مستشار/ أحمد عبده ماهر قالوا لنا بفقر الصحابة، وبأن كفن أحدهم لم يكن ليغطي رجليه إذا ما غطى رأسه ولا يغطي رأسه إذا ما غطى رجليه. وأن أبا بكر وعمر كانا يربطان حجرا على بطونهما من الجوع، وأن المجاعة كانت تأكل المدينةالمنورة بمن فيها . لكن ماذا حدث بعد وفاة الرسول...هيا بنا إلى كتب تراثنا لنعلم كيف أنه بفترة زمنية قصيرة انهمرت سيول أموال الفتوحات وغنائم الحروب والخراج وهبات الخلفاء، وتم تملك العقارات وحيازة المقاطعات حيث كانت تتراكم ثرواتهم بشكل وهمي على شكل قفزات وطفرات يستحيل تصديقها ...وهو ما عجّت به كتب الصحاح كالبخاري.. والتاريخ والتراجم كأعلام سير وتاريخ الإسلام للذهبي ومروج الذهب والطبري والطبقات لابن سعد والأنساب للبلاذري والعقد الفريد ووما كتبه هلال آل فخر الدين . قال ابن الجوزي : خلّف طلحة ثلاثمائة جمل ذهبا. راجع : الطبقات ابن سعد 3/158. الأنساب للبلاذري 5/7. العقد الفريد 2/279. ففي طبقات ابن سعد بسند فيه الواقدي: (قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم, ومائتا ألف درهم. وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف درهم) أي: ثلاثمائة مليون درهم..! قال الذهبي تعليقا على ذلك: (أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث قال: وقد خلَّف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب.)!! 3- الزبير بن العوام قال البخاري جميع ماله _ يعني الزبير _ خمسون ألف ألف ومائتا ألف أي خمسون مليون . وقال ابن الهائم: بل الصواب ان جميع ماله تسع وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف. فقد بلغت ثروته من قيمة العقار الذي ورَثه (خمسين مليونا, ومائتي ألف)، حيث جاء في صحيح البخاري أن للزبير أرضين: منها الغابة (وكان الزبير اشتراها بسبعين ومائة ألف, فباعها ابنه عبد الله بعد وفاته بألف ألف وستمائة ألف, أي باعها بمليون وستمائة ألف)،.... وإحدى عشرة داراً في المدينة, ودارين في البصرة, وداراً في الكوفة, وداراً في مصر وأخرى بالإسكندرية. راجع صحيح البخاري كتاب الجهاد باب بركة الغازي في ماله 5/21. ويحدثنا المؤرخون كالمسعودي في مروج الذهب 2/342: خلف الزبير ألف فرس الف عبد وألف أمة وخططا. وذكر الطبري أن ثروة الزبير وحده بلغت خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعاً كثيرة في البصرة وفي الكوفة وفي مصر وغيرها. وكان للزبير أربع نسوة, ورفع الثلث - أوصى به لأولاد ابنه عبد الله - فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ما له خمسون ألف ألف, ومائتا ألف) 4- عبد الرحمن بن عوف فتقدر ثروته ب (ثلاثة ملايين ومائتي ألف دينار)، أي: ما يساوي اثنين وثلاثين مليون درهم فضة, لأن الدينار الذهبي يساوي عشرة دراهم, وهذا حسب الاحتمال الذي ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح, حيث قال: «جميع تركة عبد الرحمن بن عوف ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف أي (ثلاثة ملايين ومائتا ألف)، وكثرة مال عبد الرحمن مشهورة جداً) وقال: وكان فيما خلفه من ذهب يقطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال _اي بقبقت وعبأت ماء_ . راجع الطبقات لابن سعد 3/96. وقال المسعودي في مروج الذهب : ابتنى داره ووسعها وكان على مربطه مائة فرس وألف بعيرة وعشرة آلاف من الغنم. راجع : مروج الذهب 2/343. تاريخ اليعقوبي 2/146. صفة الصفوة لابن الجوزي 1/138. كما روى أحمد في مسنده من حديث أنس (أن عبد الرحمن أثرى, وكثر ماله, حتى قدمت له مرة سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق) ويحدثنا المؤرخون كالمسعودي في مروج الذهب والطبري.. وكان لعبد الرحمن بن عوف مائة فرس، وله ألف بعير وعشرة آلاف شاة، وبلغ ربع ثمن ماله الذي قسم على زوجاته بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً. وفي البداية والنهاية( وترك ألف بعير, ومائة فرس, وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع, وكان نساؤه أربعا, فاقتسمن ثمنهن, فكان ثلاثمائة وعشرين ألفا, لكل واحدة منهن ثمانين ألفا ..! قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكان عامة ماله من التجارة. ففتح الله عليه في التجارة) 5- سعد بن أبي وقاص فتقدر ثروته ب (مائتي ألف وخمسين ألف درهم)، وقصره فى العقيق المبنى بخشب الساج. 6-ويحدثنا المؤرخون كالمسعودي في مروج الذهب والطبري عما تركه كاتب الوحى الصحابى ( زيد بن ثابت) من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس حتى مجلت أيدي الناس، ما عدا الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار وقصره من العقيق. راجع مروج الذهب 2/342.. حيث تؤكد المصادر ان الخليفة عمر كان فى كل مرة يغادر فيها المدينة يجعل زيد بن ثابت مكانه وعند رجوعه يعطيه رضيخى من المال ويهبه اقطاعات وعقارات. وسار بنو أمية على خطوات معاوية في ذلك فجعلوا المال جل همهم حتى كتب عبد الملك بن مروان الى ولاته (احلبوا الضرع فان انقطع فاحلبوا الدم) وكذلك كانت الاموال أكبر نصير لهم على خصومهم من المعارضة واصحاب الخلافة من بني هاشم وعلى الخوارج وغيرهم فجرّهم ذلك على الاستكثار منه بأي وسيلة كانت. والسلطة تحولت في دولة بني أمية من الخلافة الدينية إلى ملك عضوض وحتى خلافة العباسيين حيث بلغت المدى فى السعة وكثرة الأموال. فاشتهر عن الرشيد مخاطبا السحاب :اين ما تذهب ياتينى خراجك. وكل تلك الأموال العظيمة كانت تصرف على المجون والخلاعة والجوارى وبناء القصور واغداق الاموال على الصعاليك من بطانة الخليفة وللاطلاع على إسراف الخلفاء انظر كتب الخراج وعلى هذا المنهج سار المماليك والأتراك وطغاة الأعراب وشيوخ الإمارات وظلمة الحكام كان جنى الاموال بكل وسيلة غاية لتنعم الخلفاء والأمراء وهدف اساسى للسلطة بقمع معارضيها وشراء الذمم. واخيرا نختتم البحث بما يؤكده العلامة الدكتور طه حسن فى كتابه الفتنة الكبرى (عثمان) ص40 : (وسترى ان اسباب الفتن ودواعى الغرور كانت كثيرة وقوية وخلابه لايثبت لها الا اولوا العزم واولوا العزم قلة فى كل زمان ومكان ...ولكنى مع ذلك الاحظ ان جماعة من اصحاب النبى قد حسن بلائهم فى الاسلام حتى رضى النبى عنهم وبشرهم بالجنة او ضمنها لهم ثم طال عليهم الزمن واستقبلوا الاحداث والخطوب ومتحنوا بالسلطان الظخم العظيم والثراء الواسع العريض ففسدت بنهم الامور الى ابعد الحدود وقاتل بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا وساء ظن بعضهم ببعض الى ابعد ما يمكن ان يسؤ ظن الناس بالناس فما عسى ان يكون موقفنا نحن من هؤلاء؟ لانستطيع ان نرضى عن اعمالهم جميعا فلا نلغى عقولنا وحدها انما نلغى معها اصول الدين التى تامر بالعدل والاحسان وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ..) هذه بعض الأمثلة البسيطة وفي التاريخ شواهد كثيرة لا نريد الدخول في بحثها الآن ونكتفي بهذا القدر للدلالة على أنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبردجها وكل ذلك له أصل عظيم وهو ليس التجارة إنما الفتوحات المسماة زورا بأنها إسلامية. مستشار/أحمد عبده ماهر كاتب وباحث ومفكر اسلامي ومحامي بمحكمة النقض .