ماجد قروي إن وهن الأمة العربية تجاوز الامعقول فساد مالي ،تأخر علمي، إرهاب ، ،سلام نراقبه وهو يحزم حقائبه ليهجر أراضينا ليحل مكانه تسليم و استسلام لتأسلم لا إسلام فيه، كأن إسلام الأجداد ما عاد يعنيه أما أن الوقت لسؤال لماذا يهجرنا السلام ويعم فينا العنف ؟ ما السبب الذي يجعل الشبيبة تختار التمرد على مؤسسات الدولة والمجتمع بأسره لتلتحق بجماعات العنف؟ . عموما يشهد العالم العربي تحولات سياسية واجتماعية كبرى جراء تأثيرات داخلية و خارجية وجماعات تبحث عن الإعتراف تزامنا مع تراجع مركزية الدين صلب المنظومة الإجتماعية وتحولات سياسية متواصلة ومتكيفة باستمرار مع مصالح القوى الغربية ،ماأدى إلى ظهور جماعات وحركات إجتماعية تتخذ الدين 0لية للبث عن الإعتراف وخاصة الجماعات الجهادية وتدعم حضور الحركات الجهادية بعد الحراك الاجتماعي والسياسي لعديد من البلدان العربية كتونس وليبيا ومصر لا سيما وانها كانت تنشط في إطار سري قبل ان تستفيد التحولات لتظهر وتحاول إثبات وجودها في النسيج المجتمعي.وفي هدا الإطار أثارت هذه الظاهرة جدلا واسعا في وسائل الإعلام المختلفة –على اعتبار خطابها الذي يرفض فكرة الديمقراطية أصلا.ويدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية من منظور مختلف وباليات مختلفة.وبدت هذه الظاهرة جلية وواضحة في المناطق المسماة" مهمشة" . .وعند التعمق في الاسباب والعوامل نتبين ان التجارب التحديثية التي شملت كل البلدان العربية كان لها انعكاس كبير على المنظومة الدينية والقيمية ، فهذه النظم لطالما اعتبرت عوائق امام تجربة الحداثة الرامية الى عصرنة المجتمعات العربية واعادة بنائه وفق اسس تقوم على العقلنة .هذا الخطاب العقائدي مع الأنظمة الحاكمة، وظهوره بمظهر الموازي لها، والقادر على هزيمتها أو النيل منها، يلامس حاجة نفسية لدي شرائح معينة من الجمهور المستهدف الذي يعاني غضبا وتهميشا وفراغا ناجما عن الشعور بانكسار الذات الناشئ عن الصعوبات المعيشية، أو عدم القدرة علي التوفيق بين "الطوبي" الفكرية التي يحلم بها، والواقع المعيش، الأمر الذي يحيل فكرة "الخلاص" مدخلا اساسيا في استراتيجيات التجنيد، والتأطير، والاستقطاب من قبل الجماعات الجهادية، التي تقوم دعايتها علي أنها تحمل "خلاصا" للمهمشين والراغبين بمغادرة "الهامش" الاجتماعي الذي يحتويهم.سنقتصر في هذه المقالة على تبيان العوامل الموضوعية لتشعب الموضوع وكتعدد أبعاده. 1. مؤسسات التنشئة الاجتماعية اين هو المعنى؟ لا غرو أن المجتمعات العربية تشهد تحولات شاملة طالت مؤسسات التنشئة الاجتماعية .فتقهقر مؤسسات النشئة الاجتماعية أي افول الاجتماعي ادى الى انتشار العنف والتطرف الديني .فهذه المؤسسات اصبحت فاقدة للشرعية وغير قادرة على تلبية حاجيات الشباب العربي فالاسرة والمدرسة اصبحا عاجزان عن متطلبات الشباب.فاسرة مفككة جراء خروج الوالدين للعمل وغياب التاطير الاسري والقيمي ومؤسسة تربوية قائمة على برامج مفرغة من المحتوى .