ليلة من الرعب والخوف والغضب عاشها أهالي قرية صنصفط بالمنوفية، 5 آلاف أسرة بالقرية لم تخل واحدة منها من إصابات بالتسمم أو إعياء شديد ومغص بالبطن وقيء وإسهال، وهو ما آثار الذعر بين أهالي القرية لتزايد الأعداد بمرور الوقت، حالة شديدة من الغضب كانت واضحة على الجميع لعدم معرفتهم السبب وتقاعس الأجهزة المعنية والمسئولة عن القيام بدورها، وأيضا بسبب تصريحات محافظ المنوفية المستشار أشرف هلال، والتي قال فيها إن عدد الإصابات بلغ 12 حالة فقط. بوابة الشباب كانت شاهد عيان على ما يحدث بالقرية التي يسكنها ما يقرب من 25 ألف مواطن، بمجرد دخولنا لقرية صنصطفط كان الصمت يخيم على الطريق وكأن القرية يسكنها أشباح، ولكن بعد أن اقتربنا بعض الشيء، تغيرت الصورة تمام، تجمعات من الشباب والرجال، في الطريق، وحوارات بين النساء على أبواب البيوت حول حالات التسمم والإعياء التي أصابت المئات من أبناء القرية، الصيدليات التي مررنا عليها خلال الطريق كانت مليئة بالأشخاص، وكأن القرية كلها مريضة. هناك حيث توجد الوحدة الصحية بالقرية، وجدنا تجمع من مئات الأشخاص من أبناء القرية، يحاولون المساعدة بأي طريقة وحل المشكلة التي قد تؤدي إلى هلاك أبناء القرية، لا أحد يعرف السبب، لا أحد يعرف ما يحدث، لا إجاية ولا مجيب؟! أهالي قرية صنصفط أهالي قرية صنصفط المشهد من الخارج يوحي بالألم، لكنه من الداخل يوحي بألم وحسرة أكبر، قمنا بجولة داخل الوحدة الصحية ولاحظنا توافد الحالات بشكل غريب، ودون انقطاع، أسر بأكملها مصابة، وأب لا يعرف هل يحمل ابنه أم ابنته أم زوجته أم شقيقه، صور متكررة ومؤلمة. بدورنا نقلنا الصورة كما شاهدناها للدكتور أيمن عبد المنعم، وكيل وزارة الصحة بالمنوفية، والذي طمأننا وقال إن مديرية الصحة بالمنوفية أرسلت 12 طبيبا وسيارة محملة بالأدوية للقرية، وأنه تم أخذ عينات وإرسالها للمعامل المركزية بوزارة الصحة، وأن حالة الإعياء، تزول بمجرد تلقي العلاج. لكن المشكلة تفاقمت بعد أن انتشر الخبر بالقرى المحيطة بقرية صنصفط، خاصة وأن الكلام انتشر عن تسبب المياه في ذلك، واعتقد البعض أن العملية التي تغذى قرية صنصفط بالمياه، هي نفيس العملية التي تغذي القرى المجاورة مثل دمليج وزاوية رزين وسدود وكفر السنابسة وجزي وهو ما آثار حالة من الرعب والذعر أيضا في هذه القرى وامتنع سكانها من استخدام المياه، بعد أن طالبت المساجد من خلال مكبرات الصوت أهالي القرى بعدم استخدام المياه. الوضع يزداد سوءا، اتصلنا مرة أخرى بالدكتور أيمن عبد المنعم، بصفته مسئول، ليطمئن الناس وكان رده أن كل هذا مجرد شائعات وأبلغنا أن نطمئن الجميع وأن الحالة مقتصرة فقط على قرية صنصفط. أهالي القرية بمجرد أن دخلنا الوحدة الصحية أكدوا لنا أنه لا يوجد بيت بالقرية إلا وبه أكثر من إصابة، إسهال وقيء، ومغص شديد، وحالة إعياء، وأعطونا كشوف الوحدة الصحية المسجل بها أسماء الحالات المصابة. السيد سعيد عبد المعبود، أحد أبناء القرية، ويعمل فني صيانة بمترو الأنفاق، أكد أن حالات الإصابة بدأت منذ أول يوم في العيد، ولم يتوقع أحد أن يتطور الوضع بهذه الصورة، وأنها حالات بسيطة بسبب أكل العيد، مؤكدا أن الإصابات التي وصلت للوحدة الصحية حتى الآن تخطت 1200 إصابة علاوة على من يذهبون للصيدليات مباشرة للحصول على العلاج، وأكد أيضا أن مستشفى منوف العام