نظر لى طويلا وكأنه يتعرف على ثم حاولت شفتاه أن تتحدث ولكن دون جدوى وأدى وهنه الواضح إلى توقف كل أنواع الحياة فى وجهه وأغشى عليه فأدركت فى هذه اللحظة بعد اصابة وجهه بالشحوب التام ان الحاج اسماعيل قد توفى ولكننى تمالكت أعصابى وتحسست نبض يديه ووجدت أن الحياة مازالت تأخذ مجراها الضعيف فى جسده الذى يواجه الموت عنوة . وضعته على الأرض مرة أخرى وذهبت مسرعا بأرجل خائفة خارج الغرفة لأبحث عن هاتفى الذى لاحظت عدم تواجده معى لأتصل بالاسعاف وفى طريقى إلى الخارج وفى الردهة تعرقلت قدماى المصابة بالشلل الفكرى خيث تخبط جسدى بأثاث المنزل فسقطت احدى أنايات الزرع فتهدم بدوره مصدرا صوتا قويا للغاية فحاولت لململة أجزائه بسرعة بجانب إحدى الجدران ولكننى استسلمت لقدمى اللاتا سحبتنى خارج المنزل وفى منزلى شرعت أبحث كالمجنون عن هاتفى يمينا ويسارا حيث فقدت كل أنواع التفكير وشعرت بأن ذاكرتى قد اختفت فى جزء من عقلى الخائف المرتعد فأى حظ ذلك الذى يجعلنى أواجه تلك الماساة فأنا بطبيعتى رجل مسالم وأخاف الدماء بل أننى أخاف حتى لونها ويصيبنى بالغثيان . فى النهاية وجدت الهاتف ولا أعتقد أن الوقت الذى مر طويلا وقد لاحظت خلال بحثى أن هناك ضجة كبيرة فى الشارع المجاور ولكننى لم أعرها انتباها بفعل الكارثة التى تلازمنى وفجأة خلال اتصالى برقم الإسعاف سمعت أحدهم يصرخ قائلا : " حاج اسماعيل ! " فهرولت مسرعا إلى الخارج دون إدراك طلبا للمساندة والمؤازرة وربما ليطمئن خوفى وكان خفق النعال فى منزل الحاج اسماعيل عاليا ولكنه يبدو لشخص واحد فقط وحين إدراكى المنزل حددت طرفا متأملا مستحوذا عليه الهلع بنفس هاجسة متوجسة ومن هنا استنتجت أنه - السيد كريم - الشاب الذى يقطن فى الطابق العلوى والسكير دائما والمعروف بهرطقته ولا مبالاته وتعجبت للحظات لم تأخذ من وقتى طويلا ولكننى تذكرت أخطائه الدائمة فى نقر أبواب الجيران حين عودته سكيرا غير مدركا لمنزله . وفجأة حين رآنى صاح بصوت عالٍ : " لماذا قتلته ؟ , ماذا فعل لك ؟ , إن كنت تريد شيئا فلمّ لم تاخذه دون دماء ؟ " جحظت عينى من هول المفاجأة وانكمشت على نفسى ثم سرعان ما انتزعنى من انكماشى صراخه المتتابع : " الحاج اسماعيل قُتل , الحاج اسماعيل قُتل " فانكفئت عليه أحاول تهدئته قائلا بصوت متلعثم خافتا " لم أقتله , لم أقتله " حاولت مرارا كتم أنفاسه كى لا يصدر ضجيجا مستثيرا شفقته والأسى والهلع يخران من عينى وباقى ملامحى وفى نفسى سؤالا : " ألا يدحض هذا ما يحاول الإيمان به ؟ بأننى قتلت ! " ولكن دون فائدة ومحاولاته المتكررة ليبعد يدى عن فمه حتى يستطيع الصراخ ولكننى لم أشعر فى تلك اللحظة سوى بضربه على رأسه بقوة ثم فى وجهه فحاول جاهدا ابعادى وأنا نائم فوقه على الأرض حيث انتابتنى حالة جنونية ومددت يدى بجانب الحائط لآخذ إحدى القطع المتكسرة من إناء الزرع لأدسها فى قلبه كالسكين مرات عدة دون وعى منى وحين طعنى له عدة مرات متتابعة وبسرعة مجنونة لم أسمعه صوته البائس فنهضت سريعا من فوقه زاحفا إلى الوراء مرتعدا لأكتشف أنه توفى وفى تلك اللحظة سمعت وقع نعال على السلم . انتظرونى فى الجزء الثالث