عندما ننظر إلى العهود السابقة نجد أن العمل على الفرد كان ينصب في قالبين لا فاصل بينهم وهم التحرير والتنوير , تحرير العقول من الاستبداد والظلم والجهل والتخلف عن ركب الحضارة , ومن ثم يأتي بعد ذلك التنوير الذي يجلى العقول بعدما تحررت , وكان مقابل كل شق يأتي الشق الثاني التحرير ثم التنوير الاستبداد ثم الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي , والظلم يحل محله العدل والرحمة و المساواة , الجهل ويأتي من بعده العلم والتعليم , والتخلف يلاحقه صنع الحضارة , ومن هنا يكون العمل على الفرد والمجتمع فقد سبقتنا الأمم الأخرى لأنها ركزت على العنصرين السابقين , الفرد والمجتمع حررت البشر ثم شرعت في تنوير العقول , وبالنظر إلى مفكري العالم الإسلامي كله يجد هذا الأمر واضحا وجليا عندهم ,عندما أرسل محمد على بعثات إلى فرنسا اخذ كل من ذهب إلى هذه البعثة على عتقه عند عودته أن يغير في المجتمع بطريقته الخاصة , في الإصلاح ووضع لها أسس ومبادئ , وشرع في تنفيذها وكان من بين هؤلاء الإمام محمد عبده وشيخه الأفغاني وبرغم اختلاف كلا منهم في كيفيه الإصلاح فكان الأفغاني يعمل على التحرير من الاستعباد ومحاربة قوى الاستعمار , وهذا هو شق التحرير , والإمام محمد عبده كان في شق التنوير ومحاربة الجهل وهناك الكثير والكثير غيرهم مثل الشيخ مصطفى عبد الرازق , وعلى مبارك , ورفاعة الطهطاوي وعلينا نحن ألان أن نعلم جيدا ماذا صنعوا هولاء في سبيل صنع امة وحضارة تضاهى الحضارات الأخرى وكان كل ذلك فى ظل وجود روح الإيمان بالله , فقد كان أغلبهم يحفظ كتاب الله , ويعمل بما فيه ومازالت إلى ألان حياتهم تدرس في مناهج التعليم لدينا , ولكن تدرس فقط ولا يعمل أحد بها ولا يفعل مثلما فعلوا ولا بما قدموا لنا من مناهج ودراسات وأعمال , وعلينا ألان أن نفعل مثلما فعلوا فالحكمة تقول لا يصلح حال الأمة ألا بما أصلح أولها ولا أحد يستطيع أن ينكر أن العرب لم تكن لهم أي حضارة تذكر , مثلما للفرس والروم من حضارة بل كانوا رعاة الشاة يعشون البدوة والترحال من مكان لمكان بحثا وسعيا وراء الرزق , المتبلور فى الماء والرعي ولم يكونوا أصحاب زراعة أو حتى صناعة , وعندما جاءت خاتمة الرسالات السماوية صنعت حضارة للعرب تضاهى الحضارات الآخرى بل تفوقت عليهم , ونجد سيدنا عمر رضى الله عنة يقول كنا قوما أذلاء أعزنا الإسلام وعلينا أن نأخذ على عتقنا هذا الأمر صنعنا ثورة حررنا أنفسنا من الاستبداد والظلم علينا فعل ما هو أكبر, ألا وهو تنوير العقول من خلال القراءة والاستعانة بروح الايمان الآلهى , وأيضا ومن خلال الإعلام الهادف وعقد الندوات والمحاضرات فى جمع المؤسسات من أجل صنع الفرد فهو الذى سوف يصنع المجتمع الفاضل ثم الحضارة المسطرة فى التاريخ .