رئيس جامعة قناة السويس يُؤكد توافر الأطقم الطبية داخل عيادات كل كلية أثناء فترة الامتحانات    الجيل: الحوار الوطني يدعم مواقف مصر الثابتة تجاه القضية الفلسطينية    اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    آخر تحديث.. أسعار عملات دول البريكس مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد    وزير الداخلية يستقبل نظيره الكويتي لبحث سبل تعزيز التعاون الأمني بين البلدين (صور)    أثر إيجابي على الوضع الاقتصادي.. رئيس الوزراء يشيد بانخفاض معدل المواليد    بمشاركة 500 قيادة تنفيذية لكبريات المؤسسات غدا.. انطلاق قمة مصر للأفضل تحت رعاية رئيس الوزراء لتكريم الشركات والشخصيات الأكثر تأثيرا في الاقتصاد    وزير الداخلية يستقبل نظيره الكويتي لمناقشة مستجدات القضايا الأمنية المشتركة    ذا هيل: تحالف كوريا الشمالية وروسيا قد يلحق ضررا ببايدن في الانتخابات الرئاسية    مصر تواصل تحركاتها لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى أهالي غزة    اليونيسف: تعطل توزيع المكملات الغذائية بغزة يهدد حياة أكثر من 3 آلاف طفل    أخبار الأهلي : عجائب وطرائف الدوري المصري ..الجبلاية ترد على تعيين حكمين لإدارة مباراة الحرس !    أخبار الأهلي : اجتماع طارئ ل كولر في الأهلي بعد العودة من سويسرا    تشكيل الاتحاد السكندري لمواجهة أبوقير للأسمدة في كأس مصر    رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحان الشهادة الثانوية الأزهرية القسم الأدبي بمدينة نصر    أماكن صلاة عيد الأضحى في المحافظات 2024.. الأوقاف تعلن 6 آلاف ساحة    «القومي للمرأة»: مؤشر عدد الإناث بالهيئات القضائية يقفز ل3541 في 2023    مصدر يكشف حقيقة إصابة جورج وسوف بنزيف حاد    طبعة إنجليزيّة لرواية "أَدْرَكَهّا النّسيانُ" لسناء الشّعلان (بنت نعيمة)    سوسن بدر تشكر «المتحدة» بعد تكريمها في احتفالية فيلم أم الدنيا 2    ينطلق السبت المقبل.. قصور الثقافة تعلن عروض المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية    تعرف على سبب فشل زيجات نسرين طافش    خبيرة فلك تبشر مواليد هذه الأبراج بانفراجة كبيرة    الأفلام المصرية تحقق 999 ألف جنيه إيرادات في يوم واحد.. والسرب يحتفظ بنصيب الأسد    دعاء ذبح الأضحية كما ورد في السنة..« إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله»    تكبيرات عيد الأضحى مكتوبة.. «الإفتاء» توضح الصيغة الشرعية الصحيحة    تعرف على محظورات الحج وكفارتها كما حددها النبي (فيديو)    لمدة يومين.. صحة مطروح تطلق قافلة طبية بمنطقة فوكة بالضبعة غدا    رئيس الشعبة بالغرف التجارية: مبيعات الأدوية تتجاوز 65 مليار جنيه خلال 5 أشهر من 2024    البنك التجاري الدولي يتقدم بمستندات زيادة رأسماله ل30.431 مليار جنيه    أمينة الفتوى: «بلاش نحكي مشاكلنا الزوجية للناس والأهل علشان متكبرش»    «كوني قدوة».. ندوة تثقيفية عن دور المرأة في المجتمع بالشرقية    علاء نبيل يعدد مزايا مشروع تطوير مدربي المنتخبات    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    مفاجأة.. مدرب ليفربول يحسم مستقبل محمد صلاح    إصابة سائق إثر حادث انقلاب سيارته فى حلوان    خاص رد قاطع من نادي الوكرة على مفاوضات ضم ديانج من الأهلي    توني كروس يصل ل300 انتصار مع الريال بعد التتويج بدوري أبطال