. . العرب والحنين للاستعمار الغربي المستعمر الأجنبي أكثر رحمة ورأفة من السلطة الوطنية : لم تبن بريطانيا العظمى السكك الحديد، وتنشئ جامعة عين شمس، والبنك الأهلي في مصر، وتنشئ مصافي البترول، والمستشفيات، والمطارات في عدن، وفي العراق، والأردن، وترسم وتخطط البنيان الحضري، وتنشئ نظامًا وقوانين مدنية حديثة، وأنظمة متطورة قابلة لكل الأنظمة في معظم مستعمراتها، إلا لأنها متاكدة أنها ستعود في يوم من الأيام، بعكس المحتل الحقيقي الذي يعمل طيلة بقائه على تدمير كل هذه المكتسبات، هذا الفرق بين الذكاء والغباء، بل إنني متأكد من أن هونج كونج، وسنغافورة، وماليزيا لا بد أن تعود لبريطانيا؛ لأنها عملت وخططت تخطيطًا صحيحًا. جعلت كل الشعوب التي كانت تحت إدارتها وحكمها تنادي وتترحم على الحكم البريطاني، ولو سألت أي مواطن عربي من العراق، إلى مصر، إلى جنوب اليمن، إلى السودان، الكل يترحم على أيام الاحتلال البريطاني، بل الأدهى أننا بدأنا نشاهد الشعب في هونج كونج يخرج في مظاهرات ومسيرات ضد النظام الصيني، الذي لم يعرف كيف يمسك العصا من الوسط، وجعل هونج كونج درة الدرر البريطانية، وأحد أكبر اقتصاديات شرق آسيا، تتراجع في ظل السياسية الصينية العميقة، والإجراءات المنفرة للمستثمرين، الذين بدأوا يلملمون أنفسهم ويشدون الرحيل إلى مواطن وبيئات استثمار أفضل من الصين. واليوم لو توجهت بالسؤال إلى أي مواطن عربي مصري، عراقي، سوري، لبناني، ليبي، 90% منهم يحن إلى أيام الاستعمار، حيث الحياة بسيطة، والأسعار معقولة وفي المتناول، والأهم لا وجود للقمع بشتى أنواعه، مثلما يفعل حكامنا طيلة العقود الماضية عقب الاستقلال. وحتى الأجانب الأفضل حالًا والذين يتمتعون باستقرار اقتصادي، خرجوا عن بكرة أبيهم مطالبين بعودة المستعمر الأجنبي، شعب هونج كونج خير مثال على رفضه سياسة الحكومة الصينية. هونج كونج والحنين إلى الماضي فقد ظلت الصين لسنوات تطالب باستعادة جزيرة هونج كونج من المستعمر البريطاني، وكان هذا بعد اتفاق بين البلدين الصينوبريطانيا، بموجبه وافقت بريطانيا على تسليم هونج كونج لجمهورية الصين، بعد توقيع اتفاقية، وشروط وبنود متعددة. وحينها أعلن الرئيس الصيني مصطلح «دولة واحدة ونظامان»، رسالة اطمئنان لشعب هونج كونج، ولم يمر عقدان على سيادة الصين على الجزيرة إلا وهونج كونج تعيش وسط اضطرابات هي الأعنف في تاريخ المستعمرة البريطانية السابقة، منذ إعادتها إلى الحضن الصيني عام 1997. إذ اقتحم محتجون معارضون للحكومة مبنى البرلمان، ورفعوا فوقه علم بريطانيا، وألصقوا شعارات مناهضة لمشروع قانون يسمح بتسليم الحكومة المحلية مطلوبين للحكومة المركزية في البر الصيني. وحتى بعد تصريح لوزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت، الذي قال إن بلاده تراقب الأحداث، وتواصل الضغط على الحكومة الصينية، إلا أن الحكومة الصينية تصر على أن هونج كونج شأن داخلي خاص بالصين، مشددة على أن الفترة الانتقالية