أبناؤنا فلذات أكبادنا، أمانة في أعناقنا، وهبهم الله لنا لكي يكونوا امتداداً لنا، وعوناً لنا في الكبر، بعدما تهن العظام، ويشتعل الرأس شيباً، ويحملوا أسماءنا بعد وفاتنا، كما يقول المثل «ما مات من أنجب». كثيراً ما تكلم العلماء عن تربية الأبناء، وكثيراً ما تحدث الخطباء عن هذا الأمر الجلل، وأعطوه حقه وزيادة، ومع ذلك نجد أن البعض، يسمع من أذن ويرمي من الأخرى، ويخرج من الدرس وكأن شيئاً لم يكن. كثير من الآباء يربون أبناءهم على عدم احترامهم، ظناً منهم بأنهم يحبونهم، ويدللونهم، ويحاولون ألا يجعلوا بينهم وبين أبنائهم أي خطوط حمر، حتى تجرأوا عليهم في الكبر، وندموا هم على ما فعلوه معهم في الصغر. تربية الأبناء يجب أن تكون لها قواعد وأسس، فالقسوة واستعمال العنف مع الأبناء مرفوض تماماً، وكذا ترك الحبل لهم على الغارب ليفعلوا ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب أمرٌ مرفوضٌ رفضاً قاطعاً، لأن خير الأمور الوسط. أن يجلس أحد الآباء على المقهى، وبرفقته ابنه الصغير، ويطلب له شيشة، ويأمره بالتدخين، ظناً منه بأنه يحبه، فهذا أمر سيّئ جداً. عندما يعطي الأب نجله سيجارة ويأمره بتدخينها، ظناً منه بأنه يدلله فهذا أمر مذموم، بل ومنبوذ، وعندما يكبر ابنه ويصاب بالأمراض جراء التدخين، فسيلعنه لأنه من غرس فيه هذه العادة السيئة، التي تذهب بالصحة والمال، دون داع. أن يترك الأب صغيره يتطاول عليه بالضرب والسباب، ويفرح بذلك ويسر، دون أن يوجهه، ويعلمه بأن هذا عيب عليه، وحرام عليه أن يفعله، وإذا كرره فسيعاقب، فيصبح شاباً عديم الأخلاق. أن يكذب الأب أمام ابنه الصغير، ويظن أنه لا يعي ما يقول، فهذا عقوق واضح وبيِّن لابنه، لأنه يغرس فيه الكذب منذ نعومة أظفاره، ويجعله إنساناً غير صادق فيما يتحدث به إلى الناس، ويصبح منبوذاً بين قرنائه وذويه. أن يسرق الأب وينصب على الناس أمام ابنه، ظناً منه بأنه صغير، ولا يعي ما يحدث حوله، فهو بذلك واهم، لأنه يعلمه السرقة والنصب ويغرسهما في قلبه، لأن الطفل كالأرض الخصبة لزارعيها، يحفظ كل ما يدور حوله من أحداث عن ظهر قلب، ولن ينساها مهما طال به الزمان. أن ينادي الأب ابنه بألفاظ قبيحة، ظناً منه بأنه صغير ولا يفهم معناها، أو يظن أنه يتسامر معه بها، فهو بذلك ينشئه ويربيه على النطق بها، ويعلمه الألفاظ الخارجة عن الآداب والمرفوضة اجتماعياً. أن يتشاجر الأب مع زوجته في وجود طفله، فهو بذلك يشتت تفكيره، ويجعله إنساناً معقداً وغير مستقر نفسياً، ويتطاول على أمه، التي هي السبب في وجوده، والتي ذاقت أشد صنوف العذاب من أجل راحته. ذات يوم تشاجر أحد الآباء مع زوجته، أمام ابنه الصغير الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات، ووصل الشجار بينهما إلى أن مد يده عليها، وتركها تبكي وذهب إلى عمله، وبعد ساعات قليلة، طلب منها طفلها أن تأتيه بقطعة من الحلوى من السوبر ماركت، فرفضت لأنها كانت غضبانة ومكتئبة وفي حالة يرثى لها، ولا تستطيع النزول إلى الشارع لتأتي بالحلوى. فقال لها طفلها، حديث النطق: «إذا لم تأتيني بالحلوى فسأجعل أبي يضربك كما ضربك صباحاً»، ففوجئت الزوجة بكلام ابنها، الذي ما تخيلت أن لسانه يستطيع النطق به. الأطفال يعون جيداً ما يدور حولهم، وخاصة من أولياء أمورهم، ويحاولون تقليدهم في كل شيء، لأنهم أقرب الناس إليهم، فعلى أولياء الأمور أن يجعلوا على أنفسهم «كنترولاً» لأفعالهم، ويحاولوا قدر استطاعتهم ألا يفعلوا شيئاً خارجاً عن المألوف أو أن يتعاتبوا أمام أطفالهم، وإذا كان لابد من المعاتبة فلتكن بعيداً عنهم، لكي لا يصابوا بحالة اكتئاب أو يتجرأوا عليهم، لأن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر. إذا أراد أحد أن ينهى ابنه عن فعل شيء خطأ، كالتدخين مثلاً، فعليه أولاً أن ينتهي هو عنه، لأن الأولاد دائماً يحاولون تقليد الآباء، ويجعلونهم نبراساً لهم. والله أسأل أن يحفظ أبناءنا، ويصلح أحوالهم، وأن يطرح فيهم البركة، ويجعلهم خير معين لنا على مصائب الدنيا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. محمد أحمد عزوز كاتب وناشط سياسي مصري