في مجتمعاتنا الشرقية يحتل الدين مساحة كبيرة من حياة الناس ، ويعد القاعدة التي ينطلقون منها في كل شئونهم ، وهذا ينطبق عليهم بمختلف مذاهبهم ومشاربهم ، وبكل طوائفهم ومعتقداتهم ، فهم يرجعون كل تصرف للدين ، ويربطون كل كبيرة وصغيرة بالشرع فما من مسلم إلا ويستشير شيخا ًفي أهم أمور حياته وما من مسيحي إلا ويرجع للكنيسة في أهم شئون حياته . فالدين هو عماد حياة الناس وإكسير حياتهم وهناك من يبتز مشاعر الناس ويستخف بعقولهم باسم الدين ظنا منه أنه بذلك يدفع الناس لمزيد من التدين والرجوع إلى الله وبعضهم يفعل ذلك عامداً للسيطرة وساعياً للتحكم بالناس في أقبح صور الإرهاب الفكري والتطرف الديني وجميعهم يضرب بالعقل عرض الحائط ويستهين بعقول الناس في حين أن الدين احترم العقل وحثنا على التفكر والتدبر وعدم تسطيح العقل وإهماله وقد حثنا الله في أكثر من موضع في القرآن الكريم على التفكر والتدبر وإعمال العقل واللآيات التي حثت على ذلك كثيرة . دفعني للكتابة في هذا الموضوع تفسير بعض الشيوخ للعواصف الترابية التي تضرب بعض المناطق من حينٍ لآخر في دول الخليج والتي تكثر غالباً في فصل الصيف فقد راح بعض الشيوخ يسهبون في تفسير تلك العواصف وتصنيف ذلك الغبار فمنهم من يزعم أنها عقاب من الله لسكان تلك المناطق لتأخيرهم الصلوات عن مواعيدها وارتكابهم المعاصي وبعدهم عن الله مع أننا لم نرى مثل هذا في بلاد الكفر التي لا تؤمن بالله جملةً وتفصيلاً وآخرون يقولون إنما هذا الغبار وتلك العواصف الترابية هي رحمة من الله يسوقها للعباد ويدلل على ذلك بما هو منسوب لابن خلدون في مقدمته ( بأن الأرض عند تغير الفصول من فصل إلى فصل تتنفس فيهيج الغبار الذي يقتل الحشرات والميكروبات فالحصى يدخل في أنوفها وعيونها وحلوقها ) وهذا كلام لا يقبله العقل كما أن صياغته الركيكة تجعلني أقول أنه مدسوس على ابن خلدون وحتى وإن كان من كلام بن خلدون ليس بالضرورة يكون صحيحاً فنحن لم نسمع عن انتشارالحشرات والأوبئة في أوروبا مثلاًً أو روسيا ومع ذلك لا تضربها تلك العواصف ولا يأتيها الغبار إذن هذا تفسير منافي للعقل والواقع . ومن يقرأ مقدمة بن خلدون لن يجد أثراً لهذا الكلام ولا ندري من أين نسبوه لابن خلدون ناهيك عن أن هذا الكلام عارٍ تماماً عن الصحة ومنافٍ للعقل والعلم حيث أن العواصف الترابية تتسبب في ارتفاع درجة الحرارة وتقلل من نسبة الأكسجين في الجو وتتسبب في الكثير من المعاناة لمرضى الجهاز التنفسي وكبار السن والأطفال وتؤدي لزيادة التوتر والانفعالات لدى الناس وربما تنقل الأمراض من مكان إلى آخر وكذلك الحشرات والميكروبات . وقطعاً هذه العواصف وغيرها من الظواهر الطبيعية مثل الأعاصير والصواعق هي من عند الله وجندٌ من جنوده ولا سبيل لإنكار هذا فقد عذب الله سبحانه وتعالى أقواماً بالدخان والصيحة ولكن تلك الأقوام كفرت بالله جملة وتفصيلاً ورفضوا ما جاءت به النذر فاستحقوا العذاب عن جدارة أما في بلاد الإسلام التي لا تخلو من الصالحين وإن وجدت المعصية يمكن أن تفسر على أنها ظواهر طبيعية يحركها المولى عز وجل ويوجهها حيث شاء ومتى شاء لإرادة يريدها فتكون دافعاً لنا لتذكر الله وقدرته ونذر توقظ في نفوسنا الخشية منه سبحانه واللجوء إليه بالدعاء والاستغفار وطلب الرحمة. هذا التفسيرلا يتعارض مع أن مثل هذه الظواهر ترتبط بطبيعته المكان التي جبل الله عليها تلك المناطق فجعل الصحراوات والجبال وخلق البحار والأنهار وبلاد حباها بالخضار والأشجار ولكل منطقة مناخها وجمالها فمنها الحارومنها البارد وكل مناخ له خصائصه ولوازمه التي تصاحبه فالمناطق الصحراوية من خصائصها العواصف الترابية والغبار وجفاف الجو والمناطق الباردة ذات الأنهار والأشجار من لوازمها برودة الجو أغلب أوقات السنة وسقوط الثلج في الشتاء والمناطق الإستوائية تتميز بشدة ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار الغزيرة طوال العام. علينا ألا نلغي عقولنا إذن ولا نسلم بأي تفسيرات لمجرد أن من قالها شيوخ ورجال دين فهم عرضة للخطأ وعدم التوفيق لأنهم بشر وقد يعوزهم التفسير العلمي لبعض الأمور وعلينا أن نتفكر ونتدبر ونرجع الأمر لله الذي أمرنا بالتفكر والتدبر ثم للعلم وقوانينه السليمة التي لا تتعارض مع القوانين الربانية والسنن الكونية . بقلم :- عصام الشاذلي