المشهد الأول كانت مجلة كاريكاتير تضم أساطين الكتابة الساخرة محمود السعدني وفايز حلاوة ومحمد عفيفي وأحمد بهجت وحسام حازم ومجدي صابر وعلي سالم وفؤاد معوض »فرفور» وسمير الجمل وكمال سعد وفاروق أباظة ومحمد حلمي وغيرهم كثير مع حفظ الألقاب للجميع ومن جيل الشباب "أيامها يعني" الشاعر بشير عياد والعبد لله كنا تلاميذ في مدرسة الساخرين أما ملوك الريشة فحدث ولا حرج عمنا مصطفي حسين وشيخ الرسامين حسن حاكم ومن جيل الرواد أحمد طوغان ومهندس الريشة والألوان عمنا عبد العزيز تاج والعالمي جورج البهجوري ونصر الدين طاهر ونزية والصاوي وسليمان وعجور وممدوح طلعت وسمير عبد الخالق ومن جيل الشباب »وقتها طبعا» فداوي وحسني عباس ومحمد عمر وعمرو فهمي وسمير عبد الغني وقد أصبحوا نجوما الآن في فن الكاريكاتير والقائمة طوووويلة، كتيبة من الساخرين ملئوا حياتنا بهجة ورسموا البسمة علي شفاه الناس الغلابة لكن تظل إطلالة عمنا وتاج راسنا الفنان العالمي محمد عفت إطلالة مميزة جدا فعبر رسوماته تعيش معه عالم من الفن الجميل الذي يجمع بين البساطة والعمق فهو ملقب ببيكاسو الكاريكاتير المصري فإذا كان بيكاسو يتعمد الغموض والتعقيد في كثير من تجاربه الفنية إلا أن عمنا عفت لا يتفلسف يقول ما يريده ببساطة. وخير دليل علي ذلك في تجربته قلم ومساحات يلعب بالقلم ويعبر عن قضايا غاية في الأهمية دون أن تشعر، يتسلل إلي وجدانك وعقلك يرسم لك الأطفال في الشوارع وهم يمارسون ألعابهم الشعبية والستات بتنشر غسيلها وعازف الربابة تكاد تسمع نغماته والآلات الموسيقية وبائع الكشري والفول حالة طقسية شعبية بألوان غير مركبة انطلق منها إلي العالمية لأنه لا يستخدم التعليق واللغة العربية وحصد الجوائز شرق وغرب وأصبح محكما دوليا واكتسح في الخارج لكن في الداخل ولا مؤاخذه ينطبق عليه المثل »زمار الحي لا يطرب»، المهم نرجع لمجلة كاريكاتير فهو الرجل السهل الممتنع الصامت الضاحك يراقب الجميع في صمت وتعلو وجهه ابتسامة حلوة فيها بشاشة وكان العبد لله كاتب هذه السطور يهوي المناغشة والمشاكسة، فكنت اقترب منه وأحاول فك رموز هذه الابتسامة وأهاجمه بالتساؤلات هل هناك خبر سعيد جعلك منتشيا وسعيدا فتبرق عيناه وتزداد ابتسامته فأخمن يبدو أنك حصلت علي جائزة ولا تريد إعلان الخبر خوفا من العين والحسد فترتسم علي وجهه أمارات الدهشة مع الاحتفاظ بالابتسامة فأقول هل وافق عسقلاني ملك البوفيه في كاريكاتير علي جلب واحد نسكافيه لمعاليك فتنفرج شفتاه وأشعر أنه سيعبر العبد لله وينطق أخيرا لكن أحلامي تذهب أدراج الرياح ويلوذ بالصمت الرهيييب وتتواصل تخميناتي ويواصل ابتسامته حتي أقول له يبدو أنك تسخر مني ياعم عفت وهنا يرد: أعوذ بالله ده أنت حبيبي ياعمدة فأقول الله اكبر نجحت في كسر حاجز الصمت ومن فرحتي أقرر أن أطلب له قهوة مظبوطة علي حسابي في حالة كرم مفاجئ نادرا ما تحدث، فيضحك محمد عفت ويقول: أنا لا أتحدث كثيرا أفضل العمل. أكثر المشهد الثاني ومرت الأيام والسنون أكثر من ربع قرن وكنت قد أسست للدورة الأولي لملتقي الكويت الدولي للكاريكاتير وتوليت إدارته ورأس الملتقي الفنان الكويتي جمال اللهو وكانت تظاهرة حاشدة شارك فيها أكثر من 53 دولة و245 فنانا من أنحاء العالم ومثل مصر فيها عمنا تاج ودعينا عم عفت ليلقي كلمة الافتتاح إلا أنه قبل الافتتاح بساعة تعرض لحادث إذ اصطدم في زجاج الفندق الشفاف وجرح أنفه فلفه الطبيب بقطعة من الشاش فقلت له هات كلمة الافتتاح ياعم عفت نشوف حد تاني فرد بحزم:علي جثتي وطلع عفت أمام ثماني فضائيات بأنفه المربوط وألقي الكلمة كأحد زعماء المنابر في أوروبا ومن كثرة حماسه كاد يطيح بجميع الميكروفانات من أمامه وعندما انتهي سمحت لأنفاسي التي حبستها أن تخرج. وفي صباح اليوم التالي استيقظنا فوجدنا عم عفت طلب من السائق التحرك من الفندق باتجاه السفارة المصرية وهناك وجه لوما شديدا لهم لأنهم لم يكونوا في استقباله والوفد المصري وحاولوا تهدئته بأنه لم يكن لديهم خبر ثم اتجه إلي المعهد العالي للفنون المسرحية وهناك طلب من العميد إلقاء محاضرة فهو تخصص ديكور مسرحي وعبثا حاول العميد إثناءه دون جدوي وفوجئت باتصال من جمال اللهو يقول الحق عمك عفت قبل مايلف علي مؤسسات الكويت كلها، وفي المساء ألقي عم عفت محاضرة علي رواد الملتقي ولم يسمح لأي من الحضور مهما كانت ظروفه بالذهاب إلي الحمام، وعندما عاد إلي الفندق كلمني مديره بانزعاج وهو يقول: مستر عفت جمع الموظفين والعمال وبيكلمهم عن الكاريكاتير الحقووووني.