خلال الأيام الماضية وكنوع من الرد على مجموعة التفجيرات الإرهابية التي وقعت في فرنسا، كان على الجانب الحكومي الفرنسي العديد من الإجراءات للوقوف على عودة سريعة للسيطرة على الأمور وفرض السيطرة الأمنية على البلاد التي وصلت إلى غلق المنافذ الحدودية، وتضييق فرص الحصول على التأشيرات لدخول فرنسا، وبناء قواعد بيانات تفصيلية عن من يسمح له بدخول الأراضي الفرنسية.. وكلها أمور طبيعية كإجراءات أمنية تتخذ على أرض الواقع، ولكن طريقة التعامل مع الهجمات التي تعرضت لها فرنسا في العالم الافتراضي كان لها شكل آخر، فبالطبع كلنا تابعنا حالة التأثر العالمي بأحداث فرنسا، لدرجة ولدت حالة من الغضب من بعض المجموعات في الدول العربية لعدم اهتمام إدارة الفيس بوك بحوادث الإرهاب التي وقعت بالدول العربية على نفس القدر الذي تحرك فيها الفيس بوك بكل آلياته تجاه أحداث فرنسا، وكلها أمور تدور حول فكرة التعبير عن الشجب والإدانة ليس أكثر، ولكن خلال الأيام القليلة الماضية كان هناك بيان من مجموعة القراصنة الإليكترونيين الدولية "أنونيموس" يعلنون من خلاله الحرب الكاملة على تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وذلك بواسطة فيديو قاموا بنشره على موقع "يوتيوب" باللغتين الإنجليزية والفرنسية تخطى عدد مشاهداته حتى كتابة هذه السطور 6 ملايين مشاهدة، وقالت فيه: "يجب أن تعرفوا أننا سنعثر عليكم ولن تفروا منا" وأعلنت المجموعة أن جميع أفرادها حول العالم سيتعقبون داعش، وعلى التنظيم الإرهابي أن يتوقع هجمات ضخمة قائلين: "الحرب بدأت، استعدوا".. ومن هنا تحولت الحرب بين دول العالم والتنظيمات الإرهابية من أرض المعارك إلى الساحات الإلكترونية، وقد يتصور البعض أن هذا النوع من الحروب قد يكون ضعيفا، ولكن في واقع الأمر هو أقوى أنواع الحروب الحديثة، حيث إن تنظيم داعش لا يقوم بعملية إرهابية إلا وكان لديه حرص شديد في تصوير العملية بتقنية عالية وبثها من خلال مواقعه المختلفة، وهو تخطيط مدروس ببث حالة الرهبة من هذا البعبع في شتى أنحاء العالم، حيث إن وسائلهم الإلكترونية هي سبيلهم الوحيد لإعلام البشرية بأعمالهم الإرهابية، وهي القوة الحقيقية للتنظيم والتي تظهر قوتهم لأضعاف مضاعفة في أعين العالم، ولذلك فإن ضرب هذه القواعد الإلكترونية قد يكون أخطر على التنظيم آلاف المرات من ضرب قواعدهم العسكرية، ومن هنا تأتي قيمة التهديد الذي وجهته مجموعة "الأنومينوس" لكتائب داعش الإلكترونية، ولكن من هم "الأنومينوس" الذين توعدوا داعش بعد تفجيرات فرنسا؟ "أنونيموس" هي مجموعة تعمل في مجال النضال عبر الاختراق البرمجي، نشأت عام 2003 م على أحد منتديات الصور، انتمى إليها أعضاء من جماعات اجتماعية منعزلة على الإنترنت، كطريقة للإشارة لأعمال تعارض الرقابة والإشراف على الإنترنت، وقاموا باختراق العديد من المواقع الحكومية وأهم شركات الحماية، ويمكن التمييز لأعضائهم في المجتمع عن طريق ارتدائهم لنمط معين من الأقنعة يسمى (جاي فوكس) وهي بالأصل صُممت لفيلم V for vandeta الذي كان يثأر للحريات، وكانت بدايتهم عن طريق شبكة لامركزية تصرفوا فيها بشكل مجهول ومنسق نحو هدف ذاتيٍ حر قد اتفقوا عليه، وكان غرضهم من ذلك التسلية، ومع بداية 2008 أصبحت جماعات "أنونيموس" متعلقة بشكل متزايد بالعمل الجماعي العالمي للاختراق، فقاموا بمظاهرات وأفعال أخرى في نفس السياق ضد القرصنة الرقمية من خلال مكافحة الصور المتحركة والأنشطة الإعلانية الإجبارية على الإنترنت، وكانت الأفعال المنسوبة للأنونيموس تقام بواسطة أفراد غير معروفين يضعون ملصق "أنونيموس" عليهم كشعار انتماء، وقد أثنى عليهم بعض المحللين كمقاتلين رقميين، وأدانهم آخرين كونهم مقاتلين فوضويين، ولم يكن "الأنونيموس" معنونين بموقع إنترنت واحد، فالكثير من المواقع كانت مرتبطة بشكل قوي معهم، بل أصبحوا مجموعة تتضمن