ننشر أسعار تعريفة الركوب الجديدة لسيارات الأجرة بالقليوبية    رئيس الضرائب تزف بشرة سارة للمستثمرين ومجتمع الأعمال.. تعرف عليها    جيش الاحتلال يعلن حالة الطوارئ بعد رصد مسلحين عبروا من الأردن    «ميقاتي» يطلب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت    السيسي يثمن انعقاد منتدى أعمال تجمع البريكس: يعكس الحرص على تنمية العلاقات    الزمالك يخوض تدريبه عصر اليوم بالملعب الفرعي باستاد زايد للكريكت    صدام ناري بين ليفربول وتشيلسي.. واليونايتد يخشى برينتفورد    ضبط المتهمين بالنصب على الشباب راغبي السفر للعمل بالخارج في القليوبية    الطالب الشجاع.. رفض الاستسلام للصوص فقتلوه    جامعة المنيا تنظم قافلة طبية بقرية بلهاسة في مغاغة ضمن مبادرة «بداية جديدة»    وزير الإسكان: 426 قطعة أرض بنسبة 5% لذوي الهمم ب20 مدينة جديدة (رابط الحجز)    قرار جمهوري هام ورسائل قوية للمصريين تتصدر نشاط السيسي الأسبوعي    تشكيل أهلي جدة المتوقع لمواجهة الخليج.. إيفان توني يقود الهجوم    تطورات إصابة طارق حامد وموعد عودته إلى الملاعب    موعد مباراة الأهلي والزمالك في نصف نهائي بطولة أفريقيا لليد اليوم    قافلة دعوية مشتركة بمساجد رفح والشيخ زويد    وزيرة البيئة تبحث مع نظيرها الأوزباكستاني آليات تعزيز التعاون بين البلدين    «مرور القاهرة» ينفذ عملية غلق الكلي لنفق محمد نجيب لاستكمال أعمال القطار السريع    انقلاب تريلا محملة «زلط» على إقليمي المنوفية (صور)    بعد زيادة البنزين والسولار.. توجيهات وزارية بمتابعة انتظام العمل في محطات الوقود    دينا: «اتجوزت 9 مرات ومش عارفة هكمل ل كام»    نص كلمة الرئيس السيسي خلال منتدى أعمال تجمع البريكس    مجدي بدران: الدولة تسعى لتحرير وعلاج أجساد المصريين من الأمراض    موعد مباراة ألافيس وبلد الوليد في الدوري الاسباني والقناة الناقلة    ثروت سويلم: تم تغليظ العقوبات في اللائحة الجديدة للدوري    طقس غير مستقر اليوم: أمطار على السواحل الشمالية وتفاوت في درجات الحرارة    النيابة تستند لكاميرات المراقبة في ضبط لص المساكن بمدينة بدر    في أعقاب تهديدات حزب الله.. هل حيفا على وشك أن تواجه مصير كريات شمونة؟    محافظ أسوان يكلف السكرتير المساعد بافتتاح مهرجان تعامد الشمس بالمسرح الصيفي    دار الإفتاء: لا يجوز سماع خطبة الجمعة من الراديو    وكيل تموين الشرقية يترأس حملات على محطات الوقود    أسعار الحديد اليوم الجمعة 18-10-2024 في الأسواق    وزير الصحة والسكان يؤكد أهمية تقييم التكنولوجيا الطبية في تعزيز الوضع الصحي    وزير الصحة اللبناني: مخزون أدوية الأمراض المزمنة لدينا يكفي 5 أشهر    التضامن: 40 ألف طالب جامعي شاركوا بحملة الهلال الأحمر المصري RED WEEK    أسرة روج أسود تنهى 60٪ من أحداثه    مراسل «القاهرة الإخبارية»: طائرات الاحتلال تقصف عدة منازل فى غزة    أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 18 أكتوبر 2024    ترتيب الدوري الألماني قبل مباريات اليوم الجمعة    وزير الخارجية الإسرائيلي: جوتيريش شخصية غير مرغوب بها    المعمل الجنائي: لا إصابات في حريق شقة سكنية بفيصل    قفزة جنونية في أسعار البصل بالأسواق، والسبب صادم    "مال أبونا لا يذهب للغريب".. دار الإفتاء تكشف حكم الشرع في هذه المقولة    مبادرة بداية لبناء الإنسان.. استمرار فعاليات أسبوع الخدمة العامة بجامعة حلوان    بعد قرار «التنظيم والإدارة»| تفاصيل جديدة بشأن ترقيات 2024 للموظفين وزيادة الأجور    لا يسخر قوم من قوم.. تعرف على موضوع خطبة الجمعة اليوم مكتوبة    غارتان على منطقة المواصي غرب رفح الفلسطينية    الاتحاد الأوروبي يصدر بيانا موجها إلى إسرائيل بشأن هجماتها على قوات اليونيفيل    وفاة الشاعر أحمد علي موسى    اليوم.. تامر عاشور يحيي حفل غنائي بمهرجان الموسيقى العربية    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 18 أكتوبر    شيرين عبدالوهاب ترد على معجب طلب يدها للزواج .. ماذا قالت؟    