لا يخفى على المتتبع للشأن السياسي وخصوصاً في ظل الأنظمة الدكتاتورية هناك دائماً طبقة أو شريحة مهمشة أو فئات عرقية أو دينية أو سياسية يتم إقصاؤها بشكل تام وتمارس ضدها كافة أنواع الإرهاب الحكومي وهناك أمثلة عديدة لهذه البلدان لا حاجة لنا بذكرها فهي أكثر مما يستوعبه هذا المقال ، وغالباً ما تقوم هذه الفئات بثورات أو انتفاضات وغالباً ما تواجه بقمع وحشي قد يصل حد الإبادة الجماعية والاستئصال ، ولكن هذا الإجراء في العادة لا ينجح في الاستئصال ... ففي العراق مثلا هناك تجربة متنوعة وغنية في هذا المجال ففي عهد الطاغية كان هناك قمع وإقصاء للشيعة كفئة (دينية) وللأكراد كفئة (عرقية) وقد استمر هذا القمع لعقود طويلة تزامن مع نشوء الدولة العراقية في العام 1920 ولكن بالرغم من ذلك نرى هاتان الفئتان من العراقيين قد ساهموا وبشكل فاعل في بناء العراق والدفاع عنه ،بالرغم من انه لا يسمح لهم بالانتماء إلى المؤسسة العسكرية بشكل يتناسب من حجم هذه الفئات فالشيعة يشكلون نسبة أكثر من 65% من العراقيين والأكراد يشكلون نسبة حوالي 10% من السكان بينما نرى المناصب العليا والقيادية بالدولة والجيش وقوى الأمن بيد فئة قليلة من الشعب ، ومع هذا لم يتم اتهام الطائفية السنية بهذا الإقصاء إنما كانت تتهم الحكومات المتتالية وحين تعرض العراق للخطر وقامت حرب الثمان سنوات كنت ترى الكردي إلى جانب العربي والشيعي إلى جانب السني الكل يقاتل دفاعاً عن العراق دون ذكر المظلومية وبالرغم من أن الدولة التي كانت تقاتل العراق هي إيران والتي تعتبر شيعية بامتياز ولكن كان العرب الشيعة والتركمان الشيعة والأكراد الشيعة من اشد المقاتلين ضد هذه الهجمة ومازالت شواهد الأضرحة لشهداء القادسية الثانية موجودة في كربلاء والنجف ومن ثم جاءت حرب الخليج الأولى والثانية واستمر عطاء هذا الشعب وهذه الفئات عطاءً غير مجذوذ لهذا الوطن فصمدت مدناً في أقصى الجنوب مثل الناصرية وميناء مثل أم قصر خمسة عشر يوماً بوجه القوات الغازية وقتلوا من الأعداء ما قتلوا واسروا من مقاتليهم ولم نجد هذه الشراسة في مدن عديدة تدعي المقاومة الآن حيث مرَّ بها المحتلون مرور الكرام دون مقاومة بل كان استقبالاً حافلاً ، وبعد الاحتلال تغير المشهد السياسي واخذ كل ذي حق حقه وكانت نسبة التمثيل كلٌ حسب استحقاقه وتم توزيع المناصب حسب الاستحقاق دون حيف أو ضيم ،ولكن ...... إن من تعلّم على السلطة وتوجيه الأوامر أنى له أن يقبل بالشراكة فظل يَستَعدِ الأجانب والمنظمات الإرهابية وينشر سياسة الخوف والقتل والدمار وقطع الرؤوس ويجاهر بكونه مهمش ولا نعرف أين التهميش فهم يحكمون مدنهم بأنفسهم دون تدخل من السلطة المركزية ولديهم ميزانياتهم التشغيلية والاستثمارية لكل محافظة والتي تفوق ميزانية دول مثل الأردن ولبنان ، وقد أعلنوها حرباً لا هوادة فيها ضد العراق ككل يهددون بتمزيق العراق ووحدته وقاموا بجلب شذاذ الآفاق من الشيشان والأفغان والألمان والصين ليحتلوا العراق وتمكنوا من دخول الموصل بتواطؤ من قبل بعض من أهلها وخيانة القادة العسكريين الذين التحق عدداً كبيراً منهم بداعش على أمل الزحف على بغداد وكربلاء والنجف لإنزال الدمار بها كما فعلوا بالتركمان والشبك من الشيعة من قتل وتمثيل بالجثث وسبي النساء واغتصابهن وتفجير المراقد المقدسة ودور العبادة ، فهم لم ولن يتوقفوا منذ 2003 ولحد الآن وسيستمر مسلسل القتل والتهجير ولا يتوقف هذا المسلسل إلا بحالة واحدة وهي إبادة تامة للشيعة أو يتنازل لهم الشيعة عن كل السلطة ولا يشاركوهم بأي شيء كما درجوا منذ العقود الماضية ..... كثيراً ما أتساءل لماذا حرّم علماء الشيعة الامامية في بداية قيام الدولة العراقية الانضمام إليها ورفضوا الانضمام للجيش في بداياته وعند مراجعة التاريخ لم أجد ما يشير إلى ذلك التحريم بل وجدت العكس حيث كان هناك وزراء من الشيعة مثل (السيد هبة الدين الشهرستاني) وهناك رئيس وزراء من الشيعة هو (السيد محمد الصدر) الذي لم تدم وزارته سوى ليلة واحدة حيث أصبح الصباح والجيش يحاصر بيته وطلبوا منه الاستقالة ، فكانت هذه الحادثة آخر عهدهم بالحكم وعرفت حينها سبب عزوف آباؤنا وأجدادنا وهو الحفاظ على حياتهم وحياة أولادهم فالشركاء كانوا ومازالوا لا يتورعون عن قتل كل منافس لهم بالحكم ولا يقبلون بمبدأ الشراكة مطلقاً مهما أعطوا من مناصب فالمناصب السيادية يتم توزيعها بالتساوي والحقائب الوزارية الأخرى حسب الاستحقاق ولكن هذا لا يكفي فهم يشكون من التهميش الذي لم يشعر به شركاؤهم بالوطن طوال العقود الماضية فهم لم يمنحوهم حتى فرصة الشعور بالتهميش فحين تفتح فاك بكلمة تذمر واحدة تكون سبباً لفقدانك حياتك أنت وعائلتك وجارك الذي لم يبلغ عنك... فعرفت حينها أن الذي كانت تحكمنا الطائفية وليست الحكومات .