ازدواجية المعايير لدى العرب أنفسهم لا ينكرها إلا إنسان جاهل لا يفهم شيئًا، في الوقت الذي تطالب بعض الأنظمة العربية باسترداد أموال وودائع مسؤولين سابقين موجودة ومودعة في بلدان أوروبية وآسيوية، ولم يستطيعوا الوصول إليها، نجد أن دولًا عربية بشحمها ولحمها تحتضن أموالًا واستثمارات وعقارات لمسؤولي بلدان عربية أخرى تعاني شعوبها الفقر المدقع والعوز والجوع، في الوقت الذي هرب مسؤلو النظام الليبي السابق المليارات لبنوك في مصر على شكل ودائع واستثمارات وعقارات، نجد الحكومة المصرية تغض النظر عن الأفعال، بل يمكن اعتبارها شريكًا في مثل هذه العمليات بدعوى أنها استثمارات ودعم للاقتصاد المصري، ومثلها أموال لمسؤولين تونسيين وسوريين ويمنيين امتلكوا في فترة الأربع سنوات الماضية عقارات ومنازل بأكثر من 6 مليارات دولار، وليس النظام المصري المزدوج في هذا، بل معظم الدول العربية تلعب الدور المزدوج الظالم نفسه لشعوب عربية شقيقة مثل لبنان والأردن تحتضنان أموالًا لمسؤولين عرب، وحتى بعض الدول الخليجية كالإمارات والبحرين، وعلى سبيل المثال إمارات دبي تحتضن ما يقارب 12 مليار دولار في بنوكها وعقاراتها لمسؤولين سابقين يمنيين في الوقت الذي يعاني فيه الشعب اليمني الأمرين من الفقر والجوع، ولا تستطيع الحكومة الإماراتية العضو في التحالف العربي أن تعيد جزءًا من هذه الأموال والثروات للشعب، ولو عن طريق الضرائب فقط. فمن غير المنطق أبدًا أن تطالب بعض الدول العربية باسترداد أموالها المودعة في أوروبا ولا تكلف نفسها عناء البحث عن أموالها وثرواتها لدى أشقائها العرب التي تحتضن دولهم مسؤولين عرب سابقين، مقيمين بل تحصلوا على جنسيات تلك الدول وحمايتها. الكل سواسية.. المسؤول السابق والحالي الحقيقة المرة والتي لن يستطيع أحد هضمها أن دولًا عربية شقيقة مسلمة على رأس الدول المستقبلة للأموال المنهوبة من دول الربيع العربي، ربما نستصيغ تركز هذه الأموال العربية المنهوبة في دول أوروبا الراعية للديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتحفوننا بها في كل لحظة، ويتناسون عن عمد حقوق الشعوب التي تنهب ويتم تحويلها وإفقارها بل وتركيعها من أجل لقمة عيش ضاعت وتاهت مع مسؤولين لم يرحموا شعبهم، فكيف نطلب من الغرب الأجنبي رحمة الشعوب العربية، إنها بالفعل ازدواجية المعايير التي يشكو منها النظام العربي طيلة العقود الماضية من المجتمع الدولي وربيبته الولاياتالمتحدة التي نطلب ودها، ويخاطبها الحكام العربي من أجل حل أهم القضايا العربية العالقة منذ سبع عقود. طبعًا معظم المسؤولين العرب لديهم من هذه الأموال؛ لذا لا نتوقع منهم الحديث في الموضوع، أو المطالبة بأموال من سبقوهم من المسؤولين السابقين، لكن هذه المرة العملية ليست بالمزاج، وهناك اتفاقيات دولية موقعة ومنظمات نشأت لأجل إعادة هذه الأموال لمستحقيها من الشعوب المطحونة التي تعاني الأمرين. اتفاقية مكافحة الفساد ملزمة لجميع الأطراف إن 167 دولة وقعت على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، ومنها كل الدول العربية، وهي اتفاقية ملزمة للأطراف، وتنص صراحة على «إعادة كافة الأصول» بصفتها «مبدأ أساسيًّا» للاتفاقية، وضمنها الدول العربية، إضافة لتوقيع كل بروتوكول بالسماح بالتفتيش لدى كافة الدول الأعضاء في الاتفاقية، وحسب تقرير للمنظمة الدولية للشفافية يقدر إجمالي الأموال المهربة للخارج على مستوى العالم ككل بأكثر من ترليوني دولار، نصيب القارة الآسيوية منها 44%، مقابل 17% لمنطقة الشرق الأوسط، و17.7% لأوروبا الشرقية، و4% لأفريقيا. وبحسب التقرير ذاته يقدر نصيب الوطن العربي من غسل الأموال وتهريبها بنحو 35 مليار دولار سنويًّا، أي ما يعادل 4% من الناتج العربي الإجمالي البالغ 1.5 تريليون دولار. والمعروف أن نزيف الأموال المهربة ازداد إبان الثورات العربية، وما زال مستمرًا، وسيكون من بين نتائجه إفقار البلدان العربية، وهذا ما يحدث اليوم بعد سبع سنوات عجاف من قيام هذه الثورات في أكثر من بلد عربي، ربما أخفق الشباب العربي وفشلوا فشلًا ذريعًا في تحقيق الغاية من هذه الثورة، فالفساد اليوم