أوروبا    طرق حديثة وحماية من السوشيال.. أحمد حلمى يتحدث عن طريقة تربية أولاده (فيديو)    في دقيقة واحدة.. طريقة تحضير كيكة المج في الميكروويف    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهمين ب "جماعة حازمون الإرهابية" ل 2 سبتمبر    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    برلماني أيرلندي ينفعل بسبب سياسة نتنياهو في حرب غزة (فيديو)    العمل: 3537 فُرصة عمل جديدة في 48 شركة خاصة تنتظر الشباب    المؤتمر: تحويل الدعم العيني لنقدي خطوة تحقق العدالة الاجتماعية    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    توجيه جديد لوزير التعليم العالي بشأن الجامعات التكنولوجية    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    محافظ كفر الشيخ يعلن أوائل الشهادة الإعدادية    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد زكريا توفيق : الميكانيكا الكمية – ما هو الضوء ومن أين يأتي؟
نشر في شباب مصر يوم 11 - 12 - 2014

المعضلة التي أمامنا هنا هي معرفة طبيعة الضوء. هل هو موجات أم جسيمات دقيقة؟ في عام الفيزياء، هناك من يجزم بأنه موجات، وآخرين مستعدون للحف بأغلظ الأيمان أنه جسيمات. كل فريق له مؤيدين ودلائل وبراهين تساند وتعضد رأيه.
هذا التعارض في وجهات النظر، حدث في نفس الوقت. الأجسام تلمع عندما يسقط عليها وابل من جسيمات الضوء الدقيقة. هكذا قال العظيم إسحق نيوتن. لا، بل الأجسام تسطع بالموجات التي يحدثها الأثير. هكذا قال هايجين العالم الهولندي.
حقا إنها معركة حامية الوطيس، استمرت أكثر من 100 سنة. يذهب النصر لأحد الفريقين، ثم يتحول لكي يؤازر الفريق الآخر، ليعود ليشد من اذر الفريق الأول. لكن أخيرا، في بداية القرن التاسع عشر، جاءت تجارب "ينج" و"فرينزل"، و"فرونهوفر" لتضع حدا لهذا الجدل، ولكي تتوج النظرية الموجية للضوء بأكاليل الغار وتعلن نصرها المبين على عدوها اللدود نظرية الجسيمات.
خواص الضوء، التي تعتبر اكتشافات حديثة في وقتها، التداخل والحيود والاستقطاب، تؤيد بقوة نظرية هايجين الموجية، وتتعارض مع نظرية الجسيمات لنيوتن.
التداخل يحدث عندما تتداخل موجات مصدرين للضوء، فينتج عن ذلك حلقات ضوئية متداخلة. الحيود يحدث عندما يحيد الضوء عن مساره عند حافة الأجسام الساقط عليها. أما الاستقطاب، فيحدث عندما يوضع ساتر في مسار الضوء يجعل موجاته تسير في اتجاه معين، وتلغي الموجات التي تسير في الاتجاهات الأخرى.
ثم جاء ماكسويل بمعادلة رياضية يصف فيها سلوك موجة الضوء كموجة كهرومغناطيسية. هذا يكمل انتصار النظرية الموجية، للضوء ويغلق باب الجدل في طبيعته وكنهه.
بعد ذلك بأقل من 50 سنة، بدأت نظرية الضوء جسيمات تطفو على السطح من جديد. تأثير الضوء على أسطح المعادن (التأثير الكهروضوئي)، الذي يجعل الإلكترونات تهرب من السطح، لا يمكن تفسيره بالنظرية الموجية للضوء.
بدأ الجدل يظهر من جديد. هل الضوء موجات أم جسيمات؟ لكن الجدل هذه المرة جاء بطريقة مختلفة. الجدل هنا لم يكن يبغي انتصار فريق على الآخر، ولكن كان بهدف فهم إيه الحكاية بالضبط. وكان كل فريق مستعدا للتنازل عن جزء من كبريائه في سبيل إيجاد حل وسط يرضي الجميع.
بدلا من هذا الشجار العقيم واللكم والركل ونتف اللحى، ما رأيكم في حل وسط، يأخذ بالرأيين معا، ويعتبر الضوء موجات وجسيمات في نفس الوقت. حاجة كدة زي قرارات مجلس الأمن.
