نشأت " مها زين " في بيت يشع بحب الفن و الرسم و كانت والدتها هي المعلمة الأولى التي زرعت بداخلها كيفية تذوق الفن و تناغم إحساسه و ترابط الألوان مع بعضها البعض، و كانت تتقن رسم اللوحات الزيتية الجميلة التي زينت بها جدران المنزل و كان لهذا تأثير قوي في نفس مها و نشأتها فنياً و وجدانياً بشكل كبير وحققت المثل القائل: ( ابن الوز عوام ) و تخرجت من كلية التربية النوعية قسم التربية الفنية و عينت في وزارة التربية و التعليم عام 2002 كمدرسة تربية فنية و لكن لظروف سفرها مع زوجها خارج مصر حصلت على إجازة و لم تمارس عملها كمدرسة فعلياً إلا في عام 2013 بمدرسة المصرية الإعدادية بنات (مدرسة حكومية ) في محافظة الجيزة، و قد تكون تجربة سفرها كمرافقة لزوجها خارج البلاد جعلتها في ملاحظة دائمة و حية لكيفية معاملة و تربية و تعليم الأطفال خارج حدود بلادنا العربية ( مع الأسف ) وكم تمنت أن تطبق هذه الطريقة التعليمية البناءة بين أبناء مصر و أن تجعلهم محبين و متذوقين للفن و لديهم القدرة على الإبداع و الابتكار و التعبير عن مشاعرهم بأعمال فنية و رسومات تعبر عن وجدانهم تساعد على ترقية إحساسهم و تذوقهم للفن و الجمال. و كانت الصدمة بعد عودتها لمصر و تسلمها لمهام عملها رسمياً كمدرسة لمادة التربية الفنية في مدرسة حكومية واجهت عدة صدمات متتالية ، بدأت بغرفة التربية الفنية (المكركبة) و الخالية تماما من أي ملامح للتربية الفنية. و الصدمة الثانية بعد أن علمت أن الميزانية المخصصة لمادتها 60 جنيها فقط لا غير ، في حين أن تكاليف مادة التربية الفنية من أدوات و ألوان و خامات مكلفة و ليست بالقليلة. و الصدمة الثالثة و المؤلمة هي طالبات في المرحلة الإعدادية لا يعرفون مبادئ الرسم و لا يدركون أي شيء عن الألوان و الأشغال اليدوية و لم يشتركوا حتى في إنتاج عمل فني واحد خلال المرحلة الابتدائية ، و كل ما هو على ألسنتهم ( عاوزين نعدي من المادة دي و خلاص !!! ) لأنها تمثل بالنسبة للطالبات مادة نجاح و رسوب في المرحلة الإعدادية ليس أكثر . كان القرار بتغيير الواقع قرارً حتمياً،،، قررت ( مها ) عدم الاستسلام للأمر الواقع بأكمله و رفضت كلمة مستحيل و لم تقل لنفسها و لو للحظة ( طيب و أنا أعمل إيه ؟؟ أو الكلمة المتداولة بين المستسلمون : ما هو على أد فلوسهم !!! ) و بدأت تنفيذ فكرتها بإعادة التدوير لكل ما حولها من مخلفات بيئية مثل: الأدوات المعدنية و الخشبية و اللدائن (البلاستك) و أسلاك الكهرباء و قصاصات الورق و حتى الخيوط و الأقمشة المهلهلة و جريد النخل و كل ما هو حولها أصبح بمثابة كنز لها ، و بالرغم من وجود بعض حالات الدهشة و الاستغراب من البعض و تساؤلات لدى البعض الآخر من قبل الطالبات ( إحنا هنعمل إيه بالحاجات دي يا ميس مها؟! ) إلا أنها كانت مصممة ( و مكملة للنهاية ) و بكلمات بسيط منها : هتشوفوا الحاجات دي هيطلع منها إيه في الآخر. و حانت ساعة العمل ،،، كان لزاماً على مها أن تقوم بتعريف الطالبات قيمة ما قاموا بتجميعه خلال عام كامل من المخلفات البيئية المختلفة و كانت شديدة الحرص على أن تشارك كل الطالبات في تلك الأعمال