كاتب مبدع لكنه منكسر ، يخشى على كرامته أن تجرح ، يلج بوابة مؤسسة إعلامية قادرة على تحقيق المكاسب له ولأمثاله . بوسعها رفع شأن هذا وإهمال ذاك . لا يطمح هذا الكاتب الضعيف القوي إلا إلى نشر نتاجه ليؤكد من خلاله ذاته ويقيم بمكافأته أوده ويسكت بها جوعه وحرمانه . تتلقفه نظرات متعالية شزرة وأخرى حانية مشفقة عارفة ، لأن الأولى لم تذق طعم الحرمان ، ولم تكابد ذل السؤال ، ولم تعايش خيبة المقهورين . أما الثانية فقد كانت منذ مدة قريبة تذرع طرقات الخيبة والهوان ، بين أمل ورجاء وقنوط ويأس ، حتى ابتسمت لها الدنيا ، فهي أدرى بما آل إليه الحال ، حال كتاب مبدعون ، حال المال والمصالح دون سطوع نجومهم ولمعانها ، وحال أصحاب النوايا السيئة دون ظهورهم ، فَقَمْعُ الإبداع ديدن هؤلاء ، ودفع النتاجات الراقية إلى الرفوف المنسية مهارة وحرفة أتقنوها ، فليس بوسع أحدهم مجاراتهم في تدبيرهم الحاذق ، ولا في فن مسايرة المسؤول الاعلى ، ولا في مداهنة صارت أداة ومعولاً يهدم و لا يعمر ، ولا في تظاهرهم بصمم مصطنع عند الحاجة ، أو سمع مرهف حينما تقتضيه المصالح ويقتضيه الحال . لا أحد يجرؤ أن يزاحمهم في المصانعة وكيل المديح وفي تجنيهم على الحق والحقيقة . لأنهم أبدعوا في ذلك ، وهذا سر قوتهم ومنعتهم . فهل يستقيم أمر مجتمعنا الثقافي ، وهل يعود رقي النتاج هو الدافع الأول للنشر ؟ وهل سيكون الدافع الأول لتقدير واحترام الكاتب ؟ وهل سينصاع الكتّاب والنقاد إلى نداء الحق والعدل والمهنية المنصفة ، ويعودوا لا يكيلوا المديح جزافاً ودون استحقاق لنتاجات لا ترقى لاستحقاق النشر ، ولا تساوي الورق الذي طبعت عليه ، لمجرد أن صاحب النتاج هذا يملك أن يدفع بالناقد إلى آفاق جديدة ترقى به معاشياً واجتماعياً لأنه رئيس تحرير أو مدير لمؤسسة إعلامية كبرى . وهل يستأهل ذلك أن يبيع الأريب قلمه ؟ أسئلة طالما ارقتني واسهدت ليلي ، توجهت بها إلى ملتقى المستقبل الثقافي ، عسى أن أجد أجوبة تشفي غليلي فكان هذا الإستطلاع وكانت هذه الكلمات. ندعي البناء الديموقراطي والوصولية تعشش عند بعض نقادنا ومثقفينا يتحدث الكاتب ( احمد محمد احمد ) عن واقع كائن ومثالية نحلم بها ، فيقول : بين ما هو كائن وما يجب ان يكون ، يضيع حق الكثير من المبدعين في المجالات كافة . ما هو كائن مخجل ومعيب ، بل يمس جوهر النقد والثقافة والأخلاق ! لا أريد هنا أن أشهر بالأسماء والمسميات ، والدوافع والأسباب لهذا المرض المزمن الذي تعاني منه الثقافة العراقية والعربية ، ولكن المهم الاعتراف بوجوده والبدء بصياغة سبل الخلاص ، إذ ليس من المعقول أن ندعي البناء الديموقراطي والمناهج الديكتاتورية والأساليب الوصولية التسلقية لا تزال تعشش في نفوس مثقفينا ونقادنا وأدبائنا لتكون على حساب إبداعات الآخرين . وسبل الخلاص هذه التي نتحدث عنها لا تخص الإبداع والنقد والنشر والتحرير بل تتعداه الى مناحي الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية كافة. هل من الإنصاف أن نقلب القبح جمالاً يعتقد المسرحي (نصيف فلك) أن هؤلاء صنف يفكرون بالنشر والمكافأة والمصلحة الشخصية ، لا بقيمة المادة الكتابية ، ولا بقيمة النتاج المكتوب ، وهم يقتربون من مصطلح شعبي شائع (المتملقون) ، فهم يمتدحون شخصاً لا يستحق المديح ، ولهم صلة وجذر بالمنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون ، فمن يقلب القبح جمالاً وبالعكس ، إنما هو كمن وصفهم المسيح بقوله : ما فائدة ان تربح الدنيا وتخسر نفسك . أول شئ يخسره هذا الصنف