لكن لماذا يبخل علينا الضوء بالكشف عن هويته بالضبط؟ هو تارة يظهر لنا كجسيمات ابن جسيمات، وتارة أخرى يتخفى في زي موجات بنت موجات؟
السؤال الثاني لا يقل أهمية، والذي جاء مع نظرية أينشتين الكهروضوئية، هو: لماذا لا يخضع الإلكترون في السطح المعدني لتأثير كل ألوان الضوء، ويرفض مغادرة السطح إلا عند ألوان معينة؟ الإلكترونات الحرة الطليقة، تتأثر بكل أطياف الضوء. فقط المحبوسة في السطح المعدني، هي التي تهرب من الأسر عند ألوان معينة دون غيرها.
في نفس الوقت، حاول عالم فيزياء دنماركي، نيلز بور، تطبيق المفهوم الجديد للطاقة الكمية على التحيل الطيفي. مئات الرسائل العلمية حتى الآن، كانت قد عالجت ظاهرة التحليل الطيفي. وبدأ استخدامه بكثرة في أبحاث الكيمياء والفلك وفي فحص المعادن وغير ذلك من الاستخدامات.
الفضل يرجع في اكتشاف الطيف إلى العبقري الجهبذ اسحق نيوتن، عندما وضع منشورا زجاجيا في مسار أشعة الشمس، تحلل ضوؤها إلى سبعة ألوان مرئية هي: أحمر، برتقالي، أصفر، أخضر، أزرق، نيلي، بنفسجي. الأشعة الغير مرئية، تحت الحمراء وفوق البنفسجية، تقع أسفل الحمراء وفوق البنفسجية.
في عام 1859م، قام عالم الكيمياء الألماني البارز، بينزن، بتكرار تجربة نيوتن الخاصة، التي وضع فيها منشورا زجاجيا في مسار أشعة الشمس للحصور على ألوان الطيف. لكنه هنا استبدل أشعة الشمس بخرقة قماش مشتعلة بعد أن غمسها في محلول مشبع بملح الطعام (كلوريد الصوديوم).
لم ير بينز في تجربته أي أثر لألوان الطيف السبعة، ولكن رأى أمامه خط ضوئي أصفر واحد ساطع. بعد استشارة عالم ألماني مشهور في الأمر اسمه كيرشوف، قررا أن المنشور الزجاجي يقوم بترتيب الضوء المباشر الساقط عليه وفقا لطول الموجة التي يتكون منها.
عندما تذهب إلى المطبخ، حاول إلقاء بعض حبات ملح الطعام على لهب البوتاجاز، وراقب تغير لون اللهب إلى اللون الأصفر.
ألوان الطيف المرئية الخاصة بأشعة الشمس السبعة، سببها وجود سبعة موجات ضوئية مختلفة لأشعة الشمس. الخط الأصفر الذي ظهر في تجربة بينزن، يخبرنا أننا أمام موجة ضوئية واحدة فقط.
لكن ملح الطعام، اسمه الكيميائي كلوريد الصوديوم، مكون من إتحاد ذرتي الصوديوم والكلور. هذا الخط الأصفر يخص أيهما، الصوديوم أم الكلور؟ إجابة هذا السؤال سهلة للغاية.
ما علينا سوى إجراء التجربة مع استبدال ملح الطعام بمحلول كيميائي آخر يوجد به الكلور ولا يوجد به الصوديوم مثل كلوريد الهيدروجين. في هذه الحالة، اختفى الخط الأصفر تماما. هذا يعني أنه يمثل عنصر الصوديوم.
لقد وجد فيما بعد أن كل عنصر كيميائي له بصمته الفريدة التي تبين شخصيته بدون شك والتي تظهر بالتحليل الطيفي على شكل خط أو مجموعة خطوط لها نمط معين.
بعضها بسيط عبارة عن خط واحد واضح مثل الصوديوم، وبعضها معقد النمط والترتيب، يحتاج إلى خبرة للتعرف عليه. لكنها كلها تشترك في شئ واحد، وهو كونها فريدة تمثل العنصر الكيميائي وحده. مثل الصورة الفوتوغرافية التي تمثل الشخص بعينه.
