المصريين بطبيعتهم شعب بحبوح دمه خفيف يجرى ورا الفرحة بالمشوار ، ويعرف ازاى ينتهز أى فرصة عشان يقول للنكد "يافكيك" ، شعب يعرف ينزع الضحكة من قلب المأساة ويمكن ده اللى دفع عدد كبير من الناس التى لم تشارك فى ثورة يناير والذين أطلقوا على أنفسهم حزب الكنبة وفى عز القلق والتوتر الذى كنا نعيشه وقتها أن يخرجوا للشارع عشان يتصوروا مع الدبابات والمدرعات اللى كان كبيرهم انهم يشوفوهم كل سنة فى ذكرى 6 أكتوبر لما التليفزيون يعرض الفيلمين اليتامى اللى حيلتنا " لاتزال فى جيبى" و"بدور" ولأن خروج الدبابة فى الشارع كان حدث جلل كانت ناس بتسأل بعضها .. انت اتصورت مع الدبابة ؟ ولو جاءت الإجابة بلا يقوله " طيب إلحق انزل لأحسن أنا سمعت أنهم هيسحبوا الدبابات من الشواع " ومن المفارقات الغريبة انك كنت تلاقى واحد متصور جنب دبابة مكتوب عليها " يسقط حكم العسكر" لأ وصاحبنا رافع علامة النصر ، يعنى حتى لم يبذل مجهود للبحث عن دبابة تتوافق مع قناعاته وفى أيام قليلة إستطاعت الدبابة أن تحل محل أشهر نجوم السينما فى مصر ولكن لأن الدنيا لاتدوم لأحد راحت الأيام وجاءت ثورة 30 يونيو ليظهر النجم الجديد الذى يحل محل الدبابة فى الشارع وهو ضابط العمليات الخاصة والفرقة 777 وكانت الناس بتتعامل معهم وكأنهم كائنات فضائية التصوير معها واجب وطنى و يبدو أن هؤلاء الضباط لم تكن لديهم الخبرة الكافية للتعامل مع مثل هذه المواقف خاصة عندما وجدوا أنفسهم فيها فجأة ودون مقدمات وكأنهم نجوم وبالرغم من أدبهم الشديد إلا أنهم كانوا يلبوا نداء الجماهير بقدر من الخجل و التحفظ ، لذلك كان من الطبيعى بعد الوقت الطويل الذى قضاه معظمعم فى الشارع من 30 يونيو وحتى الأن أن يكتسبوا تلك الخبرة الى أن جاء يوم الفرحة الكبيرة بإعلان النتيجة الرسمية للإنتخابات الرئاسية وفوز سيادة الرئيس السيسى، حيث إنطلقت الناس فى الشارع لتعبر عن سعادتها بالرقص على أنغام رائعة أيمن بهجت قمر وعمرو مصطفى " بشرة خير" ولأنى من سكان مصر الجديدة خرجت أيضا لأعيش تلك اللحظة الرائعة وأفرح معهم وبعد محاولات مضنية باءت كلها بالفشل للهروب من بائعى الأعلام ومن يريدوا أن يرسموا علم مصر على جبين إبنى إستسلمت تماما لرغباتهم التى لم يكن هناك مفر للهروب منها ، الى أن وجدت طابور طويل و" لمة " كبيرة حول شخص لاتبدو ملامحه من شدة الإزدحام عليه لدرجة أن الناس كانت بتتخانق مع بعض على دورها فوقفت بدافع الفضول عشان أعرف فى إيه وأكتشفت أن السبب ضابط من قوات العمليات الخاصة يرتدى بدلة تشبه ملابس سبايدر مان وانه وقع فريسة لرغبى التصوير والذى كان معظمهم من الأباء الذين يريدوا أن يفوزوا بصورة لطفل أو أثنين على أقصى تقدير مع الضابط اللى كان يا ولداه قرب يسيح من شدة حرارة الجو والبدلة التى تزيد درجة الحرارة ما لايقل عن 35 درجة ومع ذلك كان يتعامل بمنتهى الأدب والذوق ، الى أن جاء الدور على رجل لديه أربعة أو خمس أطفال فى أعمار متقاربة كان واقف وماسكهم بعزم ما فيه والعيال يا عينى عايزه تجرى وتلعب لكن هيهات الراجل كان اخد قراراه ان مفيش أى حاجة من دى تحصل إلا بعد التصوير وأول ما إقتربوا من الضابط قال لهم بصوت أظن ان من كانوا فى شارع الكربة سمعوه بنفس القوة " يالا بسرعة يا عيال الدور علينا " وفضل الضابط بصبر يحسد عليه يشيل طفل ورا التانى لحد ما صورهم كلهم والعيال تشد سلاحه وتتشعلق فى رقبته بسخف وغتاته غير مسبوقه وبعد ما تصوروا كلهم كانت المفاجأة عندما قال له الأب على طريقة عبد الفتاح القصرى فى فيلم فتافيت السكر عندما أراد أنا يأخذ سماعة التليفون من بناته " أنا بقى " وطبعا كان يقصد أن يتصور هو الأخر بجانب الضابط ، ساعيتها حسيت ان تلك الفرصة لن تتكرر وانها لحظة تاريخية لابد أن أفوز بنصيبى فيها و أصور إبنى مع الضابط ،وأنا أتأمل حال الرجل هو وزملاءه الذى يحتمل ما هو فوق طاقة البشر طوال النهار والليل ليوفر لنا الإحساس بالأمان وكثيرا ما يدفع حياته ثمنا لذلك وفى الأخر يلاقى ناس طالعة تنكر كل تعبهم هذا ولا تتذكر سوى سلوك منحرف لقلة قليلة فيهم متناسيين تماما ان أى مهنة بها الصالح والطالح ، فكيف لهذا الشعب أن يحمل كل هذه المتناقضات يغضب من الضباط ويخرج ويقف طابور عشان يتصور معهم ويطالب بإسقاط حكم الجيش بالرغم أن من يعادى جيشه هو عدو لوطنه وفى نفس الوقت يجرى من أجل الفوز بصورة بجوار دبابة .. عموما عفى الله عن ما سلف فقد ان الأوان لنطوى جميعا تلك الصفحة ونبدأ من جديد بروح 30و4 يونيو والذى يبدو أنه شهر السعد على مصر حتى لو كان الشهر الذى حدثت فيه النكسة الكبرى سنة 67 فيكفى ان تلك النكسة هى التى مهدت لنصر 73 ، وعلى كل المصريين الذين فازوا بصورة مع الدبابة أن يحفظوا تلك الصورة ويشيلوها فى عنيهم لأن الجيش قام بدوره على أكمل وجه ولن يعود الى الشارع مرة أخرى وهنرجع تانى للفيليمن اليتامى اياهم .. على فكرة ومن غير تريقة أنا كمان إتصورت مع الدبابة بس والله كانت صورة إضطرارية لظروف مهمة عمل خاصة جدا ولكنى شرفت بها كما شرفت بإنى أنتمى لبلد بها جيش عظيم ... فليحيا .. يحيا الجيش المصرى . رانيا نور ..