في العام الماضي كانت الصورة مختلفة .. جمعة الغضب 2011 وافقت 28 يناير وليس 27 يناير مثل هذا العام ، الهدف وقتها كان واضحاً ومتفق عليه ، فبعد قمع مظاهرات 25 و26 و27 يناير وتجاهل مبارك وعصابته لمطالب الشعب لم يعد هناك بديل عن شعار " الشعب يريد اسقاط النظام " .. وحتى لا ننسي " الغضب الحقيقي " ونكتفي فقط بوضع أوصاف ثورية علي أى اعتراض أو مظاهرة للتعبير عن الرأي في غير محلها .. تعالوا نتذكر ماذا حدث في غضب العام الماضي ، ثم نفكر قليلاً : هل يمكننا الغضب مرة ثانية هذا العام ؟! .. في صباح يوم 28 يناير 2011.. خففت قوات الأمن من تواجدها بالقاهرة قبل ساعات من جمعة الغضب وحتي العاشرة من صباح الجمعة ، تقريبا لم تشهد الشوارع أي تواجد لقوات الأمن المركزي التي كانت منتشرة بشكل مكثف حتي مساء الخميس واكتفت وزارة الداخلية بنشر أفراد من شرطة المرور وأفراد أمن بزي مدني في المنطقة المحيطة بمبني وزارة الداخلية وميدان التحرير . كما كان هناك غياب أمني أمام عدد من المنشآت الرسمية التي كانت هدفا للاحتجاجات خلال الأيام الماضية ومن بينها وزارة الخارجية ومبني التليفزيون ومباني مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشوري . كما تغيرت اللهجة الأمريكية ودعا الرئيس باراك أوباما إلي اجراء اصلاحات ' مهمة للغاية ' .. ## ## ## لكن فجأة انقطعت المكالمات الهاتفية عبر شبكات المحمول في مصر وقبل بداية خطب الجمعة في مساجد مصر انتشر عشرات الآلاف من رجال الأمن بكثافة في شوارع وميادين القاهرة وبقية المدن الكبري ولأول مرة .. تم إغلاق عدد من المساجد بوسط البلد مثل مسجد الفتح برمسيس - في وجه المصلين وكانت بداية المواجهات بميدان الجيزة من خلال اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين المحيطين بالبرادعي في مسجد الاستقامة . كما خرج الآلاف من الجامع الأزهر في القاهرة في طريقهم إلي وسط البلد بينما قام الامن المركزي بمحاصرة المصلين في ميدان الجيزة وإغلاق شارع قصر العيني وفجأة وكأن الساعة الواحدة ظهرا كانت هي ' كلمة السر ' حيث بدأ طوفان القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي يغرق المتظاهرين الذين تزايدت أعدادهم خاصة في وسط البلد وعند ميدان رمسيس ولأول مرة .. توجه آلاف المتظاهرين إلي قصر الرئاسة في مصر الجديدة وظهر هتاف ' كلنا رايحين القصر .. هنصلي هناك العصر ' ومع حلول الساعة الخامسة اشتعلت مصر بالكامل بالثورة وتساقط العشرات بعدما استخدمت الشرطة الرصاص الحي فيما يشبه عمليات القتل المنظمة وهو ما جعل الكثيرين من رجال الشرطة يخلعون زيهم وينضمون للمحتجين .. وتحولت سماء ميدان التحرير إلي اللون الأسود بعد فيضان القنابل المسيلة للدموع في مشهد أشبه بحرب حقيقية وامتدت النيران لتحرق عددا كبيرا من مقار الحزب الوطني في الفيوم ودمياط وكفر الدوار والسويس والاسماعيلية وكوم أمبو بالإضافة لمقر الحزب الرئيسي في عبد المنعم رياض ومبني المجالس القومية المتخصصة الملاصق للمتحف المصري كما امتدت المظاهرات في الأقصر وقوص تهتف لا لقانون الطوارئ ولا للتوريث بينما أعلن المحتجون بالمنوفية قهر الامن وكان هتافهم ' المحافظة الآن تحت سيطرة الشعب ' بينما كانت الشرطة تستعين بمئات من البلطجية في ميكروباصات بدون أرقام كما قام نحو 150 ألف متظاهر بالاسكندرية بتمزيق صور جمال مبارك المنتشرة علي الكورنيش وهم يهتفون ' مش عايزينك ' كما تم وقف بث قناة الجزيرة بشكل كامل علي قمر النايل سات وتراجعت قوات الأمن أمام الأعداد الهائلة للمتظاهرين الذين كانوا يلقون بالقنابل المسيلة للدموع في النيل .. وبرغم استخدام قوات الأمن للعربات المدرعة في محاولة إيقاف تقدم المتظاهرين نحو ميدان التحرير لكن تصدي المتظاهرون للعربات بأجسادهم ونجح المتظاهرون في الاستيلاء علي 4 عربات أمن مركزي ومدرعة فوق كوبري الجلاء كما امتدت المظاهرات للأحياء الراقية في القاهرة ومن بينها منطقة المعادي والتي شهدت بحيرة دماء راح ضحيتها أبرياء بسبب نيران القناصة من بينهم أطفال صغار .. ## ## وفي نفس الوقت كان العشرات يسقطون في السويس والتي لم يعد بها شارع بدون مظاهرات .. وفي الرابعة والنصف اقتحم محتجون مبني محافظة الاسكندرية بعد اشتباكات مع الامن وتزامن ذلك مع اعتقال اربعة صحفيين فرنسيين في اثناء تغطية احداث المظاهرات . كما استمرت المظاهرات الحاشدة في المنيا والشرقية و شارع الجلاء بالمنصورة وفي تمام السادسة شاهد الآلاف عربات الجيش تجوب شوارع وسط القاهرة متجهة ناحية ميدان عبد المنعم رياض وهو ما كان يعني نزول الجيش إلي الشوارع .. وفي دقائق معدودة اختفت الشرطة تماما ليس من الميدان فقط بل من معظم المحافظات تقريبا في سابقة ربما هي الأولي في تاريخ مصر وفي الخامسة والنصف أحاطت عربات الجيش بمبني الإذاعة والتليفزيون بينما كان المتظاهرون يشعلون النيران في احدي عربات الشرطة امام فندق سميراميس إلي جانب اشتعال النيران في مقر شرطة الازبكية .. كما تم نهب بنك قرب المتحف المصري وتحولت منطقة وسط البلد إلي مستشفي ميداني بسبب كثرة عدد الجرحي والشهداء .. وقام أهالي المنطقة بتوزيع البيبسي والخل علي المتظاهرين كإسعاف لهم للوقاية من آثار الغاز المسيل للدموع .. ## ## وفي الثامنة مساء كانت مروحيات الجيش تحلق في سماء وسط القاهرة حيث كان يتظاهر علي الأرض مئات الآلاف وأعلنت شركة مصر للطيران وقف رحلات الطيران من القاهرة لمدة 12 ساعة وبرغم نزول قوات الجيش كانت الشرطة تستخدم الرصاص الحي في اشتباكات مع المتظاهرين في شارع قصر العيني ثم أعلن التليفزيون المصري أن الحاكم العسكري قرر حظر التجوال في القاهرة الكبري والإسكندرية والسويس وشكل الشباب المتظاهرون دروعا بشرية للمتحف المصري ليواجهوا محاولات للسرقة ويستنجدوا بالجيش لتأمين الحماية و تم شل حركة القطارات بعد خلع قضبان السكة الحديد و إحراق مقرات شركتي فودافون وموبينيل في القاهرة وبعدما أعلن الرئيس مبارك بدقائق إقالة الحكومة ' فقط ' تزايدت أعداد المتظاهرين مما كان يؤكد أن نزول قوات الجيش لن يكون حلا نهائيا للأزمة . انتهت أحداث يوم الجمعة 28 يناير 2011 .. فهل تتوقعون شكل نهاية جمعة الغضب في 2012 ؟!