اليوم، إطلاق 6 قوافل طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية    أزهري: الزواج الشفهي بدون ورقة أو مأذون حلال    لولو بتحب مها.. محمود شاهين يكشف سبب بكاء إلهام صفي الدين بحفل زفافه    إنهاء كافة الاستعدادات للاحتفال بمولد العارف بالله إبراهيم الدسوقي    نشرة التوك شو| تصفية السنوار وأصداء الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير    محافظ الإسماعيلية يشهد احتفال العيد القومي (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما غنى الكروان
نشر في شباب مصر يوم 06 - 04 - 2017

كان غناؤه حزينا يملأ بشجوه الآفاق؛ وأنغامه ترددت في فضاء دنيا الله الواسعة، وعلى جذع شجرة أخرى حطَّ غراب بلون النفوس المظلمة، نظر نحوه على غصن تلك الشجرة وتساءل: مذ عرفتك أيها الكروان وصوتك يصدح بغناء لا يتوقف، ويصيب قلوب سامعيه باللوعة والعذوبة والعزاء، فما خطبك أيها الكروان وما الذي يحملك على البكاء؟
قال الكروان: غنائي يفسِّرُ قصتي. يزخرف روحا هي كالخرقة البالية، ويرسم دمعة وابتسامة كجبران النبي. من رأى الزخارف وسمع ظاهر الغناء.. يبتهج ويبتسم؛ ويبكي من كُشفت لقلبه الأسرار، وغرقت نفسه في الشجيِّ من الألحان.
قال الغراب: العشق كالغناء فيه السعادة والأحزان، وله في القلوب أحوالٌ كثيرة وعليه أحكام شِداد، لكنه لا يخلو من التناقض والشواذ، يطبع في حنايا القلب علامة من الجنة أو علامة من النار ، ويكتب في لوحه لذة مؤقتة، أو يفتح في صدره نافذة تطل على حديقة غنَّاء، تهب منها نسائم النعيم المنعشة وبابا يشرف على تنور يفور بالحمم ويزفر الجمر والدخان، أو يكسوه ربيعا نضرا لا يموت ولا يهرم، وإذا أماته..؟ فلا يتركه حيا إلا في أعماق محبوبه، وهو يلقي في خلايا عقله بعضا من معاني الجنون، ولا يدري غير العاشق نفسه إن كان حلوه أكثر وعذابه لن يدوم؟
ثم قال له: أراك ياصديقي موغلٌ في دروب العشق، ولك فيها من الحكايا كان يا ما كان في قديم الوقت وسالف العصر والأوان كذا وكذا.. من اللوعة والقسوة والأحزان.. وأحوال لا تشرح الصدر ولا تسر الخاطر والبال، فهلا أشركتني يا صديقي في خفيِّ أسرارك فأنا لا أهتك أسرار القلوب..؟
قال الكروان: أرى إنك في فلسفة الحب وأحوال أهل الهوى خبير وعليم، فلا تكن لي عاذلا ولحالي مستنكرا أيها الغراب، ولا تعاتبني على شجو الغناء فإن لي في العشق قصةٌ وهمومٌ وعذاب. أوَتْ قمرية إلى غصنٍ يقابل غصني، لم ترَ عيناي أرق منها ولا أجمل، ويلٌ للقمرية مني وويلٌ لها من الزمان. كانت أجمل أناث الطَّيرِ في الغاب؛ مذ رأيتها أصابتني بالعشق سهام عينيها، ولم يكن لي حيلة في انتزاعها ولا ردها، فارتعدت جوانبي كنبيٍّ تنزَّل عليه أولى آيات الوحي من الله. ثم هبت معها نسائم السعادة، ورفرف الأمل وسَكِرتُ بنظرتها وعربدتني عيناها الفاتنتان، كأنهما زجاجة خمر معتّق ومنقارها حانة للسكارى أواخر الليل، لم يغمض لي جفن على الإطلاق، ولم أجرؤ على الإفصاح لها بما يعتمل في قلبي من المكنونات والأسرار.
