من المعروف أن أول حضارة في العالم قامت على ضفاف نهر النيل حيث نزل الإنسان في العصور الأولى من الجبال تاركاً حياة الكهوف إلى الأنهار ليشيد المدن ويبني القصور ويزرع الأرض ويفلحها في حياة مستقرة هادئة أثمرت حضارة لا تزال آثارها شاهدة على عظمة وعبقرية المصري القديم الذي عل العالم فنون الحضارة المختلفة . وكانت الزراعة هي منطلق الإنسان لإنشاء حضارة أذهلت العالم ولا زالت سواء في مصر أو العراق ومرت العصور تلو العصور ومصر واحة الأمن والأمان ومستقر الجائع والظمآن ولكن بدلاُ من أن تعمل الأجيال اللاحقة على زيادة ما خلفه لهم السابقون والتوسع في الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاج كماً وكيفاً حدث العكس تماماً فقد تراجعت الرقعة الزراعية وقل الانتاج في كثير من المحاصيل بل وإن هناك محاصيل أخرى اختفت من الخارطة الزراعية كل هذا يحدث في الوقت الذي نعاني فيه من الحاجة والنقص في كثير من السلع الغذائية في ظل زيادة سكانية رهيبة . وحتى يكون الحديث ذا قيمة علينا أن نفند المشكلة بشكل منهجي فنبحث الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج السيئة والتي يعرفها القاصي والداني وأهم تلك الأسباب من وجهة نظري :- *-هو إهمال الدولة للمزارع وتخليها عن دورها في دعمه فتركته نهباً للغلاء الصارخ في مواد الزراعة من بذور وأسمدة وآلات زراعية وأيدي عاملة ...إلخ مما أضعف قدرته على المنافسة عالمياً. *-عدم وجود سياسة زراعية واعية تراعي ظروف الأقاليم الزراعية في مصر وتعمل على رسم الخريطة الزراعية التي تلزم المزارعين بزراعة المحاصيل التي تهدف لسد الفجوة في تلك المحاصيل وتحد من استيرادها . *-غياب الثقافة الزراعية بغياب دور المرشد الزراعي الواعي بمهام وظيفته وترك المزارعين للإجتهاد الشخصي والتجربة . *-إرهاق المزارعين بديون مركبة الفائدة من قبل بنك التنمية والإئتمان الزراعي والذي راح ينهش المزارع حتى اضطر كثير من المزارعين لهجر الأرض أو بيعها . *-عدم وجود خريطة تسويقية من قبل الدولة تعمل من خلالها على تسويق منتجات المزارعين بشكل يضمن لهم تحقيق مكاسب تعينهم على الاستمرار في الإنتاج من خلال فتح أسواق جديدة داخل أو خارج الدولة تستوعب إنتاج المزارعين . *-وجود مافيا من كبار رجال الأعمال تعمل على التربح من خلال تصدير بعض السلع الزراعية واستيراد سلع أخرى وبالتالي يسعون دوماً لاستمرار هذا الوضع بل ويسعون لزيادة المستورد . وقد ترتب على ما سبق النتائج التالية :- *-هجر كثير من المزارعين للزراعة وقد لجأ البعض لبيع الأرض وكثير من الأراضي تحول إلى كتل خرسانية خاصة بعد 25 يناير 2011م فقد ضاعت كثير من الأراضي ذات الإنتاجية العالية وتحولت إلى مباني. *-حدوث فجوة كبيرة في الحاصلات الزراعية كالحبوب مما يضطر الدولة لإعتماد سياسة الاستيراد لسد العجز مما يرهق ميزانية الدولة وبالتالي المواطن . *-حدوث فجوة وعجز في الإنتاج الحيواني والداجن نتيجة أن جزء كبير منه كان يعتمد على المزارعين الذين يقومون بتربية الحيوانات والطيور بجانب الزراعة . *-اتساع طبقة المهمشين وزيادة شريحة المديونين والمتعثرين من المزارعين والذين أصبح كل همهم هو الهروب من الأحكام التي تلاحقهم بسبب مديونياتهم لبنك التنمية . وبات على الدولة التدخل جدياً لدراسة أحوال الزراعة في جمهورية مصر الزراعية والتعرف على مشكلات المزراعين والعمل على وضع الحلول السريعة والجذرية لها قبل فوات الأوان فمصر دولة زراعية بالاساس وقد كانت سلة غذاء العالم والآن لم تعد السلة تكفي أهلها ...!! فهل ستعود السلة تمتليء بالغذاء مرة أخرى أم أننا ننفخ في قربة مخرومة !!