إذا أردنا معرفة تركيبة قطعة من الصخور، نقوم بطحنها وإذابتها في محلول نغمس فيه خرقة من القماش. عندما تجف، نشعل فيها النار ونقوم بتحليل ضوئها وفحص خطوط طيفه. بالطبع هذه طريقة بدائية لكنها تؤدي الغرض بنجاح، وأسهل من الفحص باستخدام المحاليل الكيميائية. الطرق الحديثة أكثر دقة وتقنية.
التحليل الطيفي يستخدم في الفلك أيضا لمعرفة حالة كل نجم وعمره والعناصر المكونه له. كما يستخدم لدراسة ما يحدث في قرص الشمس والأفران الصناعية والغازات المتأينة (البلازما)، وكذلك لفحص التربة والصخور، وحديثا مع تطور التكنولوجيا، يستخدم في حل ألغاز الجرائم الجنائية المستعصية.
نجاح وفائدة التحليل الطيفي للعناصر شئ هائل ليس له حدود. لكنه صرح بني على أساسيات نظرية الإشعاع الكلاسيكية التي ثبت فشلها في تفسير ظواهر جديدة في عالم الفيزياء.
نقطة الضعف هنا هي، لماذا تبدأ الأجسام في إشعاع الضوء عند التسخين؟ عندما نقوم بتسخين فتيل المصباح، عن طريق التيار الكهربي، يتوهج الفتيل ويبدأ في إرسال الضوء الساطع. من أين يأتي هذا الضوء، وأين كان يختبئ؟
الفيزياء الكلاسيكية تقول بأن التيار الكهربي يجعل ذرات وجزيئات الفتيل تتحرك بسرعة، فيحدث تصادم بينها. ومع زيادة التصادم تبدأ في إشعاع الضوء. لكن، لماذا لا تتوهج الأجسام في درجة حرارة الغرفة العادية، حيث جزيئات المادة تظل في حركة دائمة؟ لا إجابة على هذا السؤال تأتينا من الفيزياء الكلاسيكية.
لدراسة الكهرباء فى الفراغ، أى بمعزل عن الهواء، قام العلماء بتصنيع أنبوبة زجاجية مفرغة من الهواء لها قطبان معدنيان، فى بدايتها ونهايتها. ثم قاموا بتوصيل القطب الأول بسلك معدني بالقطب الموجب لبطارية سائلة مثل البطريات التى تستخدم فى السيارات. وقاموا بتوصيل قطب الأنبوبة الأخرى بالقطب السالب للبطارية. فماذا حدث؟
القطب السالب للأنبوبة بدأ يتوهج ويشع ضوءا غريبا لونه أخضر، لا أحد يعرف عنه أى شئ. القطب السالب تم تسميته "كاثود" والقطب الموجب "أنود". والأشعة أصبح اسمها أشعة الكاثود، والأنبوبة أطلق عليها أنبوبة أشعة الكاثود أو (CRT).
شاشات التليفزيونات القديمة والكمبيوترات كلها عبارة عن أنابيب أشعة كاثود (CRT). الشاشات الجديدة المفلطحة مثل البلازما وال(LCD) أو (LED)، تعتمد على تكنولوجيا مختلفة، لكنها ليست غريبة على فكرة ال (CRT).
فى عام 1897م فى جامعة كامبرج بإنجلترا، قام جي جي طومسون بعمل تجربة لمعرفة كنه الأشعة الغريبة الخضراء هذه. طومسون كان لدية 20 باحث تحت إشرافه، يعملون فقط لمعرفة طبيعة الأشعة الخضراء هذه.
لقد وجدوا أن هذه الأشعة لها شحنة سالبة. قام طومسون بقياس مقدار شحنتها وكتلتها وأسماها إلكترونات. قياساته دلت على أن كتلة الإلكترون أصغر ألفين مرة من كتلة ذرة الهيدروجين.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن الذرة ليست هى أصغر جزيئات المادة كما قال دالتون فى بداية القرن. ربما تكون الذرة مكونة من إلكترونات؟ لكن الإلكترونات لها شحنة سالبة، والذرة متعادلة الشحنة. متعادلة الشحنة يعني لا هي موجبة ولا هي سالبة.
