شاء لي القدر - بحكم عملي كمحرر قضائي- أن أكون شاهد عيان على تفاصيل المواجهة بين المحامين والقضاة أمس الأول أمام دار القضاء العالي، والتي تطورت إلى إطلاق النار واتهامات متبادلة من الطرفين، حيث بدأ تحرش بعض المحامين بالقضاة في أثناء دخولهم من الباب الخلفي لدار القضاء لحضور الجمعية العمومية الطارئة التي دعا إليها المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة. وكان تحرش المحامين عبر الوقوف أمام باب دخول القضاة والهتاف ضدهم واتهامهم بالسرقة وتعليق لافتات مكتوب عليها أن "المنسي أبو حليمة رئيس نادي قضاة دسوق نصب علينا"، وأن "القاضي إذا سرق تركوه والمواطن إذا سرق حبسوه". وحاول عدد من هؤلاء المحامين الاحتكاك بالقضاة في أثناء دخولهم والصراخ في وجوههم إلا أن الأمن الخاص بدار القضاء كان يتدخل لحماية القضاة، وحاول المحامون أيضا اقتحام دار خلال انعقاد الجمعية العمومية للقضاة إلا أن أمن دار القضاء كان يمنعهم ويغلق الباب أمامهم. وبعد مرور بعض الوقت ذهب هؤلاء المحامون - أو من قالوا عن أنفسهم أنهم محامون- من أمام دار القضاء وحضرت مجموعة أخرى غيرهم وبصحبتهم عدد من الشباب والفتيات وكانوا يحملون ميكرفونات ويرتدون تيشيرتات مكتوب عليها شباب ثورة 25 يناير، وأخذوا يرددون الهتافات المعادية للقضاة وخاصة المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة، واتهموه بمحاولة توريث القضاء. وظل هؤلاء الشباب يرددون هتاف " الشعب يريد تطهير القضاة" وسمعنا بعضهم يتشاجرون مع البعض ويقول أحدهم للآخر صارخا فيه " متقطعش عليا في الهتاف...سيبني أخلص وأقول الجملتين بتوعي وبعدين انت اهتف"، وحينما اقتربنا من هؤلاء الشباب وسألناهم من انتم في الشعب الذي يريد تطهير القضاء " أكتفي أحدهم بالقول لنا" إحنا شباب 25 يناير"،ثم ابتعد عنا وبدا عليه علامات الاضطراب وعدم الرغبة في الحديث. وكان بين هؤلاء الشباب عدد من المحامين الذين أثاروا الشغب في أولى جلسات الاستماع حول مشروع لجنة مكي لتعديل قانون السلطة القضائية، والتي انطلقت منها أزمة التصعيد بين القضاة والمحامين. وحينما شاهدت محاولات احتكاك من قبل هؤلاء الشباب بكل قاض أو شخص يحاول الخروج من باب دار القضاء قمت بإبلاغ أحد الضباط الذين كانوا متواجدين في مدرعات الجيش حول دار القضاء، بأن الأمر قد يتطور لاشتباك بين الطرفين وعليهم إبعاد هؤلاء المتجمهرين عن دار القضاء فكان رده" لا عادي..مفيش حاجة". دقائق معدودة وحضر العشرات من المحامين وكأنهم علموا بموعد انتهاء الجمعية العمومية وحاصروا دار القضاء من الخلف ومنعوا كافة القضاة من الخروج وكل من كان يحاول الخروج كانوا يعتدون عليه بالضرب والسب والقذف، حتى أن القاضي أحمد مكي، حاول الخروج فتم دفعه للخلف بقوة كادت أن تطرحه أرضا. شباب القضاة حينما شاهدوا ما يحدث فما كان منهم إلا أن حاولوا دفع هؤلاء المتجمهرون بالقوة للخروج، ولكن المتجمهرين اشتبكوا معهم بالأيدي، فما كان من القضاة إلا أن أخرجوا أسلحتهم الشخصية وأطلقوا وابلا من الأعيرة النارية في الهواء ففر هؤلاء المتجمهرون سريعا وخرج القضاة من دار القضاء، ورغم كل هذا لم تتدخل قوات الجيش أو الشرطة ولم تشدد درجة التأمين على باب دار القضاء خوفا من عودة المتجمهرين لاقتحامه بعد إطلاق القضاة النار عليهم. وبعد انصراف القضاة حضر مئات المحامين وحاصروا دار القضاء مرة أخرى وقطعوا شارع رمسيس منددين بإطلاق النار عليهم من قبل القضاة ومطالبين بالتحقيق فيما حدث، ثم في اليوم التالي اقتحموا دار القضاء العالي بالقوة منددين بقيام القضاة بإطلاق النار عليهم ووصفوه ب"العار"، لتستمر فصول المعركة في التصعيد. بالعودة إلى يوم أن بدأت الأزمة بين المحامين والقضاة فهي كانت يوم 4 أكتوبر الجاري، وشاء القدر أن أكون شاهد عيان عليها أيضا، وكان ذلك في أولى جلسات الاستماع حول مشروع لجنة مكي لتعديل قانون السلطة القضائية، وكانت الجلسة بدار القضاء العالي، وكان معلن عنها من البداية أنها مخصصة لسماع أراء القضاة والوزراء في مشروع