عددا هائلا من أسماء المستخدمين من عدة منتديات، وكونوا ائتلافا واسعا لمرتادي شبكة الإنترنت لتكوين جماعة عن طريق موقع(4تشان)، وموقع (711تشان)، والموسوعة الدراماتيكية، وقنوات (آي آر سي) حتى يصل الصوت إلى الشعب ويشاركوا في الاحتجاجات، والجدير بالذكر أن ليس للأنونيموس قائد ولا حزب مسيطر، كانوا يعتمدون على قوة الأفراد المشتركة، والتي كان لها تأثير المجموعة على الشبكة، فكل شخص يريد أن يكون "أنونيموس" له ذلك، شريطة أن يسعى إلى تحقيق أهدافهم كجماعة، وشرح أحد أعضاء "الأنونيموس" عن طبيعة عمل المجموعة قائلا: "لديننا أجندة نتفق عليها جميعا، ننسق فيما بيننا، ونتصرف حيالها، ولكن بشكل مستقل بدون أي رغبة للاعتراف بالفضل، نريد فقط أن ننجز شيئا نشعر جميعنا أنه مهم" وأُرجع البيان أنه عضو مجهول كان قد وصف بما يتضمن إيمانه وأسلوب حياته، ولذلك فكل ما يحتاجه العضو للانضمام إلى مجموعة "أنونيموس" هو الرغبة في الانضمام فقط، فلا وجود لقيادة، أو مستويات، أو وسائل اتصال، وقدم القائد إكس مجموعة من المقابلات والفيديوهات التي تحدث فيها عن "أنونيموس"، قال في إحداها بأنهم ليسوا مجموعة إرهابية، ولكنها قامت بعدة حملات هجومية على العديد من المواقع الإلكترونية الحكومية على مستوى العالم، حيث ادعت "الأنونيموس" مسئوليتها عن إغلاق بعض المواقع الحكومية في بريطانيا في أبريل عام 2012 في احتجاجات ضد الحكومة, كما كانت مسئولة عن الهجمات الإلكترونية التي طالت البنتاجون, وقد هددت شركة نيوز كوربوريشن بتحطيم موقع الفيس بوك في أكتوبر عام 2011, وقام مخترقو "الأنونيموس" بتهديد عصابة لترويج المخدرات في المكسيك تعرف باسم لوس زيتاس, قامت بمهاجمتهم من خلال فيديو عبر الإنترنت بعد أن تم خطف أحد الأعضاء، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي في تاريخ 6 أبريل 2013 عن وجود هجوم كبير من قبل مجموعة "الانونيموس" على المواقع الإسرائيلية، وتناقلت لمقطع فيديو على اليوتيوب يظهر فيه شخص يلبس قناعا للمجموعة ويتحدث على الهجوم ويتطرق إلى ثلاث خطوات في الهجوم الأول مسح الكيان الصهيوني من شبكة الإنترنت والثاني هو فضح الخطط والجرائم المستقبلية، والثالث لم يتم الحديث عنه لكنه قال:"أما الخطوة الثالثة والأخيرة سنقدمها لكم هدية نحن "الانونيموس" وتم التأكد من عدم عمل عشرات المواقع الإسرائيلية، بالإضافة إلى انتشار روابط مواقع تابعة لجهات حساسة تم اختراقها، وتعتبر هذه العملية أول حرب إلكترونية وأكبر عملية قرصنة معلوماتية ضد إسرائيل، وفي يوم 7 أبريل 2013، نفذ آلاف من أعضاء "أنونيموس" في العالم العربي خاصة "المغرب ومصر والسعودية والأردن وتونس والعراق وقطر والبحرين والجزائر" حيث كان تقدر قوة الهجوم بوجود 32 ألف هاكرز من مختلف البلدان يخترقون المواقع وقد استهدفت أهم المواقع الحكومية والرئاسية في إسرائيل ومنها موقع رئيس الوزراء ووزارة الدفاع الإسرائيلية وموقع الاستخبارات وموقع مجلس الوزراء الإسرائيلي وسوق الأوراق المالية والمحاكم الإسرائيلية وشرطة تل أبيب وحزب كاديما ووزارة التعليم وبنك القدس و 20000 حساب على الفيس بوك و 5000 حساب بنكي وغيرها، وتم وضع في المواقع المخترقة رسائل لتحرير فلسطين والتنديد بالسياسات الحربية الإسرائيلية وكذلك تم وضع سور للقرآن الكريم في بعضها، ولكل ما سبق لا يمكن الحكم على "أنونيموس" أو تقييم ممارستها كجهة واحدة لها نفس الميول والقرارات والرؤى، بينما هي مجموعات غير منظمة ولكن يحكمها ميثاق خاص وضعوه لأنفسهم وهو استرداد حقوق تم سلبها من جهة ما فتجتمع مجموعات منهم من دول مختلفة لاسترداد هذه الحقوق لصالح فكرة أو دولة أو أمة ما، وهو نفس الأمر الذي حدث مؤخرا حيث رأى بعض مجموعات "الأنونيموس" أن ما حدث في فرنسا قد بث الرعب في قلوب الأوربيين بشكل عام والفرنسيين بشكل خاص، ولذلك قرروا الانتقام.