طومسون يحتاج شئ آخر داخل الذرة لكى يعادل شحنة الإلكترون السالبة. لذلك اقترح أن الذرة قد تكون فى شكل كرة صلبة من المادة، لها شحنة موجبة ومطعمة بإلكترونات سالبة داخلها. بذلك تصبح الذرة متعادلة الشحنة الكهربية.
هذا كلام نظري يحتاج إلى دليل عملي. لكن الذرة صغيرة جدا لا يمكن رؤيتها. وبحث مكوناتها يحتاج إلى أسلوب آخر غير النظر فى الميكرسكوب.
أحد تلاميذ طومسون اسمه إيرنست راذرفورد. وجد راذرفورد أن أشعة الراديو، التى تنبعث من المواد المشعة، والتى اكتشفها العلماء الفرنسيين، هي عبارة عن نوعين.
أحد الأشعة يمكن وقفها باستخدام شريحة رقيقة من الألومينيوم أسماها راذرفورد "أشعة ألفا"، لها شحنة موجبة. أما النوع الآخر من الأشعة، فتحتاج إلى عدة رقائق من الألومينيوم لوقفها، أسماها "أشعة بيتا"، لها شحنة سالبة. فيما بعد، تم اكتشاف أشعة ثالثة اسمها "أشعة جاما" متعادلة الشحنة.
كيف نبحث مكونات الذرة بدون استخدام الميكرسكوب الضوئي؟ نفترض أننا داخل غرفة مظلمة ونريد أن نعرف أين الحائط وأين الباب والمفروشات وخلافه. معنا فقط كرات مشعة.
سوف نقوم بإلقاء الكرات المشعة داخل الغرفة. من دراسة مساراتها، نستطيع أن نعرف أبعاد الغرفة وطبيعة مفروشاتها. هذا ما فعلة راذرفورد. فقد قام باستخدام أشعة ألفا الموجبة الشحنة كقذائف على رقائق من الذهب. وقام بدراسة سلوكها عندما تصطدم بهذه الرقائق.
أشعة ألفا كانت تعمل مثل طلقات المسدس على رقائق الذهب. فكانت تنفذ خلالها وتنعكس فى اتجاهات مختلفة. قام راذرفور بدراسة مسارات أشعة ألفها بعد تصادمها برقائق الذهب، فوجدها تسلك سلوكا لا يمكن تفسيره، إلا إذا قمنا بإعادة تصميم نموذج جديد للذرة.
لذلك اقترح راذرفورد بأن الذرة، لا بد أن يكون لها نواة فى المركز صغيرة جدا، لها شحنة موجبة، وتحتوي على معظم كتلة الذرة.
راذرفورد نشر أبحاثه عام 1911م. قال فيها أنه يقترح تصميم جديد للذرة. عبارة عن نواه موجبة الشحنة تحتوى على 99.9 فى المائة من كتلة الذرة. الباقي عبارة عن إلكترونات تدور حول النواة، لها شحنة سالبة تعادل شحنة النواة. يعني النموذج الجديد للذرة يشبه نموذج المجموعة الشمسية. الشمس فى المركز والكواكب تدور حولها.
قال راذرفورد أيضا أن الذرة صغيرة جدا، إلى درجة أن حبة ملح الطعام الصغيرة الواحدة، بها بليون بليون (كونتيليون) ذرة صوديوم ومثل هذا العدد من ذرات الكلور.
رغم صغر حجم الذرة الواحدة، معظم هذا الحجم عبارة عن فراغ فى فراغ. إذا كانت الذرة فى حجم استاد كرة قدم مثلا، فإن النواة تكون فى المركز فى حجم حبة الباذلاء.
