخدمات المناسبة؟ ضيوف خادم الحرمين الشريفين توقعوا تنظيماً أدق للرحلة، وتوقعوا اتفاقاً فلسطينياً على آلية التعامل مع الجهة المضيفة، ولكن الانقسام الفلسطيني أرخى بظلاله السلبية على القرار الفلسطيني، وعلى ردة فعل المضيف تجاه الضيوف الذي احتاروا بين رأيين فلسطينيين، وبين قرارين أجبرا مسئول بعثه الحج في غزة الأستاذ عمر الدبري أن يناشد نظيره مسئول بعثه الحج من الضفة الغربية كي يلتقيا في غرفة فندق محايدة، وأن ينسقا سوياً تحرك الحجاج ضيوف خادم الحرمين، ولكن دون جدوى، فقد تبين أن مسئول بعثه الحج في رام الله يخاف أن يقطع راتبه لو اجتمع مع مسئول بعثه الحج من غزة، ليغرق الحجاج في بحر الخلاف، ويشرب الجميع مرارة التجربة. بارك الله في خادم الحرمين الشريفين على مكرمته للأسرى المحررين ولذويهم، ومنّ الله عليه بالشفاء العاجل، وأمد في عمره، فهو لا يعرف ما حل بضيوفه، ضيوف الرحمن، ضيوف الأرض الطيبة التي احتضنت الدعوة الإسلامية، وبلغتها لأهل الأرض جميعهم.