كلها عوامل تجعل من الشباب يتمرد ويسعى لخلق عالم جديد يعيد له الاعتبار والفاعلية بشكل دعوة الى ذات فاعلة شخصية عبر التنظم في حركات اجتماعية ومنها الحركة السلفية جراء افول الاجتماعي .فالحركة الاجتماعية هي التي يكتشف بها الفاعلون ذواتهم من خلال دفاعهم عن حريتهم الخاصة .وليس من خلال تماهيهم بقيمة او هدف خارجيين أي قدرتهم على التصرف انطلاقا من ذواتهم. 2. ضعف الرساميل الثقافية والرمزية: يلعب الرأسمال الثقافي للفئات الشبابية دورا حاسما في تحديد توجهاتهم.وينعكس على قدراتهم المعرفية و النقدية ، و أمام وجود تيار سلفي محكم التنظيم فانه يقع استقطاب هؤلاء الشباب بسهولة عبر تقديم تفاسير جاهزة للدين خارجة عن سياقها الأصلي مقدمين إياها على أنها أدلة ثابتة غير قابلة للنقاش ، فينخرط الشباب في هذا التيار و يتبنون أفكاره و يكفرون من يخالفهم الرأي أحيانا أو يصفونه بالكافر أو ضعيف الإيمان أما الرأسمال الرمزي واحد من المفاهيم الأساسية التي اشتغل عليها عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو فهو أيضا فارقا في بناء الشخصية السلفية فكريا و عقائديا و هو تلك الموارد المتاحة للفرد نتيجة امتلاكه سمات محددة كالشرف و السمعة و السيرة الحسنة و هو رأسمال يتأسس على القبول و الاعتراف. و يدخل هذا الرأسمال في مختلف الحقول و مختلف أشكال السلطة و الهيمنة، ففي ظل شعور الشباب بالرفض و الإقصاء فإنهم سيحاولون الرد على هذا الوضع باعتماد آليتين مختلفة منها التدين على الطريقة السلفية و تبني الفكر الجهادي . و في عملي الميداني لاحظت أن العديد من الفاعلين من فئة الشباب كانوا موصومين "بالسرقة "و "الانحراف الأخلاقي" انخرطوا في التيار السلفي بعد الحراك الاجتماعي 2011. والدخول إلى عالم السلفية احد الحلول التي يلجا إليها الفاعلون الاجتماعيون لتجاوز وصماتهم وإعادة الاعتبار لذواتهم .فيعيدون إنتاج تلك الوصمات كردة فعل للمجتمع الذي وصمهم .فالانخراط في التيار السلفي هو محاولة للتفوق حتى على المجتمع في" فهمهم السطحي للدين وفق تصورهم" و بذلك سيأتون ممارسات و سلوكات تتجاوز الممارسات الدينية للمجتمع ويصمون الفاعلين الذين وصموهم في السابق ب"الجهل"و الفهم السطحي للدين" كما أن الفاعل الذي نشأ على العنف و أصبح العنف وصمة ملتصقة به ، فانه سيحاول تجاوز هذه الوصمة و إيجاد إطار أخر يضفي الشرعية على أعماله وهو الإطار السلفي الذي يسمح له بممارسة العنف في إطار منظم تحت العديد من المسميات " كالجهاد " أو " الدفاع عن الإسلام و نصرته "و في هذا الإطار يقول عالم النفس إيريك فروم " هكذا يمكن اعتبار موقفنا الديني وجها لبنية شخصيتنا ، فهويتنا تتحدد بما نكرس أنفسنا من أجله و ما نحن مكرسون من أجله هو الذي يحرك سلوكنا " . و من خلال ما سبق نتبين الأهمية البالغة للرأسمال الرمزي و دوره في توجيه سلوكات الفاعل الاجتماعي غير أن كل هذه العوامل ترتبط كذلك باستراتيجيات متعددة ومنظمة. 