الفنية و بدأت تظهر هذه الأعمال للنور و زينت جدران غرفة التربية الفنية بأعمال رائعة من صنع طالبات أحبوا الفن و تعلموه و شاركوا في إخراجه بالشكل المبهر الذي لفت أنظار الجميع و ساعد هذا في استقبال الدفعات الجديدة من طالبات المرحلة الإعدادية بحماس و شغف لإخراج أعمال مثل ما شاهدوه على حوائط غرفة التربية الفنية بعد تحديثها و تجميلها. لوحات جداريه تزين و تجمل أسوار المدرسة،،، أما عن فكرة عمل لوحات جداريه على جدران و أسوار المدرسة جاءت وليدة الحاجة فجدران المدرسة متهالكة و لن نقف مكتوفي الأيدي حتى تتم صيانتها أو دهانها فكان الحل أن أرسم على الجدران و أن أحاول محو هذا الشكل الغير مرضي و يصبح شكل الجدار مبهج و جذاب. رسم التراث الفني الأفريقي يُعيد للأخشاب نبض الحياة،،، استلهمت مها فكرتها الأخيرة ( إعادة تدوير الأخشاب من الأثاث المدرسي المتهالك) و رسم الوجوه الأفريقية على القطع الخشبية عندما قررت المدرسة إصلاح ما يمكن إصلاحه من الأثاث المدرسي و التخلص من الهالك و الغير صالح تماماً قامت (مها) بزيارة لمخزن الأثاث المدرسي المكسور و المتهالك من كراسي و طاولات و خرجت منه بثروة من الأخشاب حيث رأت أن ما سوف يتم التخلص منه من بقايا هذا الأثاث ما هو إلا كنز لها فوجدت بين هذه الأطلال قطع خشبية كبيرة و بقايا أخشاب يمكن استغلالها بشكل فني رائع حتى ما نتج عن تنظيف الشجر و جريد النخل لم يخرج عن دائرة اهتمامها و إبداعها ، تقول ( مها ): كنت أقول للعامل الذي يقوم بقطع جريد النخل و الأشجار : ( لو سمحت ممكن تقطعلي الخشب شرايح !!! قالي: شرايح ايه يا مدام اسمها (أورم) فاستغرب جدا و كاد أن يتهمني بالجنون.) فنوعية الخامات المتاحة من أخشاب و جريد النخل هو الذي أوحى لي بفكرة رسم الوجوه الأفريقية و الغوص في بحر التراث الأفريقي بتفاصيله. ثراء منهج التربية الفنية،،، صرحت مها أن منهج التربية الفنية هو منهجا ثرياً جداً إذا تم تطبيقه و تفعيله بالشكل الملائم و أشارت أن به العديد من المعلومات الفنية المناسبة للطالبات في هذه المرحلة العمرية و لا يعتمد فقط على مجرد ألوان و كراسة رسم إطلاقاً بل هو منهجاً متكاملاً للأشغال اليدوية و لتنمية المهارات العلمية و العملية و الوجدانية و الفكرية و الحركية لدى الطالبات، و بالتالي بدأت في تنفيذ هذا المنهج وحرصت على تفعيله بشكل مميز و مهاري. وأضافت : يضم المنهج عدة وحدات في غاية الأهمية، فهناك وحدة عن اللدائن (البلاستيك) و تشرح كيفية توظيفها بشكل جمالي و تعلم طرق تشكيل الخامة لتحقق بها أهداف الدرس المقرر على الطالبات، تلك الأهداف تسعى لتنمية مهارات الطالبات و الجانب المعرفي لدراسة الخامات و الاحتكاك العملي بها ، و وحدة أخرى تتحدث عن المعادن فيتعلمن منها كيفية استخدام المعادن مثل: علب المياه الغازية و الأسلاك الكهربائية في الأعمال الفنية و كيفية تشكيلها. و أنها دائما تسعى لإيجاد أفكار بديلة لتلبية احتياجات الأعمال الفنية و محاولة التحايل على عدم توافر تلك الخامات لقلة الموارد المالية. و قالت: علمت الطالبات كيفية صنع عجينة الملح و عجينة السيراميك و كيفية