الإكترونات مثل حبات الغبار، تدور كلها حول جدران الاستاد الخارجية. باقي الذرة فراغ فى فراغ. (التركيب الحديث للذرة يختلف عن ذلك بعض الشئ. فالإكترون أصبح عبارة عن سحابة من الطاقة تغلف النواة)
حسب الفيزياء الكلاسيكية، الجزيئات المشحونة بالكهرباء، عندما تتباطأ سرعتها، تشع موجات كهرومغناطيسية (ضوء). هذا يفسر لنا حكاية المصباح الكهربي. الإلكترونات السريعة التي تسير في فتيلة المصباح، تواجه مقاومة من الشحنة الكهربية الموجبة في أنوية ذرات الفتيلة، فتقوم بتقليل سرعتها.
قد يكون هذا تفسيرا مقنعا، يبين كيف يأتينا الضوء من المصباح الكهربي. لكن لدينا مشكلة. الإلكترون الذي تتباطأ سرعته ويفقد شحنته يسقط فورا في نوات الذرة كالزبيب في طبق المهلبية. عندها تتوقف الذرة عن الوجود. لكن هذا لا يحدث في الطبيعة. لابد أنه هناك شئ خاطئ لا ندري ما هو.
لابد من وجود قوة تمنع الإلكترون من السقوط في النواة. هذه القوة، يجب أن تعمل طول الوقت. هذه القوة هي القوة الطاردة المركزية. الحسابات الأولية بينت أن الإلكترون عليه أن يدور بسرعة معينة حول النواة حتى لا يقع فيها. مثل دوران الكواكب حول الشمس. إن كفت الكواكب عن السير بسرعة حول الشمس، بلعتها الشمس في الحال. هذا هو نموذج راذرفورد الجديد للذرة.
لكن الفيزياء الكلاسيكية تقول إن حركة الإلكترونات المشحونة حول النواة بسرعة، ينتج عنها إشعاع كهرومغناطيسي. وعندما يشع الإلكترون، يستهلك طاقته. ينتج عن ذلك، أن يبطئ من حركته في جزء من مليون جزء من الثانية، ويقع في النواة. عندها تتوقف الذرة عن الوجود. هذا لا يحدث في الطبيعة.
مرة أخرى الفيزياء الكاسيكية تقودنا إلى حارة سد. لا يمكنها تفسير ما يجري في عالم الذرة. طيف عنصر الصوديوم الذي يظهر كخط أحادي واحد، إذا كان سببه فقد الإلكترون لطاقته، لماذا لا يعطينا طيفه كل الألوان مثل أشعة الشمس. وما يجعله يكتفي بطول موجة واحدة، وهي موجة الخط الأصفر؟
تيقن بور من وجود شئ خطأ. لكن ما هو؟ هل هو نموذج راذرفور؟ لا يجب التسرع بالقول بذلك. كان راذرفورد، أستاذ بور، يرى أيضا وجود شئ خطأ.
لكن دعنا نعدل في نموذج راذرفور بدلا من رفضه كلية. بحيث يظل يدور الإلكترون حول نواة الذرة بدون أن يقع في نواتها.
نحن الآن في عام 1912م. علماء الفيزياء في نشوة طاغية بسبب أبحاث بلانك في طاقة الكوانتا، وأبحاث أينشتين بالنسبة للفوتونات ونظريتي النسبية الخاصة والعامة. هذا شجع علماء الفيزياء الشبان وجعلهم أكثر جسارة وإقداما في عرض أفكارهم الجديدة.
تساءل بور، لماذا وجب على الإلكترون السالب الشحنة والذي يدور حول النواة أن يشع الضوء؟ هل من الممكن أن يدور حول النواة بدون أن يشع ضوءا أو يفقد شيئا من طاقته؟
دعنا نفترض أن الإلكترون يسير في مدار ثابت حول النواة بدون أن يشع ضوءا. إذا توقف عن إشعاع الضوء، يستطيع أن يبقى كذلك إلى الأبد.
لكن الفيزياء الكلاسيكية لا يمكنها تفسير ذلك. بالإضافة إلى أن فكرة بور الجديدة، عبارة عن كلام مرسل، لم تأت من أي نظرية أو قانون سابق. الأدهى أن بور نفسه لم يستطع برهان ذلك. لذلك أسماها قضية بديهية مسلم بها. القضايا البديهية نقبلها بدون برهان. البرهان جاء بعد ذلك بعشر سنوات على غير المتوقع.
