المقدمات الطويلة ليس لها محل هنا ....فالدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية والذي جاء هذا العام في المرتبة الثانية عشرة ضمن أكثر 500 شخصية تأثيرا في العالم هو صاحب رؤية مختلفة في تجديد الخطاب الديني وعلاقة العلم والدين , وفي الوقت الذي قام فيه البعض بتكفير الديمقراطية وتحريم خروح المرأة للعمل .. شعرنا بضرورة محاورة عالم في قامة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية لنقترب من كل الملفات الشائكة في السطور القادمة . في البداية ما تقييمك للانتخابات التشريعية وأجوائها والنتائج التي وصلت اليها حتي الآن ؟ غير مسبوقة في تاريخ مصر , فهي الأولي من نوعها بعد ثورة 25 يناير , والتي تتم تحت إشراف قضائي كامل , بدءا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين ومرورا بتلقي أوراق الترشيح وإجراء التصويت وحتي إعلان النتيجة , وتتمثل أهميتها في كونها الانتخابات التي ستشكل مستقبل البلاد في المرحلة القادمة , وتمهد لقيام دولة سيادة القانون والعدالة والكرامة , وجاءت هذه الانتخابات في ظل تفهم المواطن المصري لحقوقه الدستورية والقانونية وأهمية مشاركته في الحياة السياسية , باعتبار ذلك واجبا وطنيا وفقا لما وافق عليه الشعب المصري في الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011, وانطلاقا من ذلك لا بد أن يتعامل الناجحون في الانتخابات علي أن نجاحهم مسئولية ملقاة علي عاتقهم واختبار من جانب الناخبين . البعض متخوف من وصول الاسلاميين للحكم .. فما رأي فضيلتكم ؟ فوز بعض التيارات الدينية في الانتخابات البرلمانية هو نتيجة طبيعية لحالة الديمقراطية وحرية التعبير التي تتمتع بها البلاد بعد الثورة , لكن مع هذه الحالة ستواجهها حالة أخري من الاختلاف بين هذه التيارات وبعضها البعض ; حيث سيظن كل فصيل منها أنه هو من يمتلك الحق دون غيره , لذا ندعو تلك التيارات لأن تلتزم المنهج الوسطي والمعتدل في التعبير عن رأيها , والتركيز علي قضايا البناء والتنمية والتوحد والحوار البناء وتوحيد الكلمة فيما بينها من أجل النهوض بالأمة , والمصريون شعب متدين بطبيعة الحال ويمتلك حسا دينيا عميقا , والمصريون أثبتوا بتجربتهم المصرية مع الإسلام مدي التسامح وقبول الآخر , فقد نشأوا في كنف الأزهر الشريف , صاحب المنهج الوسطي والمعتدل , وظهر ذلك في وثيقة الأزهر التي لم يختلف عليها أحد , وكان هذا المنهج بحق بعيدا كل البعد عن التشدد والمغالاة , وأيضا بعيدا عن الشقاق والخلاف , وثبت الشعب المصري أمام التيارات العاتية من التشدد أو الانحراف عن المنهج الوسطي , والرؤية المصرية للإسلام هي رؤية تعكس مرونته وفكره , والإسلام في هذا الفكر ليس جامدا أو نظاما استبداديا وغير قادر علي التكيف مع العالم المتغير , لكنه يمثل رؤية عالمية تستلزم الانخراط المستمر والتفاعل مع العالم , حتي وإن كان هذا العالم متغيرا بصورة مستمرة كما هو الواقع الآن . وما الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع هذا الخوف من فرض الاسلاميين لوجهة نظرهم ؟ أنا أستبعد حدوث هذا ولا ينبغي التخوف من حصد الإسلاميين لنسبة من مقاعد البرلمان , لأن غالبية المصريين مع الصوت المعتدل للإسلام , فالمصريون منذ أكثر من ألف عام وقفوا لصد محاولات ' التلاعب ' بالمنهج الوسطي , عندما كان الفاطميون ( وهم أصحاب المنهج الشيعي ) يكتبون : من لعن وسب فله دينار وإردب , يقصدون من لعن أبا بكر وعمر وسب الصحابة ; فلم يسب المصريون ولم يلعنوا , وعندما أرادوا تحويل المصريين من المذهب السني الوسطي الي المذهب الشيعي رفض المصريون , وبالتالي لكي نتخلص من هذا الخوف علينا أن نستجمع قوانا عبر الإيمان بالله سبحانه وتعالي , والعلم والتنمية , والقيم الأخلاقية , والسعي من أجل أن نعمر مصر بسواعدنا بعيدا عن أي شكل من أشكال التدمير , وتوصيل رسالة الأمل الفسيح إلي الناس , حيث إن كثيرا من الناس محبط وقلق وخائف من المستقبل , لكن قضية الأمل هي التي ستجعل الناس تعود مرة أخري إلي العمل وإلي السعي والاجتهاد * تتحدث عن الخلاف بصدر رحب في الوقت الذي اعتبر فيه البعض الديمقراطية حراما واشتركوا في الانتخابات لأنها كما قالوا مفسدة لابد منها؟ التعددية السياسية جائزة شرعا .. ويجوز إظهار بدائل سياسية جديدة شريطة ألا تخرج عن المبادئ الشرعية .. والتعددية السياسية هنا تعني كثرة الآراء السياسية المنبثقة في الغالب عن طريق ما يسمي بالأحزاب السياسية , التي يتكون كل منها من مجموعة من الناس لهم آراء متقاربة , يحاولون تطبيقها عن طريق التمثيل النيابي أو الوزاري أو حتي عن طريق الوصول للرئاسة . وهنا أؤكد أن الشريعة الإسلامية لم تأمر بنظام سياسي محدد , بل تعددت الأنظمة التي أقرها فقهاء الأمة علي مر العصور بداية من عصر النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته الكرام , والدليل طريقة تعيين الخليفة الأول والثاني والثالث , حيث لم ينص النبي - صلي الله عليه وسلم - علي الخليفة من بعده , واختار المسلمون أبا بكر رضي الله عنه , ثم قام أبو بكر بتعيين عمر خليفة من بعده , ثم قام عمر بتعيين ستة ينتخب منهم واحد , ولكن هنا يجب علي الجمهور إزاء تلك التعددية أن من يدلي بصوته لاختيار أي من تلك الأحزاب أن يتقي الله في صوته وأن يتحري مصلحة الأمة ما استطاع , فهي شهادة قال عنها تعالي : ' ستكتب شهادتهم ويسألون '. ( تابع بقية الحوار في عدد يناير مجلة الشباب )