تشكيلها كخامة بديلة للصلصال و هذا ساعد في أن يسعدوا أنهم تعلموا شيئاً جديداً و إنهم اشتغلوا و لم تستوقفهم قلة المال أو الخامات. تميز و إبداع جماعة الموهوبات و جماعة النشاط،،، أفادت مها أن جماعة الموهوبين و جماعة النشاط تشارك بأعمالهم الفنية في المسابقات المختلفة التي تنظمها الوزارة ، و قالت: تصل سعادتي لقمتها عندما أشعر بفرحة طالباتي أو أن تقول لي أي طالبة : (يا ميس إحنا فرحانين إننا بنعمل حاجات جميلة بإيدينا)، و عندما أرى سعادة و فخر أولياء الأمور ببناتهم و بفرحتهم بالأعمال التي صنعت بموهبة و مجهود بناتهم ، و يكفيني أن أحصل على دعوة من أم و هي تقول: ( كتر خيرك إنك علمتي بنتي حاجة حلوة و مفيدة)، و أجمل ما في ذلك أنني أحاول خلق روح المنافسة بين الطالبات. و أضافت: اشتركنا في مسابقة ( لمحات من الهند ) و هي مسابقة سنوية تنظمها و ترعاها السفارة الهندية بالتعاون مع وزارة التربية و التعليم المصرية و تأخذ كل مدرسة طلابها و طالباتها الموهوبين لأماكن مخصصة للرسم و التي تقوم بتحديدها السفارة بالتنسيق مع الوزارة و تكون برسم إحدى معالم التراث الهندي أو تقديم عمل فني يمثل التعاون الهندي المصري ، و حصلنا على المركز الرابع على مستوى محافظة الجيزة و تم تكريم الطالبة ( دينا ) التي شاركت في هذا العمل ، و خضنا العديد من المسابقات على مدار العام الدراسي و الحمد لله. و من الطالبات المتميزات التي تعتز بها مها الطالبة ( سجى حسام ) و هي إحدى الطالبات الموهوبات و المميزات جدا و التي شاركت في العديد من الأعمال الفنية مع معلمتها مها و التي أخذت قرار أن تكمل مسيرة مها و تلتحق بكلية التربية النوعية و تدرس التربية الفنية و ترد الجميل لطالبات تسعى لتعليمهن كل ما تعلمته و درسته على يد معلمتها و مثلها الأعلى. الجائزة و التكريم الحقيقي،،، أشارت مها أن جائزتها الحقيقة هي عندما شعرت أنها نجحت في تعليم بناتها الطالبات الحس الفني و الحماس للعمل و جعلتهن يتذوقن الفن و الجمال و ساعد هذا في إحياء موهبتهن المدفونة. و أصبحن حريصين على الحفاظ على غرفة التربية الفنية في تألق و نظام دائم ( ما حدش يقدر يقرب ) غرفة التربية الفنية أصبحت خط أحمر ، و تولد لديهن الإحساس بالانتماء للمدرسة بأكملها و تبدلت (الشخابيط) بفن و رسومات، و قالت: كم أتمنى أن تنتقل تلك التجربة خارج أسوار المدرسة و أن تعمم في باقي المدارس و حتى في الشوارع ، لابد من تفعيل المادة كمنهج و كفن و ذوق عام و نسعى جميعنا لخلق روح الجمال و الرقي ( و الله ساعتها هنتغير و هنرجع زي زمان ، محتاجين نشوف الجمال و نزرعه في أولادنا) .
و قامت الدكتورة/ رباب عبد المحسن مستشارة التربية الفنية في الوزارة بتكريم الأستاذة مها ، و وعدت بتبني مبادرة تجميل المدارس و عمل مؤتمر عبر الفيديو ( vedio confrance ) لتعميم هذه التجربة في مدارس و محافظات مصر. (كلمتين عالماشي) (اتحدى الظروف ،، مافيش حاجة توقفك عن تحقيق حلمك أو نجاحك ،، استغل مواهبك و قدراتك ،،، ارفع شعار "لا للاستسلام" ،، غير الواقع بالإرادة ،،، و كن واثق إن تصميمك على النجاح نص الطريق للوصول لهدفك ).