تقول أن الإلكترون يدور حول النواة في مدار ثابت دون أن يفقد شيئا من طاقته. فكم مدار حول النواة يمكن للإلكترون أن يعيش فيه دون أن يفقد طاقته؟ حسابات بور بينت أن العدد كبير.
المهم هنا هو بعد المدار عن النواة. كلما اقترب المدار من النواة، كلما زادت سرعته حتى يستطيع التغلب على جذب النواة له. والعكس صحيح. طالما بقى الإلكترون في مداره، بقى سالما وظل يدور فيه بدون أن يسقط في النواة.
هنا جاء بور ببديهيته الثانية. عندما يقفذ الإلكترون من مدار إلى مدار آخر أقل طاقة، فأين تذهب طاقة الإلكترون الزائدة عن حاجة المدار؟ الطاقة لا تختفي فجأة هكذا. الطاقة الزائدة عن الحاجة، يتخلص منها الإلكترون في صورة كوانتا. لها نفس طاقة كوانتا بلانك وطاقة فوتون أينشتاين. هي الكوانتا ورانا ورانا؟
الإلكترون الذي يشع ضوءا، هو في الواقع يشع فوتونات، ويأخذ مدارا جديدا يستقر فيه ويصبح مستقرا بطاقته الأقل من طاقته السابقة. عندما يكتسب الإلكترون طاقة زائدة، يقفذ من مداره إلى مدار يتطلب طاقة أكبر. كلما قفذ الإلكترون من مداره إلى مدار أقل طاقة، تولدت فوتونات جديدة، وأعطانا خطا في التحليل الطيفي.
لقد شرح لنا بور كيف تستطيع الذرة أن تولد ضوءا. لكن السؤال هنا، لماذ بالتسخين وليس في درجة حرارة الغرفة العادية؟ نحن هنا، في هذه الدراسة، لن نكف عن التساؤل. وهذه أيضا هي شغلانة العلماء والفلاسفة.
لقد كان الاعتقاد في البداية أن المدار القريب من النواة، طاقة الإلكترون داخلة أكبر من طاقة الإلكترون البعيد. لكن تبين أن هذا خطأ. مدارات الإلكترونات حول النواة تشبة صفوف مقاعد المسرح الروماني.
كلما اقترب الصف من المركز، أي مكان العرض، كلما صغر طول الصف وقلت الطاقة به. الصف العالي في آخر الصفوف هو أطولها وأكثرها طاقة، والصف القريب من الأرض هو أقلها طاقة.
كذلك الإلكترون، عندما يقفذ من مداره إلى مدار قريب من النواة، يفقد جزءا من طاقته في هيئة فوتونات. ولكي ينتقل إلى مدار أبعد من النواة، يحتاج إلى طاقة زيادة يمتصها من التسخين على سبيل المثال.
عندما يكون الإلكترون في المدار الأول القريب من النواة، لا يوجد أمامه مدار آخر أقل طاقة يمكن أن يسقط فيه. مثل الجالس على الحصيرة، لا يستطيع الوقوع من فوقها.
المكان الوحيد الذي يمكنه أن يسقط فيه هو النواة. وهذا غير ممكن لأنه يقضي على وجود الذرة كلية. طاقة الإلكترون أقل ما يمكن في هذا الوضع. ليس لديه شئ يمكن أن يفقده. فقير دقة كما نقول بالبلدي. لذلك لا يستطيع أن يشع ضوءا.
هناك عدة طرق لحصول الإلكترون على طاقة. أحدها طاقة التصادم. الذرات تتصادم مع بعضها لأنها لا تكف عن الحركة، في الغازات أو السوائل أو حتى الأجسام الصلبة.
الكون كله في حركة مستمرة. في درجة حرارة الغرفة العادية، الطاقة المتولدة من التصادم تكون غير كافية لجعل الإلكترون يقفذ ويعطينا الضوء. لكن عندما تصل حرارة التسخين مئات أو آلاف الدرجات المئوية، تقفذ الإلكترونات بكل سرور إلى مدارات خارجية، وعند عودتها إلى مدارها الأصلي، تعطينا ما نريده من ضياء.