هو ذاته ولا يربح سوى مكافأة بائسة تصير مثل وصمة عار تطارده بين أوساط المثقفين . هؤلاء ينفخون ببالونات مثقوبة ويلمعون نتوءات غير قابلة للتلميع يقول المخرج احمد الثائر : لنقف اولاً على ان ثمة خرقاً بين القراءة النقدية وعروض الاصدارات ، فغالباً ما يخلط البعض بين هذين الجهدين ، فالقراءة استعراض انطباعي ينطلق من ذائقة الكاتب ، بينما النقد عملية اكاديمية او منهجية تضئ ما عَتُمَ على القارئ ، وتسلط الضوء على مواطن القوة والضعف في هذا الاصدار او ذاك ، والنقاد في العراق على قلتهم نخبة لهم باع معرفي وجمالي واكاديمي طويل في مجال اختصاصهم ، الادبي او الفني ، اما بالنسبة لما يكتب في الصحافة ، خصوصاً النقد الذي يتناول الإصدارات الأدبية لرؤساء التحرير أو لمن بيدهم زمام النشر أو الإذاعة لأهل القلم ، فالزملاء المشار اليهم يكتبون على صفحات الصحف التي يرأس تحريرها اولئك ، فيتخذ الكاتب والناقد الجانب النفعي لتسيير علاقاته ومصالحه مع هذا الاعلامي المسؤول ، أو مع ذاك ، على الرغم من هزالة نتاجه ، فينتج الناقد جنساً هجيناً تطبيلياً وتلميعياً ، فترى المتن الذي تعرض له الناقد بالنقد لا يتفق مع طروحاته المادحة والمحابية ، وهذه إساءة للنقد وتجنياً على الناقد وانتهاكاً للأدب . يشكل هذا النفر من الذين يدعون أنهم نقاد عبئاً أو سرطاناً يؤثر على النقد الرفيع الذي يمارسه النقاد الحقيقيون ، إنهم ينفخون ببالونات مثقوبة ويلمعون نتوءات غير قابلة للتلميع . المحاباة والمديح يفسد عملية النقد ويحولها الى مجرد دعاية لصاحب النتاج الادبي الباحث والاكاديمي (موسى حسين القريشي) : فاضت صحفنا اليوم بالكثير من المقالات النقدية ، وبكثرة النقاد الذين افاضوا بدراساتهم وقراءاتهم النقدية التي جاءت نتيجة لخلو الساحة الأدبية من النقاد الكبار ، على الرغم من وجود بعض المبدعين من الذين يمتلكون الحس النقدي وأدواته المعروفة . المعيب في الساحة الادبية ان هناك من يستخدم النقد للمحاباة او المجاملة او التقرب من هذا الشاعر او ذاك القاص ، لاسيما الذين يعملون في الصحافة ويسيطرون على صفحاتها الثقافية والادبية . ألنقد عملية ليست سهلة ولم تكن عامة لكل الناس ، وانما هي موهبة وقدرة يمتلكها الناقد ، ولا بد أن يكون النقد نزيهاً يراد به خدمة الحقيقة ورفع شأن الأدب والأديب المبدع ، فعلى الناقد ان يتجرد عند نقده عن كل ما يسئ إلى عملية النقد ، فلا يتأثر بالهوى والعاطفة ولا بالمحاباة والمجاملة ولا بالتقرب لمنافع خاصة مع من ينقد . أجد في الصحف اليوم الكثير من هذه القراءات المحابية ، وأنا كممارس لعملية النقد ولدي الكثير من القراءات النقدية ، وجدت أنه لا بد من أن أوظف قلمي النقدي لدراسة شعر او قصة لشعراء وقاصين لم ينالوا شهرة واسعة في يومنا هذا ، على الرغم من نتاجاتهم المبدعة التي لا تقل أهمية عن سابقيهم ، ولذلك كان همنا أن ندعم هؤلاء ، ونبين مواطن الضعف والقوة في نتاجاتهم ونرسم لهم طريق الإبداع ليمضوا ويبدعوا ، أما القراءات النقدية والدراسات الادبية حول الشعراء الكبار فقد غصت بها الصحف قديماً وحديثاً ، وهم ليسوا بحاجة الى ذلك . لا يحق لأي ناقد ان يكيل المديح جزافاً من دون ان يجد في النص او ما يمتلكه الشاعر او القاص من تميز ، بعيداً عن اي شئ يفسد عملية النقد ويحولها الى مجرد دعاية للشاعر او القاص . ولا أنكر أن في ألساحة الأدبية في الوقت الحاضر الكثير من المبدعين الذين لم يكتب عنهم اي شئ ، من الذين ظل نتاجهم طي الصحف والمجلات ، وفي عالم النسيان ، فلم يحوزوا على فرصتهم في نقد نزيه منصف ، وأنتهز هذه الفرصة في تسجيل شكري لرؤساء التحرير ولمحرري الصفحات الثقافية ، لمساعدتهم في نشر كتاباتهم ودراساتهم الأدبية والنقدية والثقافية ، وأود ان اشكر جميع رؤساء تحرير الصحف والصفحات الثقافية لنشرهم للكثير من الدراسات الادبية والنقدية والثقافية اذ بهذا العمل يقدمون خدمة كبيرة للادب والثقافة ويؤرخون لهما ، لكي لا يضيع وينسى بعد حين . نصوص لا تستحق النشر تنشر إرضاءاً للأصدقاء يقول القاص ( عبد الكريم حسن مراد ) : كل عمل ابداعي لا بد ان يخضع لمعايير فنية وتكنيكية لكي نتعامل معها بجدية بعيداً عن المحاباة ، ولكن للأسف الشديد ان ما لمسته من خلال قراءاتي للصحف اليومية ومن خلال المنبر الثقافي ، ان هناك ثمة نصوص لا تستحق النشر لكننا نراها منشورة وقد كتبت عنها دراسات نقدية تجاوزت مستواها الفني ، والغرض من ذلك إرضاء الآخر .. قبل ايام قرأت مجموعة قصصية لأحد الأصدقاء ، وجدتها ضعيفة بناءاً ولغة ، ولكني فوجئت بأحدهم وقد كتب عنها دراسة نقدية وصفت عمله بالأدبي الذي يصل لمصاف الأدب العالمي ، والغرض من ذلك إرضاء هذا الصديق القاص ، الذي يعمل مسؤولاً لإحدى الصفحات الثقافية . لنرفع الراية البيضاء !!! رفع الشاعر (علاء السراج) الراية البيضاء من أول سطر في رأيه المستطلع ، فهو يقول : نحن في عصر تزداد فيه المتطلبات يوماً بعد يوم ، بل ساعة بعد ساعة ، وبالتالي فإني أعتقد ان هذا التملق لصاحب النتاج الأدبي من أهل النفوذ الإعلامي ، ومن أهل المنع والعطاء ، مشروع ، فماذا يملك الناقد غير القلم مصدر رزقه الوحيد ، وعلى هذا الاساس لا بأس ان يتمتع الكاتب ربما يقصد الناقد المحابي بهذه الميزة كما يتمتع بها الجميع !!! أمراء إعلام وليسوا مشرفين على نشر الإبداعات الكاتب الليبرالي (عبد الرزاق حسين النداوي) : ان انحدار العديد من الصحف والمؤسسات الاعلامية الى مستوى يبعدها عن الجانب المهني وقيمه الابداعية ، يجعل من بعض مسؤوليها (أمراء إعلام) وليسوا مشرفين على نشر الإبداعات ، وهذا معناه أن للأمير استحقاق هو (استحقاق الإمارة) الذي يأخذه بعده التسلطي على الجانب المهني من حرمان البعض من النشر او فتح الفضاء الإعلامي على كافة جوانبه امام البعض الآخر وبالتالي خلق (حالة النفاق) من خلال الإطراء على شخصه وامكاناته الابداعية رغم ضآلة بعضهم بهذا الجانب . ومن هنا فإن هذه الظاهرة رغم كونها تشكل حالة سلبية فإنها في ذات الوقت ترتهن بوجودها المسارات التطورية للإعلام العراقي والمهنية التي نتمنى لها مزيداً من التطور. قضية مؤسفة للغاية الشاعر والإعلامي (خالد شويش القطان) يرى أنها قضية مؤسفة للغاية ، وأن هذا يدخل في باب النفاق الثقافي المفضوح ، وإذا وجد في الوسط الثقافي مثل هؤلاء النقاد المحسوبين زوراً على هذا الجنس الأدبي المهم ، وإن كانوا قلة ، فهذا يشكل ظاهرة مرفوضة لا تمثل الثقافة العراقية الحقيقية ، ولزاماً على الجميع محاربتها وعدم الترويج لها ، لكي نحافظ على ماء وجه الثقافة العراقية ، فضلاً عن أن من ينتهج هذا النهج من بعض النقّاد السلبيين يجب فضحهم وعدم التعامل معهم ، زيادة على ان مثل هذه الكتابات النقدية (الإخوانية) ستلصق الصفات التي لا تشكل حقيقة حال الممدوح ، وليست من استحقاقهم ، كما أن هذه الكتابات المحسوبة على النقد من دون وجه حق ستسلب حق المثقفين الاخرين ، ما يؤدي إلى ضياع فرصتهم ، ومن الواضح أن هذه الظاهرة الأدبية السلبية هدفها الحصول على مكاسب شخصية لا علاقة لها بالأدب .