3. ضعف الرساميال الاقتصادية والاجتماعية: يمثل الرأسمال الاجتماعي أحد الأسباب العميقة التي تجعل من الشباب ينخرط في الحركة السلفية فأمام انتشار البطالة بصورة مهولة اذ تشير دراسات الى أن ربع الشباب العربي عاطل عن العمل . ما انجر عنه انعدام الأمل لدى الناشئة الشبابية فالمشاكل الاجتماعية مثل البطالة والفقر في العالم العربي تساهم في بناء ذوات شبابية "محبطة"و فاقدة للأمل .وهو ما يجعلهم يبحثون عن سبل تخرجهم من هذه المشكلات الاجتماعية و أمام هذه الأوضاع الاجتماعية المتردية و الإقصاء الاجتماعي للفئات الشبابية من قبل الدولة يصبح التيار السلفي الحل الأمثل لدى الفئات الشبابية لإعادة الاعتبار" للكرامة المفقودة ".فلجوء الشباب إلى التيار السلفي يعيد لهم ولو قليلا من الأمل لتجاوز مثل هذه المشكلات الاجتماعية ويكون ذلك تحت مسميات مختلفة مثل" القناعة" أو انطلاقا من مقولة " الفرقة لناجية " التي لطالما حاجج بها التيار السلفي الجهادي خصومه . فهذه المقولات تعيد لهم كرامتهم التي فقدوها في واقع اجتماعي قائم على الإقصاء و التهميش و منها " نحن الفرقة الناجية ، نحن حماة الدين ، فرقة لكتاب و السنة." و يضاف إلى كل هذا ضعف الرأسمال الاقتصادي لهؤلاء الفاعلين من أملاك وعقارات وموارد للعيش.ما يجعلهم يلجئون للتيار السلفي الذي يقدم لهم بديلا يعيد لهم الأمل وان كان رمزيا في إطار مقولات وشعارات متعددة. كل هذه العوامل مجتمعة تولد نقمة شبابية على الأوضاع المجتمعية و لعل الحركة السلفية خير الحلول في مساعدة الشباب على تجاوز أوضاع الإقصاء الاجتماعي و إعادة الاعتبار لهم من مطلق أخر تحت غطاء ديني. وليس هذا فحسب بل ان العوامل السابق ذكرها تجعل الشاب ينخرط في أي عمل هويتي يستعيد عبره قدرته على الإبداع الخلاق وتغيير وضعيته الدونية التي هي في أسفل الهرم الاجتماعي .والمثير للدهشة أن بعض سياسيونا يستغربون وينددون ويتألمون عبر مسرحة مكشوفة للكل تكشف زيف مساعيهم السلطوية ومراميهم الأيديولوجية .إن الإرهابي لايولد إرهابيا بالفطرة بل هنالك عوامل مجتمعة تحركها أجندات توتاليتارية غربية إما بقصور من الحكومات العربية أو بتواطؤ منهم،وكلا الاحتمالين يدعونا الى القلق والكشف عن خفايا ما يسمون أنفسهم سياسيين والحال أنهم مسيسون .كما أن الردة الحضارية التي باتت الأمة تتخبط في متونها إنما احد أسبابها سياسات علمانية متطرفة تقوم على اجتثاث الديني الذي هو أساس نهوض هذه الأمة من تخلفها وتقهقرها الحضاري و تجربتي بن علي ومبارك خير دليل على مانقول الى حد تجاوز المعقول أضحت فيه الصلاة اتهاما بالتطرف والإرهاب وكرست لذلك إمكانيات امنية مهولة .ولسائل ان يسال هل ان الاسلام فعلا معرقلا للحداثة والتقدم ؟ لن نطيل بتكثيف الأحبار ولينظر أصحاب هذا الرأي الى ماحققته الدولة العباسية من ازدهار وتقدم طال شتى مجالات الحياة اقتصاديا واجتماعيا وعلميا.ولينظروا إلى ماليزيا وما حققته من تقدم لافت بفضل إتباعها الاقتصاد الإسلامي وبالتالي بناء نموذج تنموي رائد وغير مسبوق يجمع بين الإسلام بصفته محركا خلاقا للتقدم والنهوض الحضاريين وروح الحداثة من خلال التقدم العلمي والتكنولوجي وتطور الخدمات الاساسية من صحة وتعليم...