الثائرُ مانديللا الذي ظل قابعاً في سجون جنوب إفريقيا سبعة وعشرين عاماً خرج ليحكم البلاد دون إنتقام .. لأنه أراد أن يبني دولة .. حسن أوتارا بكوت ديفوار خرج بعد ان انتصر علي خصمه غباغبو وأتباعه طالباً العفو والتسامح لأنه أراد أن يبني دولة .. مصطفي عبد الجليل قد خرج في ليبيا من بعد قضاءه علي القذافي ونظامه مُطالباً بالعفو والمسامحة لأنه يطمح في بناء دولة .. هكذا فعل شارل ديجول بفرنسا وكل أحرار العالم المنتصرون بثوراتهم .. ومن قبل هؤلاء جميعا قد ضرب لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم المثل والقدوة في كيفية بناء الدولة بالعفو والتسامح والمؤأخاة بين الفصائل المتناحرة لأنه أراد أن يبني دولة .. أراد محمد صلي الله عليه وسلم أن يبني دولة تؤسس علي الحب وعدم الكراهية والخصام فآخى بين المهاجرين والأنصار.. أراد الرسول أن يبني دولة فنشر ثقافة العفو والتسامح وقد بدأ بنفسه وهو ولى الدم في مقتل عمه حمزة وأستشهاده وهو حاميه في ضعفه وسنده وقت أن فقد السند حيث قد عفى عن قاتله وحشي وكذا عن لاعقة كبد أسد الله هند بنت عتبه فحسن أسلام كلاهما وقد قاتل الأول في صفوف المسلمين من بعد ذلك في جُل معاركهم حباً وإيماناً وأنتماءاً فإنتصرت الدولة الإسلامية وقُوامها الحب والتسامح .. إنه الإسلام يا سادة وقد دعي إلي التسامح والعفو والمؤاخاة لا الانتقام والثأر وتصفية الحسابات .. لذا فقد قال تعالي ((كُتب عليكم القصاص فى القتلى الحُرُ بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عُفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء اليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليم)) .. إذاّ فإن الحرص علي العفو مُقدمٌ على الحرص علي القصاص ذاته وهوالذي للمسلمين فيه حياة. هذا هو قُوام الدولة التي تنشأ لتبقي وتقوي لا تنشأ لتنتحر من ساعتها بالصراعات والإنتقامات.. كل من أراد ان يبني دولة يا سادة من بعد الثورات لابد أن ينتهج سياسة العفو والتسامح لا أن يُشهر سيف الإنتقام وإلّا سيمتد عامنا من بعد ثورتنا إلي أعوام وأعوام وما بُنيت مصرُنا الحديثة .. فالإنتقام ياسادة لا يبني دولة ..