محتجز به 36 حالة إصابتها خطيرة، وكذلك مستشفى الحميات بمنوف والتي يوجد بها 70 حالة خطيرة، ومستشفى المواساة بها 47 حالة، وأن القدرة الاستيعابية لهذه المستشفى لن تتحمل أكثر من ذلك إن تطور الأمر. وأضاف السيد سعيد عبد المعبود، أن محطة المياة الموجودة بالقرية لا يوجد بها أي تنقية، وأن المياه تنزل بها صديد أحمر ورواسب حديدة، وأنها تسبتت فيما حدث لأهالي البلد. وأكد أن أحد أهالي القرية أنشأ عملية لتنقية المياه منذ 3 سنوات ويذهب إليها الأهالي للحصول على المياه مجانا، وأنها عليها إشراف شديد جدا، ولكنها تستخدم للشرب فقط، أما باقي الاحتياجات من غسيل وطبخ فيستخدم فيه العملية الأساسية للقرية والمملوكة للحكومة، وهي غير صالحة. أهالي قرية صنصفط أهالي قرية صنصفط أهالي قرية صنصفط وقد أكد كل من قابلناهم من أهالي القرية أن عملية المياة الخيرية لم تتسبب فيما حدث، وأنه هناك عينات شهرية تؤخذ منها ويتم تحليلها للتأكد من صلاحيتها، وأنها عليها إجراءات شديدة جدا لضمان نقائها. أما ربيع محمد شعبان، 30 سنة، فني وسائل بمدرسة، أكد أن هناك أصوات في القرية تطالب منذ 4 شهور بعمل اعتصام أمام محافظة المنوفية لحل مشكلة المياه بالقرية والتي لا يجدون لها حل منذ 3 سنوات، وأنهم يجب أن يتمسكوا بالفرصة حتى يحل المسئولون مشكلتهم. أما خالد عبد الواحد، 45 سنة، فقال إن مشكلة المياه في قرية صنصفط تتلخص فيما يلي، حيث أن محطة المياه بالقرية أنشئت عام 1952، ولم يكن بها أي مشاكل، ولكن الأزمة بدأت تظهر بوادرها في عام 1999، عندما حدث زحف عمراني بجوار عملية المياه، وحيث أن القرية لا يوجد بها صرف صحي، فأنشأ الأهالي "طرنشات" صرف، ونظرا لقربها من عملية المياه وهي عملية ارتوازية بالأساس، حدث اختلاط بين مياه "الطرنشات" ومياه العملية، وبزيادة أعداد السكان وزيادة "الطرنشات" زاد تلوث المياه. وأضاف خالد عبد الواحد، قمنا بمحاولات عديدة مع المسئولين سواء على مستوى المركز أو المحافظة، منذ عام 2000 وحتى الآن ولم يحرك أحد ساكنا، مؤكدا أن هناك مشكلة أخرى متعلقة بتركيبة بيوت القرية، حيث أن هناك شوارع مغلقة في القرية وعندها تنتهي المواسير، وعند غسيل المواسير تظل الرواسب عند نهايات المواسير، وبتراكمها تزداد حالات التسمم، وهذا ما أكده له أحد العاملين بعملية المياه بالقرية. وأضاف خالد عبد الواحد، أن العملية بها 6 محابس غسيل، إلا أنه لا يتم استخدام إلا محبس واحد فقط، وهو لا يكفي لتنقية مياه الشرب لأن البلد مساحتها كبيرة جدا. وتحدث خالد عبد الواحد عن نقطة أخرى، مؤكدا، أن قرية صنصفط لها 3 مصادر مياه بحاري، المصدر الأول قادم من قرية بهواش من خلال مواسير 8 بوصة، وساعد في إيصاله للقرية الدكتور اسماعيل سلام عندما كان وزيرا للصحة، إلا أن الخط تم تحويله بعد ذلك ليخدم قرية زاوية رزين المجاورة فقط، المصدر الثاني للمياه، وهو المواسير القادمة من قرية كفر بلمشط، ولكن لا تمد القرية بالماء رغم أن المسافة بينها وبين صنصفط 8 متر فقط، المصدر الثالث من قرية جزي، وهذا الخط به مشكلة وهي أن المواسير به مساحتها 4 بوصة والمفترض أن تكون 16 بوصة، ولكن للأسف كل هذه المصادر لا تمد القرية بالماء. أما عبد المرضي راغب، مشرف تغذية بمدرسة، يؤكد أن القرية كان من المفترض أن يكون بها صرف صحي ولكن المشروع توقف بعد أن تم