قرر المجلس الأعلى للثقافة إعادة طبع كتاب "محاكمة طه حسين" للأديب الراحل خيرى شلبى .. جاء ذلك خلال حفل تأبين الكاتب الراحل. ويعد هذا الكتاب واحداً من أعظم الكتب النقدية التى أصدرها خيرى شلبى وقد اكتشف فيها نص محاكمة الدكتور طه حسين فى قضية تكفيره بعد إصداره كتاب " فى الشعر الجاهلى" عام 1926 وهو الكتاب الذى أثار أزمة ثقافية وفكرية حادة وأتهم فيها الدكتور طه حسين بالكفر والإلحاد والتشكيك فى القرآن الكريم والسنة المطهرة .. وفى مقدمة كتابه "محاكمة طه حسين" أبدى الكاتب الراحل خيرى شلبى اعجابه بمناخ حرية الرأى والاعتقاد الذى كان سائداً فى مصر فى ذلك الوقت وكيف تمت تبرأة طه حسين رغم كل الأفكار التى طرحها فى الكتاب وكيف لم تصدر فتوى لإهدار دمه أو نفيه من البلاد وكيف كانت المناقشات والسجالات على صفحات الجرائد فى هذا العصر .. هذا الكتاب الذى طرحه خيرى شلبى عام 1972 أراد من وراءه أن يرصد مؤشرات تأخر المصريين فكرياً وفى بدايته أكد ذلك عندما شرح للقارىء كيف كانت ثقافة النائب العام الذى حاكم طه حسين فى ذلك الوقت وهو " محمد أنور" رئيس نيابة مصر والذى كشف قراره عن إمكانيات نقدية هائلة مازالت كلما أمعنت النظر فيها - والكلام لخيرى شلبى- تعجبت وتساءلت كيف أن هذا النائب لم يكن أديباً مشهوراً فى عصره وكيف أصدر قراراً بتبرأه الدكتور طه حسين رغم التهم المنسوبة إليه والتى تم تلخيصها فى الآتى: - أن طه حسين أهان الدين الإسلامى بتكذيب القرآن فى أخباره عن إبراهيم وإسماعيل حيث ذكر ما نصه " أن للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرأن أيضاً ولكن ورود هذين الإسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى . - ما تعرض له المؤلف فى شأن القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعاً وأنه فى كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله وأن هذه القراءات إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت لا كما أوحى الله بها إلى نبيه على لسان النبى. - ينسبون للمؤلف أنه طعن فى كتابه على النبى صلى الله عليه وسلم طعناً فاحشاً فى نسبه. - أن المؤلف أنكر أن للإسلام أولية فى بلاد العرب وانه دين إبراهيم وقال أن المسلمون ارادوا أن يثبتوا أن للإسلام أولية فى بلاد العرب كانت من قبل أن يبعث النبى وأن خلاصة الدين الإسلامى وصفوته هى خلاصة الدين الحق الذى أوحاه إلى الأنبياء من قبل . ورأى النائب العام أن كلام الدكتور طه حسين فيه تعد على الدين الإسلامى لأنه انتهك حرمة هذا الدين بأن نسب إلى الإسلام أنه استغل قصة ملفقة هى قصة هجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة وبناء إبراهيم وإسماعيل الكعبة واعتبار هذه القصة أسطورة وأنها من تلفيق اليهود وأنها حديثة العهد ظهرت قبيل الإسلام وهو بكلامه هذا يرمى الدين الإسلامى بأنه مضلل فى أمور عقائد القرآن. ورغم كل هذه التهم فقد كان حكم النائب العام مدهشاً فقال كما هو وراد فى الكتاب " إن للمؤلف فضل لا ينكر فى سلوكه طريقاً جديداً للبحث حذا فيه حذو العلماء من الغربيين ولكنه لشدة تأثره مما أخذ عنهم قد تورط فى بحثه حتى تخيل حقاً ما ليس بحق أو ما لا يزال فى حاجة إلى إثبات أنه حق – إنه قد سلك طريقاً مظلماً فكان يجب عليه ان يسير على مهمل وأن يحتاط فى سيره حتى لا يضل ولكنه أقدم بغير احتياط فكانت النتيجة غير محمودة.. وحيث انه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدى على الدين بل أن العبارات الماسة بالدين التى أوردها فى بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها فى سبيل البحث العلمى مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها وحيث أنه من ذلك يكون القصد الجنائى غير متوفر فلذلك تحفظ القضية إدرايا.