أصبح أقوى وأشرس، ولن تستطيع عشرات الثورات زحزحته طالما الضمير العربي غائب، بل ديننا الإسلامي الحنيف ابتعد عنا، بل نحن ابتعدنا عن تعاليمه السمحاء بفعل فاعل نعرفه جميعًا. فما يحدث من جانب بعض الدول التي تستقبل هذه الأموال لمسؤولين من دول تعاني الفقر والعوز والجوع يقع عليها مسؤولية تاريخية وأخلاقية في إعادة هذه الأموال، لأن هناك شعوبًا تموت جوعًا ولا تجد الرغيف. وكلنا نعرف ونسمع عن دول أوروبية وعربية مهتمة بمساعدة الشعوب الفقيرة المحتاجة المساعدة والعون، بل تساعدها في توفير قوتها وعلاجها، وهناك قرار سياسي لدى هذه الدول العربية يتمثل في ضرورة دعم هذه الشعوب لاسترجاع خيراتها من أجل تجميل وجهها، لكن المعيب أن هنالك قرارًا اقتصاديًّا متخذًا في تلك الدول التي تتمنطق بالديمقراطية والحريّة والمساواة والعدالة الاجتماعية بألا تعود هذه الأموال التي صارت جزءًا من استثمارات هذه الدول التي تستفيد منها من خلال الضرائب، وفي ظل وضع اقتصادي سيئ يمر فيه العالم يكاد يصل إلى مستوى الأزمة الاقتصادية. الأرقام مهولة فالأرقام في مصر تتحدث عن أكثر من 132 مليار هربت من مصر خلال الفترة التي أعقبت ثورة الربيع العربي في يناير (كانون الثاني) 2011، وما زال النزيف مستمرًا، وتقدر مصادر سورية أن ما قيمته 56 مليار استولى عليها أعضاء في النظام الحاكم السوري ووجهت للخارج إلى أوروبا ودوّل عربية وحتى تونس يتحدثون عن ما يقارب 50 مليار هربت من تونس منذ عهد الحكم السابق قبل الثورة، وما زال النزيف مستمرًا، وكذلك اليمنيون ما انفكوا بالحديث عن أموال الحكم السابق التي قدرتها مصادر أممية بأكثر من 66 مليار دولار، وما زال نزيف تهريب الأموال متواصلًا في ظل أزمة إنسانية تتوسع كل يوم؛ حيث تقدر مصادر أن ما تم تهريبه وإيداعه في بنوك عربية وأجنبية بأكثر من 22 مليار دولار منذ 2011، أما ليبيا فحجم المبلغ كبير جدًا يفوق 140 مليار دولار منذ سقوط النظام السابق والنزيف مستمر لثروة الشعب الليبي. بالرغم من حديث لبنان عن ودائع بنكية باسم رئيس النظام العراقي الأسبق ومبلغ 6 مليارات دولار سلمت للولايات المتحدة على سبيل إرجاعها للحكومة العراقية، والحديث السابق عن مبلغ 29 مليون دولار الذي أرجعته لبنانلتونس في قضية ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وهي أرقام تعد بسيط للغاية مقارنة مع المليارات المنهوبة، التي ما زالت في حكم الغيب ولا نعلم عنها شيئًا سواء في بنوك أوروبا أو بنوك الدول العربية غير المتعاونة أبدًا، تاركة شعوبًا شقيقة تغوص في الفقر والعوز والجوع. فإن لم ينصف العرب ويساعدوا أنفسهم فمن غير المعقول أن يتعاون الغرب مع قضايا الأموال المنهوبة لديه لأنظمة الحكم السابق واسترجاعها، لا بد من أن نصلح حالنا ونفهم مواقفنا ورغباتنا. ما نعرفه جميعًا أن حلم الشباب العربي عندما قامت ثورات الربيع 2011، كان هدفه الأساسي تحقيق العدالة والإنصاف في توزيع الثروة، والأهم الديمقراطية والتنمية الشاملة والرفاهية، ولا خير في ثورة لم يتحقق من أهدافها شيء بل العكس تكرس الفساد والنهب للمال العام أكثر من ذي قبل، وكأنكم يا شباب ما غزيتم وتضحياتكم ذهبت كجفاء السيل. الإعلام ودوره في فضح الفاسدين لا بد للأخوة في الإعلام أن يمارسوا حقهم بوصفهم سلطة رابعة في فضح وكشف هؤلاء الفاسدين في الداخل والخارج، وتنبيه المواطنين في تلك الدول الديمقراطية المستقبلة لهذه الأموال إنها ملك شعوب مطحونة ومعجونة بالعوز والفقر والجوع، وأن من نهب شعبه وأهله لن يتوانى عن نهب وسرقة تلك الشعوب تحت مسميات عديدة وشركات أساس رأس مالها فساد ونهب وسرقة، وإذا كانت معظم الهيئات والمنظمات الوطنية لمكافحة الفساد فشلت في استعادة شيء من أموال شعبها، فالتعرية والفضح وكشف الفاسدين إعلاميًّا في تلك الدول المستقبلة ينبغي أن يكون ضمن أولوياتها وأهدافها الرئيسية، وتخصيص لجنة مختصة بهذه المهمة فقط، وهذا كفيل بردع كافة المسؤولين الفاسدين من نقل أموالهم أو تأسيس لشركات تجارية وعقارية ومصانع في الدول التي لديها إعلام يقارع الفساد ويكافحه، ويتابع الفساد دوليًّا. خالد واكد 30/9/2018