القانون، ليتلوها بعد ذلك جلسات للمحامين والصحفيين وناشطي حقوق الإنسان وكل من يرغب في قول رأيه بمشروع القانون لتستجيب له اللجنة وتعدله حسب المصلحة العامة للمجتمع. ورغم الإعلان عن الجلسة لم تكن مخصصة للمحامين إلا أن عدد محدود من المحامين حضروا قبل بدء الجلسة ودخلوها عنوة بعد افتعال أزمة مع القضاة، فسمح لهم المستشار أحمد مكي بالدخول منعا للتصعيد، وبدأت الجلسة وقام المستشار حسام الغرياني، رئيس مجلس القضاء الأعلى، بإبداء ملاحظاته حول مشروع القانون، وفي الحقيقة أنه أبدى تحفظات كثيرة عليه رغم أنه هو الذي كلف لجنة مكي بإعداده، والمفاجأة أن الغرياني نفسه أبدى اعتراضه على المادة التي يعترض عليها المحامون حتى قبل أن يعترضوا عليها وقال نصا لمكي" نحن نعدل القانون لتحقيق استقلال القضاء وهذه المادة ليس لها علاقة باستقلال القضاء ومكانها قانون الإجراءات الجنائية". المهم أنه خلال هذه الجلسة حضر المحامي منتصر الزيات،المرشح لمنصب نقيب المحامين، وجلس في آخر القاعة وكان هناك شاب يلتقط له صورا، ثم انتقل إلى منتصف القاعة والتقط له نفس الشاب صورا، ثم انتقل الزيات إلى مقدمة القاعة والتقط له الشاب صورا أخرى ثم انصرف الزيات بعد ذلك ولم يستمع حتى لمناقشة الغرياني مع لجنة مكي حول القانون. الأمر لم يشغل بالي كثيرا وقتها رغم أنني تعجبت من أن محامي بقامة الزيات لا يستمع لمثل هذه المناقشة المهمة التي اعترف بأنني وزملائي الصحفيين استفدنا منها كثيرا. ولكن بعد أن أنهى الغرياني ملاحظاته وهو يهم بالانصراف من على المنصة للعودة إلى صفوف الجمهور بالقاعة، فجأة وقف 3 محامين بينهم محامي يدعى عثمان كان دائما يثير بلبلة خلال جلسات محاكمة مبارك، وقام هؤلاء المحامون الثلاثة بالصراخ في وجه الغرياني وتحدثوا معه بشكل غير لائق بل ووقفوا فوق المقاعد وهم يهتفون ويصرخون " هندمر وهنكسر لو ما سمعتناش وانت عايز تدمر المحاماة"، فما كان من الغرياني إلا أن طلب من الصحافة مغادرة القاعة حتى لا يتم نشر مشهد مهين للعدالة كهذا على الرأي العام. في الحقيقة أنني وزملائي غضبنا من قيام الغرياني بإخراجنا من القاعة لأننا شعرنا بأنه لم يقدر على المحامين فقام بإخراجنا نحن من القاعة، ولكن أنا خرجت من القاعة احتراما لقامة القضاء رغم ضيقي، وبعدها بثوان تسللت للقاعة مرة أخرى تلبية لفضولي الصحفي، ووجدت الغرياني يتحدث إلى هؤلاء المحامين قائلا: " ليه يابني انت هو بتعملوا كده؟...ليه بتسيئوا لمهنتكم اللي هي من أعظم وأرقى المهن؟...أنا بجد حزين على حال المحاماة...وبعدين أن مستغرب من اللي انتو عملتوه..هو أنا سبتكم ومشيت؟...دا انا بقول هقعد بين الجمهور واترك اللجنة تستمع لبقية الآراء...ثم ان الجلسة دي مش مخصصة ليكم، واحنا مخصصين جلسة ليكم...وهتقولوا رأيكم زي ما انتو عايزين وم من حق أي حد إنه يحجر عليكم...لكن الكلام ما يكونش بلوي الدراع والصوت العالي..لازم تتحدث بأدب وتطلب الكلمة زي ما أنا رئيس مجلس القضاء طلبت الكلمة بأدب وسمحت لي اللجنة..وبعدين هو انتو معترضين على إيه هو انتو قريتو القانون؟...اقروا القانون جيدا واعترض بفهم ووعي عشان نعرف نتناقش..واحنا هدفنا خدمة الشعب ولا يمكن نضر حد لا محامي ولا حتى خفير". وبعد هذا المشهد المهين رفع المستشار احمد مكي جلسة الاستماع بعد أن طلب من هؤلاء المحامين أن يحضروا الجلسة الثالثة ويسجلوا أسماءهم ويلتزموا بالنظام، ومع ذلك قام نفس هؤلاء المحامون وحشدوا معهم العشرات بحضور الجلسة الثالثة ولم يتحدثوا بل قاموا بمظاهرة داخل القاعة فكانت النتيجة أن أحد لم يسمع الآخر وضاعت الفرصة للتحاور، ثم أنه بسبب هذا حرم الشعب من طرح القانون على الرأي العام ليشارك الشعب في صياغته، ورغم أن المستشاران الغرياني ومكي وعدا بتأجيل المادة التي يعترض عليها المحامون إلا أن الأزمة لا زالت مشتعلة مما يوحي بأن الأزمة ليس لها علاقة بمادة بل هناك من يرغب في تعطيل القانون كله، خاصة وأن المادة لم تستهدف المحامون بل تستهدف أي شخص يخل بنظام الجلسة أيا كانت حصانته حتى لو كان قاضيا.