غريب أن تكون هناك تأسيسية تجمع جميع التيارات - وإن كانت الغلبة للإسلاميين- وذلك لوضع دستور.. وفي النهاية لا يرضي الليبراليون أو الإسلاميون أو حتى المحكمة الدستورية.. فهذه هي أزمة الدستور حاليا.. لا أحد يوافق على المسودة التي خرجت من التأسيسية.. وهناك دعوات لمليونية للاعتراض على هذا الدستور.. فمن الذي وضع الدستور بما أن الجميع يرفضه؟.. وما هو الحل لكل ذلك؟... فقد فجّرت مسودة الدستور المقترحة أزمة جديدة، بعد إعلان المحكمة الدستورية العليا رفضها جميع المواد المتعلقة بها فى الدستور الجديد، فيما قال المستشار حسام الغريانى، رئيس الجمعية التأسيسية، إن مناقشة مواد المسودة النهائية ستبدأ فى 4 نوفمبر المقبل، ويصوت عليها أعضاء الجمعية فى الأسبوع الثانى من الشهر نفسه. وقال المستشار ماهر البحيرى، رئيس المحكمة الدستورية العليا، إن المواد المتعلقة باختصاصات المحكمة الدستورية «يشوبها عوار وتدخل فى اختصاصات المحكمة وحقوقها»، مؤكداً أن الجمعية العمومية بالمحكمة فى حالة انعقاد دائم حتى يتم تعديل هذه المواد، واعتبر «البحيرى» أن هناك «اتجاهاً عدائياً داخل الجمعية التأسيسية انتقاماً من المحكمة، وتصفية لحسابات قديمة معها»، وأن «إعطاء رئيس الجمهورية الحق فى تعيين رئيس وأعضاء المحكمة يمثل ردة غير مسبوقة»، وقال المستشار ماهر سامى، نائب رئيس المحكمة، إن هناك «اتفاقاً آثماً لتقليص اختصاصات المحكمة وتسريح أعضائها وإعادة تشكيلها». فى المقابل، وصف عدد من أعضاء الجمعية التأسيسية موقف المحكمة الدستورية العليا بأنه «غير مبرر»، وقال صبحى صالح، عضو لجنة نظام الحكم، إن «المحكمة ليست وصية على الجمعية، والدستور هو الذى ينشئ سلطة المحكمة وليس العكس». وتباينت مواقف الأحزاب المدنية حول مسودة الدستور، وقال عمرو موسى، رئيس حزب المؤتمر، إن موادها ليست نهائية ويمكن تعديلها، ووصفها الدكتور السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، بأنها «جيدة»، واعترض الدكتور أيمن نور، وكيل الجمعية التأسيسية، على نشرها قبل اكتمالها معتبراً أنها «وضعت الجمعية فى موقف صعب». أما على صعيد التيار الإسلامي فقد دعت حركات إسلامية سلفية إلى تنظيم مليونية يوم 2 نوفمبر تحت اسم جمعة «تطبيق الشريعة»، لرفض مسودة الدستور الأولية، وللمطالبة بوضع «دستور إسلامي تطبق فيه الشريعة الإسلامية وحذف كلمة مبادئ» من المادة الثانية من الدستور، فضلا عن تطهير القضاء، وإقالة النائب العام، وتطهير الإعلام، فيما أكدت قيادات بالجماعة الإسلامية أنها لن تعارض الدستور الجديد بالرغم من تحفظاتها على مواد عدة به. وكشف الدكتور يونس مخيون، عضو الجمعية التأسيسية عضو الهيئة العليا لحزب النور، عن اجتماع يجمع كل الأحزاب الممثلة داخل الجمعية، على هامش اجتماعات الجمعية بمجلس الشورى، للتوافق حول بعض المواد الخلافية في الدستور الجديد. وأضاف مخيون أنه «تم الاتفاق منذ أسبوعين على بقاء المادة الثانية بنصها فى دستور 71، لكن مع وضع تفسير هيئة علماء الأزهر لكلمة مبادئ ووقعت كل الأحزاب على هذا الاتفاق، على أن يضاف لباب الأحكام العامة»، متابعا: «وجاء تفسير كلمة مبادئ على أنها: المبادئ الكلية والأصول والقواعد الفقهية ومصادرها على مذهب أهل السنة والجماعة». من جانبه، قال الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، إن مسودة الدستور لا تعبر عما تم الاتفاق عليه فى لجان الجمعية التأسيسية ولا تمثل القراءة الأولى لمشروع الدستور، مضيفا أنها أهملت الكثير من الاقتراحات، مؤكدا أنهم لن يتنازلوا عنها، وأشار برهامى إلى أن مسودة الدستور خلت من مواد أساسية تم الاتفاق عليها، وتم التوقيع على هذا الاتفاق، ومن بينها مادة تفسير مبادئ الشريعة، والتى تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الفقهية الأصولية ومصادرها المعتبرة عند أهل السنة والجماعة. وأكدت جماعة "أهل السنة والجماعة" أن التيار الإسلامي "يتعرض لضغوط شديدة غير مسبوقة" في الجمعية التأسيسية "جعلت الليبراليين والعلمانيين يحصلون على مكاسب تفوق بكثير ما حققه الإسلاميون"، وأضافت أن "الإضافة إلى المادة الثانية بقيت في مصلحة غير المسلمين، ففي حين أن المسلمين يحتكمون إلى مبادئ الشريعة لا إلى قواعدها ولا أحكامها، فإن لغير المسلمين الاحتكام إلى أحكام دينهم ونصوص شرائعهم". واعتبرت أن "النخبة التي تملأ الدنيا ضجيجاً فارغاً، نخبة غير منتمية إلى دين الله وهوية الإسلام، ويجب أن تتغير هذه النخبة وأن تستبدل بنخبة ممتلئة بهذا الدين". ورفضت النص على أن مبادئ الشريعة المصدر الرئيس للتشريع، وطلبت أن تكون "المصدر الوحيد كي لا تكون هناك مصادر أخرى". وشددت على "رفض أي دستور لا ينص صراحة على منع تشريع أي قوانين جديدة في الحاضر أو المستقبل تصادم أو تخالف الشريعة الإسلامية". أما عن الإخوان فقد أكد محمود حسين الأمين العام للجماعة أنهم ما زالوا يدرسون مسودة الدستور، لكنهم يوافقون عليها من حيث المبدأ، مشيراً إلى أن قيادات في الجماعة وحزبها "الحرية والعدالة" شاركوا في صياغة هذه المسودة باعتبارهم أعضاء في "الجمعية التأسيسية"، ما يعتبر موافقة ضمنية مبدئية عليها "لكنها في كل الأحوال تحت الدراسة". واعتبر أن عدم إعلان الجماعة أي موقف في شأن هذه المسودة "يعد موافقة ضمنية، طالما لم نرفضها حتى الآن". ويقول الدكتور حسن نافعة- أستاذ العلوم السياسية-: مسودة الدستور التي تم طرحها من قبل التأسيسية تحتوي على 231 مادة، ومن الصعب مناقشتها في وقت قصير، كما أن هذه المسودة كتب فيها أنها مسودة أولية، ولم يراعَ فيها التنسيق بشكل نهائي، كما كتب فيها أيضا أنها مطروحة للناقش داخل الجمعية، وأيضا للنقاش المجتمعي ولكن كيف يتم طرح مسودة غير مكتملة للناقش المجتمعي، فهذا يدل على أن النواحي الإجرائية لهذه المسودة غير واضحة، فهناك ارتباك داخل التأسيسية، كما أن تشكيلها يعكس خللا ولا تعبر عن كل أطياف المجتمع المصري فضلا عن أن العوار القانوني لا يزال موجودا فيها. ويقول أحمد ماهر- مؤسس حركة 6 أبريل وعضو الجمعية التأسيسية-: عندي أمل في حل المواد التي عليها خلاف داخل التأسيسية سواء التوافق أو التفاوض، وخصوصا في المواد التي يعترض عليها السلفيون الخاصة بأحكام الشريعة، وبحقوق المرأة، كما أننا كحركة سوف ننتظر التوافق على هذا الدستور، وندافع عن مدنية الدولة ولكن لو وجدنا الأمور تسيل لصالح التيارات الإسلامية فقط فسوف يكون لنا رد فعل ولن أستمر في الجمعية، وسوف نحشد ضدها لأنه يجب أن يكون هناك دستور دولة مدنية ويوافق عليه الجميع وليس دستور أغلبية.