صدر عن فرقة ومضة كتاب " الأعمال الشعرية للشيخ يونس القاضي " جمع ودراسة وتحقيق دكتور نبيل بهجت استاذ المسرح بجامعة حلوان ... ويقع الكتاب في اربعة اقسام الاول مقدمة ودراسة لنموذجين للمسرح الغنائي عنده وهما مسرحيتي " كلها يومين " التي قدمتها فرقة منيرة المهدية عام 1921والثانية " مال الكنزي للنزهي " والتي كتبها شعراً ونشرها فى مجلة " النيل " عام 1921 ايضا حاولت الدراسة الوقوف علي خصائص المسرح الغنائي والشعري عنده وقدم القسم الثاني معظم قصائده المنشورة في الدوريات المختلفة مثل ( شوارع العاصمة وصف رأس البر ومصر جنة والنيل كوثر وطلعت المحمل وبعض المسرحيات الشعرية مثل مال الكنزي للنزهي……) اما القسم الثالث فتناول الاغاني العامة والاناشيد مثل نشيد "بلادي بلادي" وتلك الاغاني التي وصفتها مجلة " الصباح " بالخليعة مثل "ارخي الستارة اللى ف ريحنا واستني علي شوية وكله الا كده " اما القسم الرابع فضم الاشعار المسرحية لقد كان القاضي واحدا من الذين آمنوا بضرورة خلق كل ما يدعم الشخصية المصرية واخذ دور المربي والمعلم والناقد وهو ما نجده في قصائده المختلفة ويكفيه انه شارك في ثلاثة ثورات مختلفة من خلال كلمات نشيده الخالد بلادي بلادي ويقدم هذا الكتاب قصائده المشورة في الدوريات المختلفة كما سعي لتقديم نصوص اغانيه المسرحية والتي مازال العديد منها على هيئة مخطوطات بالمركز القومي للمسرح. ويقول دكتور نبيل بهجت : يعد الشيخ محمد يونس القاضى واحداً من الرواد الذين اثروا الحركة الثقافية في بداية القرن الماضي(1888-1969) فعرِف كزجال وصحفي وكاتب للمسرح .. حيث بدأ حياته صحفياً في جريدة المؤيد واللواء وكتب للعديد من الصحف المعروفة آنذاك كما نشرت أزجاله في العديد من الصحف والمجلات كالسيف والمسامير والكشكول واللطائف المصورة وإياك والعروسة وغيرها من الصحف والمجلات التي مثلت المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليه هذا الكتاب. واضاف بهجت لقد لاحظت ازدياد نشاطه في النشر والتأليف في عشرينيات القرن الماضي فقمت بجمع أعماله أقدمها للقاريء خاصة وان تلك الفترة حملت امال واحلام الشعب في التخلص من الاستعمار والاستقلال في ادارة شؤون البلاد وآلامه, إذ لم تؤت ثورة 1919 الثمار المرجوة منها وبدا ذلك واضحاً في رحيل وزارة سعد زغلول واستثمار انجلترا لحادث مقتل السير" لي ستاك" الذي يؤكد البعض انه من تدبيرها لفصل السودان عن مصر في عهد الوزارة السعدية الا ان سعد زغلول اثر ان يقدم استقالته على ان يرتبط اسمه بهذا الحدث وخرج من الوزارة وقد حاز الانجليز مكاسب جديدة تضاف الى مشروعهم في تحجيم وتقليص النفوذ المصرى الذي بدأ منذ محاصرة محمد على واستمر حتى الآن. ولقد كانت كل هذه الهزائم المعنوية دافعا للحركة الوطنية والمثقفين آنذاك فمنهم من آثر العودة الى التراث الشعبي هروباً من الواقع المظلم وبحثاً عن حلول لازماته ومنهم من التزم النقد الاجتماعي في محاولة لرد المجتمع لقيمه الاساسية ومواجهة تيار التغريب الذي فرضه المستعمر آنذاك وإن لم تخل كتاباتهم من بعض التلميحات والتعريض ببعض الشخصيات والتعليق على بعض الاحداث الجارية وارتفعت الاصوات تنادي بضرورة ايجاد المسرح المحلي والكف عن التعريب والترجمة من الغرب وضرورة التأليف عن البيئة المصرية والاخلاق والعادات الشرقية. واشار بهجت الى ان الشيخ يونس القاضي كان من أوائل من استجاب لهذه الدعوة وتحمس لها ولقد اشار في حواره مع مجلة المسرح الذي نشر تحت عنوان "المسرح المحلي" الى اسلوبه ومنهجه فيقول: " لقد كتب الاستاذ اسعد افندي لطفي في كوكب الشرق وحسين مسعودي افندي في المسرح يلومونني على تقاعسي في خدمة المسرح وهذا اللوم كان اكبر مشجع لي في تأليف اثنتي عشرة