أحببتها لا لطلَّتها الفاتنة التي تسلب الألباب، بل لشيء مجهول فيها ينير جوانب نفسي، ويضعضع قوتي كلما لاح فجرها فأشرقت شمس الصباح وعمَّ الضياء..كنت أخبئ وجهي عنها ولا يسمع مني إلا صوتي، أجود به بأجمل ألحان استوحيتها من سنى الطبيعة، التي تبعثُ الأرواح في الأجساد، وتحيي الأمل في النفوس؛ وتسكبُ الروح والراح ألوانا فوق صفحات المياه، وتعرج أقمارا في السماء وتنبت أكاليل ورد فوق غدائر الصبايا الفاتنات، وتملأ الدنيا بالبهجة والأفراح. وكانت تطرب وتنتشي بشدو صوتي وغنائي الآسر الأخاذ، وتطيل النظر إلى صورة وجهها الفاتن في باكورة ندى الصباح؛ وفي مياه الجدول الرقراق فالماء مرآتها وعروقها مرآة ماء، فأتيه عجبا بنفسي وأشعر بالرضا ، حتى ظنتْ أن هذا الصوت والغناء، لا يصدر إلا عن طائر عظيم الشأن له هيبة وسلطان، كالهدهد صفّي الملك سليمان، أو من كان مريدوه كأحلى أنواع الحمام، أو جمال يبهر العين كطاووس متعدد الألوان. أخذت تتقرب من كل واحد منهم، لتعرف من يكون صاحب الصوت الرخيم؟ ، فكانت تطير صباحا مع هذا ومساء مع ذاك وترافق أحدهم في حفلة أو إلى العشاء، وأنا محبوبها المجهول الذي يكتوي ويحترق على جمر من النار. ساورني الخوف من فقدانها حينا، والشك في الخوف بلا مبرر حينا آخر، فلمَ الخوف وقد ظفرتُ بقمريتي ووقعتْ في غرامي وعذب ألحاني؟
ولمّا عيل صبري انتظرتُ وقت عودتها، وإذ رأيتها تحط على الغصن خرجتُ من وراء أوراق الشجرة، وعزفتُ من أجل عينيها أجمل الألحان، التي لم يعزف أحد مثلها مذ خلق الله الأرض والسماوات وبث فيهما من كل دابة تطير أو تمشي. لكأني رأيتُ الملائكة تترنم مع ألحاني والرب يبارك غنائي، ويزيد صوتي إشراقا وبهاء .
بكتِ القمرية بكاء مُرا إثر غنائي، وسرني أنها تأثرت بصوتي ، فها قد عرفت حقيقة من تيمها هواه وعذَّبَها غناؤه وأنَّتْ لصبابته .سكت الكروان ثم زفر زفرة حرّى وقال: دخلت عالمها المسحور، وما أحسبني إلا واقفا أمام آلهة من الأساطير..؟ وبحتُ لها بمكنون قلبي وأطلتُ في قول: أحبك.. أحبك.
ضحكتْ القمرية بدلال.. وكل ضحكة عزفت نغما على وتر قلبي، كضربة السيف التي تقتل وتدمي، فتزيد من غرامي وتهيج فؤادي وتهزه من أعمق الأعماق، قالت: وأنا لا..سكتت ثم نطقت: أحبك. علتْ وجهي الأسارير وكررتُ وراءها كالمسحور: أحبك. ضحكت مرة أخرى وقالت: لا.. أحبك. قلت: في منطق العشق "لا" تنفي كل مشاعر أخرى غير الحب، ثم تنهدتُ تنهيدة اختلج لها قلبي من خلف أضلعي وكررتُ: أحبك..أحبك.
قالت بجدية لا تخلو من تِيهٍ ودلال: "لا" التي أكررها تنفي منطق العشق هذا. سألتها: وعلامَ كان بكاؤك بعد غنائي إذاً ؟ قالت ساخرة: ومن تكون أيها الكروان؟ مثلك لا يستحق الحب.. حتى يستحق البكاء.
وطارت بعيدا دون وداع فعوَّضتُ نفسي وافتديتها بالغناء، وخصصتُ صوتي عزاء لكل حزين أضناه وجده وبكاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.