وعموما إذا كان الحداثويين يتشدقون بالعدل وحقوق الإنسان فإن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قد استطاع تحقيق ما لالم يتجاوز الأفواه إلى الأفعال ولازالت تجاربه إلى الآن تدرس كتجربة رائدة في القضاء والعدل. ولانسعى في ما سبق لا الى تبرير توحش وبربرية الحركات الإسلامية المتطرفة التي هي أضحت احد أسباب انحدار الإسلام وتشويه رسالته ولكننا أردنا تبيان دور التطرف في ولادة التطرف.فالتطرف الحداثي والعلماني ينتج عنه تطرفا إسلاميا مضادا ينبني على شعارات إعادة أمجاد الأمة ونصرة الإسلام.وبلغة اوضح فان البلدان العربية عجزت عن تصريف الماضي بما يحمله من مخزون ثقافي هائل في المضارع بماهو مضارع متجدد ومتغير. إن هدفنا من هذه النبذة الجيوسياسية السريعة ترمي إلى افهام القارئ إن فهم الحركات الاجتماعية الراهنة لا يتم دون العودة الى النسق التاريخي الذي أدى إلى ظهورها وخاصة التجارب التحديثية التي شهدتها البلدان العربية .اضافة الى الدور الغرباوي في نشاة الحركات التي تتبنى العنف تحت مظلة الديني بغية تحقيق اهداف جيواقتصادية وجيوسياسية .تزامنا مع تفكك الاجتماعي من خلال تقهقر مؤسسات التنشئة الاجتماعية وخاصة المؤسسة التربوية والاسرة وتغير حاجيات ومتطلبات الفئات الشبابية. وما نخلص اليه من دراستنا للظاهرة السلفية انها ظاهرة مثيرة للجدل وهذه الظاهرة نتاج لتفاعلات فاعلين لهم مقاصدهم وغاياتهم وهويتهم الخاصة التي تحقق لهم التمايز عن بقية الفعلين الاجتماعيين. ويعتبر الشباب من بين أهم الفاعلين في الحركة السلفية.والحال تلك علينا أن نبحث عن المعنى وفي المعنى.فشبشبة ضاقت بها السبل ستلجأ" للحاضنة السلفية" لتعيد الاعتبار لذات "محبطة"وفاقدة للأمل" .فتكون بذلك الحركة السلفية الحل الأمثل لتجاوز ضغوطات الواقع المعيش .وتجاوز لإقصاء وتهميش" دولة كافرة" يحكمها "الطاغوت". فاللجوء إلى الحركة السلفية يبعث في نفوسهم ولو قليلا من الأمل من خلال مفاهيم ومسميات تجعلهم يشعرون بالارتقاء في مكانتهم الاجتماعية والرمزية من منطلق ديني مثل "الفرقة الناجية والمنصورة"وأنصار الإسلام "وغيرها.وكرد فعل على الإقصاء والتهميش يدخل هؤلاء الفاعلين في صراع مع مؤسسات الدولة والمجتمع تحت "غطاء الدين" لإضفاء مشروعية على أفعالهم وممارساتهم.حتى أن الديني يفبرك في الكثير من الأحيان ليستجيب لمتطلبات وحاجيات الشباب السلفي.ومن هذا المنطلق يدخل الشاب السلفي يدخل الشاب السلفي في علاقة صراعية مع الأخر المختلف الذي يمثل عائقا أمام أهدافهم وغاياتهم.فيكون الدين "الحل الأمثل"لإقصائه عبر وصمه"بالكافر"أو"المرتد"أو عدو "الإسلام"..هنا تترسخ عقيدة إما الأنا أو الآخر في "المخيال السلفي" وسيظل السؤال التالي يطرح باستمرار بعين السؤال:هل السلفية الجهادية التزام بمنهج السلف أم إنحراف معياري للخلف ؟