إنشاء محطة الصرف التي ستستقبل الصرف من قرى دمليج وبهواش وزاوية رزين وصنصفط، و المشروع توقف دون اسباب بعد أن اكتمل الحفر وزرع المواسير في قرى دمليج وزاوية رزين، ولم يتم الحفر في صنصفط وبهواش، بعد أن سمعنا أن هناك أخطاء بالمشروع، وأن الصرف بدل من اتجاهه نحو المحطة الرئيسية سيعود للبيوت مرة أخرى، مؤكدا أن الأهالي ليس لديهم ما يضعون فيه مخلفاتهم، فيتم إلقاء المياه في الشوارع وغيرها، مما يتسبب في انتشار الأوبئة والأمراض، علاوة على عدم وجودة تنقية لمياة الشرب، مشيرا إلى أن أهل البلد يشربون مياه ملوثة، وهو ما تسبب في ارتفاع الإصابات بالفشل الكلوي والكبد بين أهالي القرية. إبراهيم عبد الباقي، ميكانيكي، 43 سنة، وجدناه حائرا داخل الوحدة الصحية، حيث 6 من أفراد أسرته مصابون بحالة إعياء شديدة، أحدهم أصيب عصر اليوم وبعد أن حصل على الجرعة العلاجية عادت إليه الإصابة مرة أخرى، وعندما تحدثنا معه ناشد المسئولين بحل مشكلة المياه المتسببة في هذه الأزمة، مؤكدا على قلة الإمكانيات المتواجدة، واتهم الجهات المسئولة بالتقصير، وعندما أخبرناه أن مديرية الصحة أرسلت 12 طبيبا، وسيارة أدوية، رد هو وعدد كبير من المتواجدين مؤكدين أنه لم يحضر 12 طبيبا وأن هناك أطباء حضروا لفترة قصيرة وذهبوا، وأن المتواجدين أطباء متطوعين من ابناء القرية والقرى المجاورة. كما أكد الأهالي على أن هناك نقص في العلاج سواء بالوحدة الصحية أو بالصيدليات ,ان ما أرسلته مديرية الصحة بالمنوفية لم يكن كافيا. أهالي قرية صنصفط أهالي قرية صنصفط أهالي القرية أكدوا أن هناك عدد كبير من الشباب أصيبوا وأن هناك عدد كبير أيضا كان من المفترض أن يكون عرسهم غدا ولكنهم أصيبوا فتم تأجيل افراحهم، ومنهم، عبودي الجبالي، وعمرو شاهين. أما لطفي غنيم، 36 سنة، عامل، فقال إن هناك شيء غريب، وتساءل أهالي القرية يشربون مياه واحدة ويأكلون فاكهة وخضار من سوق واحد وأكد إيهاب محمد مدين، محامي، 27 سنة، قائلا: الإهمال وعدم الاهتمام من المسئولين بالمياه لمدة سنوات أدى إلى إصابة العديد من أهالي القرية بحالات التسمم، ورغم قيام العديد من أهالي القرية بعمل محاضر والشكوى بسبب مشكلة المياه، ولكن لا حياة لمن تنادي ، وكان طبيعي أن تحدث هذه الكارثة، وداخل الوحدة الصحية التقينا الدكتور أحمد ربيع وهو طبيب متطوع، حيث قال إنه توصل للفيروس الذي أصاب أهالي القرية واسمه باسيلري ديزنتري (bacillary dysentry) وهو فيرس ينتقل عن طريق الفم سواء بالأكل أو الشرب وهو غير معد، ولا ينتقل بالهواء، ولكن حتى الآن لم يعرف مصدره، كما أن درجة خطورته عادية، فهو يسبب نزلة معوية ، ويكون خطير فقط على بعض كبار السن ومن لديه نقص بالمناعة، وفي هذه الحالت يسبب هبوط شديد بالدورة الدموية، والتهابات بالكبد وأمراض بالكلي ولكن هذا بنسب ضئيلة جدا. الدكتور عزت رمزي، صاحب أحدى الصيدليات الموجودة بالقرية، قال إنه لديه مشكلة في نقص الأدوية، فهو قام بصرف أكثر من 300 روشتة حتى الآن، وأن هذا عدد كبيرا إذا عرفنا أن القرية بها 7 صيدليات أي أن هناك أكثر من 2100 وإصابة علاوة على الحالات التي حصلت على أدويتها من الوحدة الصحية. أهالي القرية استقبلونا بطيبة وحب وكرم شديد، وكان وداعهم لنا ولسان حالهم يقول لا نريد فقط غير الحياة الكريمة، وتحقيق مطالبنا البسيطة، كوب ماء نظيف.