رواية أخرجت منها اثنتين ولدي عشرة روايات: المساواة، المعذبة، والطاعة ، والمداحة ، وحاجب الظرف ، والجنون فنون ، والوكيل ، وحلاوة البخت ، بنت غلطة ، وايضاً لدي اربعة مواضيع وضعت لها النقط او كما يقول المهندسون الكروكي .. ولو رأيت إقبالاً من جانب المسارح التى تفضل التعريب على التأليف لاستطعت ان اخرج في العام عشرين قطعة ولكن ما حيلتي واصحاب الفرق ينصرفون عن الموضوعات المصرية الى موضوعات تمثل عادات امم اخرى". حيث انصب اهتمام يونس في كثير من الاحيان على الموضوعات الاجتماعية وتصوير البيئة المحلية ولقد كتب للمسرح العديد من المؤلفات منها: "كلها يومين"، و"حرم المفتش"، و"التالتة تابته"، و"كيد النسا"، و"كلام فى سرك"، و"المظلومة"، و"حماتى"، و"المخلصة"، و"كليوباترا ومارك أنطوان"، و"مملكة الحب"، و"عروس الشرق"، و"السعد وعد"، و"البدر لاح"، و"البربري في باريس"، و"الدنيا وما فيها"، و"توبة على إيدك"، و" فاتنة الأندلس "، و" آدي العينة " و"الشرط نور"، و"الدموع"، و"رومية الحب"، و"الدجالين"، و"حاجب الظرف"، و"مظلوم يا وعدي"، و"حسن أبو علي سرق المعزة"، و"زقزوق وظريفة "، و"ابن العمدة"، و"سر الطبيعة"، و"الصيام في رجب"، و"اللى وقع يتصلح"، كما كتب فيلم "كله إلا كده لقد اهتم يونس القاضي بالموضوعات التي تمثل المجتمع المحلي، وتعبر عن البيئة المصرية وهو ما اكد عليه معظم نقاد عصره. ويقول بهجت ان الكتاب يجمع تعليقات النقاد على هذه المؤلفات: حيث يعلق "محمد عبد المجيد حلمي" على رواية المظلومة، فيقول: "رواية المظلومة قطعة من الحياة المصرية ويجب ان نقول قطعة من الحياة الحقيقية ومعنى ذلك ان الحياة المصرية ذات شعب عدة وذات مناح مختلفة ولها اوجه عديدة وصور مختلفة وقد رأينا في روايات مختلفة ان الكتاب يخصون صورة من تلك الصور عنايتهم ويفحصونها فحصاً ولكن رواية " المظلومة " تعطينا صورة مكبرة كثيرة الألوان للحياة المصرية في مظاهرها العديدة. ..... ويعلق ناقد آخر على مسرحية " حماتي " فيقول: " والشيخ يونس مشهود له بالتفنن في امثال هذه الروايات فالرجل يغوص الى اعماق العادات المصرية البحتة ويدرس تلك المواقف العائلية التى تقع في البيوت كل يوم ثم يقدم صورها العديدة للمسرح المصريا. ويستهل ناقد كوكب الشرق فى مقاله عن مسرحية " كيد النساء " قائلاً: "تعجبني الروايات المصرية التي يرى الشعب منها مظهراً من مظاهر حياته العامة وتصور له مرضاً من امراض حياته الاجتماعية. ويشير ناقد روزاليوسف لرواية " حماتي " :"احسست بشخصيات المسرح حية تعيش على المسرح، لقد رسم المؤلف صور أشخاصه تصويراً طبيعياً خالياً من أي تكلف وصناعة، لمسنا شخصية "خدوجة" في الحياة وعرفنا كذلك "سلمي" و"عنبر" و"عزت" و" شعبان " في بيئتنا المصرية، خلق الشيخ يونس شخصيات روايته وحركها بطبيعتها لا كما يريد هو، فجاءت شخصيات كاملة ناضجة تماما النضج ...." هذه الموضوعات وهذا الأسلوب نراه واضحاً في اعماله الزجلية التى عثر عليها. ويؤكد بهجت ان هذا الكتاب ياتى ليقف على جانب جديد من إبداع لم تمتد إليه يد من قبل نقدمه للقاريء.. قصائد الشيخ يونس القاضي التي نشرها في بدايات القرن الماضي موقعةً باسمه في العديد من الصحف والمجلات والتي غلب على موضوعاته النقد الاجتماعي الذي اهتم به في معظم كتاباته حسب تواريخ النشر الاقدم فالاحدث.. ليقف قاريء اليوم على الحياة في تلك الفترة ويتعرف على طبيعتها من خلال واحد من اهم مبدعي تلك الفترة مؤلف نشيد "بلادي بلادي" الذي يردده الجميع دون ان نعرف اسمه وهو الصحفي والزجال والمؤلف المسرحي والسيناريست وكاتب الاغاني واحد اوائل الرقباء على المصنفات الفنية ... وواحد من الذين اثروا الحياة الفنية والادبية في بدايات القرن الماضي.