انتهت، وأن الصين ملتزمة بالإعلان المشترك والاتفاقية مع بريطانيا، الخاص باستعادة الجزيرة، مؤكدة التزامها مبدأ «دولة واحدة ونظامان»، وشددت على أن المستعمرة البريطانية السابقة جزء غير قابل للتصرف، وأن شؤونها تهم الصين فقط. إلا أن بريطانيا تصر على أن تسليم الجزيرة جاء وفق تعهد والتزامات واتفاقية تلزم حكومة الصين احترامها، وأن بريطانيا ما كانت لتتخلى عن الجزيرة إلا بعد تأكيد الحكومة الصينية احترام تعهداتها. وهذا دليل على أن المستعمرين لم يتخلّوا عن مستعمراتهم السابقة، وما زالت هنالك روابط واتفاقيات ومواثيق، تؤكد العودة إلى المستعمر وإلى أرشيفهم الذي يحتفظ بالكثير من سجلات، ومواثيق، وتاريخ هذه المستعمرات، الذي لا بد من العودة إليه، كما حدث إبان أزمة الجزر بين قطر والبحرين، والجزر بين اليمن وإريتريا لإثبات حقوق الدول. حتى الولاياتالمتحدة، ما كان لها أن تتدخل في العراق إلا بمشورة البريطانيين وأخذ رأيهم، المستعمر السابق للعراق الذي يعرف كل شيء عن العراق وشعب العراق. وحتى المواجهة الأمريكيةالإيرانية، لن تتخذ الولاياتالمتحدة أي إجراء إلا بالعودة للحكومة البريطانية، التي تتصدر مشهد المواجهة حاليًا مع إيران. لا قومية ولا وحدة ولا بطيخ انتهى عهد الشعارات الزائفة، لا قومية، ولا وحدة عربية، ولا لغة مشتركة، ولا دين واحد، دولة اتحادية كلها أضحوكات وأكاذيب، ونفاق سياسي من أجل المزيد من النهب والسرقة لثروات الأمة، مليارات الدولارات أودعت في بنوك العالم باسم المسؤولين العرب، الذين أتحفونا بشعارات رنانة طيلة العقود الماضية، لا وجود لها، اختفت فلل وقصور وشركات تملكها هؤلاء المسؤولون العرب من على ظهر الشعب العربي باسم شعارات زائفة، ممن صدق جيلًا بعد جيل من الساسة المنافقين الكاذبين، جعلوا السلطة مغنمًا لهم ولأولادهم، «طز» في الشعب، «طز» في مشاريع التنمية، «طز» في التعليم، طالما أبناؤهم يتعلمون في أحسن مدارس وجامعات الغرب والعالم، لم يهتموا بالصحة بحدها الأدنى، ما دام أبناؤهم وحاشيتهم يتعالجون في أفضل مشافي العالم، بل إهمالهم المتعمد للحياة المعيشية من مأكل ومشرب، وهم يأكلون ما لذ وطاب من أفضل وأغلى المأكولات والمشروبات الباهظة الثمن، للأسف إنهم ساسة لم يتعلموا ولا يريدون أن يفهموا، لن تكون لهذه الأمة مكانة محترمة بين الأمم، طالما عقلية كل المسؤولين الفائدة، والمغنم، والثراء فقط. الدول تقوم على الأمانة والعدل، واحترام القوانين، والمساواة بين الجميع، لا على البلطجة، والفهلوة، والأكاذيب، والوعود، والشعارات الزائفة، لا خيار بعد هذا الجهد الجهيد من عباقرة الساسة، ومفكرين، وعقلاء، سوى البحث عن خيار مصطلح ونظام سياسي جديد، أساس دستوره العدل والأمانة والمساواة، قبل شعار علم الدولة، ولغتها، وعملتها، والبحث عن قاسم سياسي مشترك في حده الأدنى بين أفراد الشعب في كيفية إدارة البلد، بما يحفظ حق الشعب بعدالة ومساواة وأمانة. خالد احمد واكد 29/8/2019