عندما ينتقل الإلكترون إلى مدار خارجي بعيد عن النواة، فماذا يحدث له؟ النواة هنا تعمل مثل الأم التي لا تريد ابنها أن يلعب طول النهار بعيدا عنها. تجذبه، أو تستدعية أو تنادي عليه، لكي يعود إلى مكانه الطبيعي.
فيقوم الإلكترون بالعودة عن طريق التخلص من الطاقة الزائدة في صورة فوتونات، تجعل الجسم يتوهج ويتلألأ ويشع الضياء.
الآن الجسم متوهج بالحرارة يشع الضياء، فماذا يحدث عندما تزداد درجة الحرارة. يزداد تصادم الذرات، فتزداد كمية الفوتونات المنبعثة، ويزداد طول قفذات الإلكترونات وتصل إلى معظم المدارات المتاحة. المدار البعيد يعطينا فوتونات ذات طاقة عالية، أي موجات قصيرة.
بعد هذا النصر المبين، بات نجاح النظرية الكمية للضوء باديا للعيان. وفي زمن قصير اعترف بنظرية بور معظم علماء الفيزياء. السنوات العشر التالية، كانت تمثل تطورا عظيما لنظرية بور.
لكن نظرية بور بدأت تواجه الكثير من الصعاب. ولم تعد قادرة على تفسير حقائق جديدة. نعرف أن الخطوط في التحليل الطيفي يمكن أن تعطينا طول الموجة (اللون) وشدة استضاءتها.
من نظرية بور، يمكننا معرفة المسافة بين مدارين عن طريق تحليل خطوط الطيف. لكن لا يمكننا معرفة كمية الفوتونات المنبعثة. الميكانيكا الكمية تستطيع شرح جوهر خطوط الطيف، لكنها لا تستطيع حساب شدة استضاءتها بالضبط. كحل لهذه المشكل، اقترح بور استخدام الميكانيكا الكلاسيكية القديمة بجانب نظرية الكم الجديدة.
لكن النظرية القديمة تقول بأن الإلكترون المشحون بشحنة سالبة عندما يدور حول النواة، يسقط فيها، ويرسل لنا طيفا متصلا خالي من الخطوط. لكن النظرية الجديدة تقول، بأن الإلكترون يشع طيفا متقطعا به خطوط لامعة. فكيف نستخدم كلا النظريتين؟
النظرية مثل الدولة. عندما تحتاج مساعدة من الخارج، تكون نظرية ضعيفة. بور رفض النظرة الكاسيكية لحركة الإلكترونات. لكنه كان مقتنعا بأن الإلكترونات تدور حول النواة فيما يشبه دوران الأرض حول الشمس.
بور منع الإلكترون من إرسال أي ضوء وهو في مداره الأصلي، لكنه لم يفسر لنا لماذا. بور أعطتنا تفسيرا جيدا وصحيحا لمصدر الفوتونات المتولدة من الذرة، لكن تفسيره لم يشتق بخطوات منطقية من نظريته. حقائق جديدة بدأت تظهر لا تستقيم مع نظرية بور.
لكن نظرية بور تعتبر خطوة هائلة جبارة في فهم عالم الذرة الملئ بالأسرار. نظرية بور رغم قصورها، شرحت لنا أشياء لا يمكن شرحها أو فهمها بالفيزياء الكلاسيكية.
لقد حان الوقت لفكر جديد وخطوات جديدة في عالم الفيزياء. فباب الاجتهاد لم يقفل بعد. وسرعان ما جاء المدد والعون تباعنا. أول طوق نجاة جاء به عالم الفيزياء الفرنسي الشاب الموهوب بروجلي.
وللحديث بقية، فإلى اللقاء.
محمد زكريا توفيق
كاتب وباحث مصري وحاصل علي ماجستير فى الرياضة البحتة من كلية الهندسة جامعة نيويورك
وحاصل أيضا علي ماجستير فى علوم الكمبيوتر من كلية العلوم جامعة نيويورك.
وله دراسات فى الرياضيات التطبيقية تعادل الدكتوراه من معهد كورانت بجامعة نيويورك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.