حارسة العقار تتحدث ل »أخبار اليوم« عن سلوكيات سيف جريمة اختلط أبيضها بأسودها.. طفل طيب القلب هادئ الطباع بريء لكن قطرة دم واحدة سالت من دم معلمة دونما ذنب اقترفته حولت هذا البياض إلي سواد.. لم تكن قطرة واحدة بل انقض سيف الطالب بالصف الأول الثانوي علي معلمته كالثور الهائج بسكينين لتغرق دماؤها أرض الغرفة التي كانت تعلمه فيها.. جريمة قتل اعترف مرتكبها بكل براءة ! فهو منذ نشأته لا يجيد المناورة فقط يقول ما يراه في خياله وإن كان كذباً، ويفعل ما تأمره به لعبته المفضلة علي الآيباد "لعبة الموت ".. دبر لجريمته كمحترف، ونفذها في غاية الدقة، لم يرحم دموعها، ولم يستجب قلبه لتوسلاتها، ولم لا وهو صاحب خيال واسع.. يبحر مع عالمه الموازي وينفذ ما يمليه عليه عقله الباطن وأبطاله الذين يعيشون بداخله من خلال كارتون " إينمي " الذي أدمنه وصار متوحداً مع عالمه الافتراضي الذي أراد به أن يخرج إلي الواقع لتعود يداه ملوثة بدماء معلمته البريئة التي اعتبرته مثل ابنها وأغدقت عليه من الهدايا.. الأغرب أن " سيف " لم يندم علي جريمته بل اعترف بها بكل بساطة مؤكداً أنه كان يخطط لقتل أحد أخوته وأنه يريد أن يكون أشهر إرهابي عرفه التاريخ !.. »أخبار اليوم« حققت في القضية مع كل أطرافها والتقت أسرته وجيرانه ومحاميه وزملاءه وكذلك جيران المجني عليها لنضع المجتمع أمام تلك الواقعة التي نادراً ما تتكرر أحداثها، فهي جريمة قتل دون دافع حقيقي، كما أن المجني عليها ليس بينها وبين الجاني أية خلافات بل إن كانت ثمة علاقة فهي علاقة مودة واحترام بين معلمة وتلميذها المتفوق ! وكذلك في محاولة للإجابة عن السؤال الذي يفرض نفسه : هل الطالب سيف مجرم يستحق أقصي العقوبة أم ضحية إدمان أفلام الكارتون ويستحق الشفقة.. ولماذا اختار الطالب يوم عيد ميلاده ليرتكب فيه الجريمة ؟. رجال المباحث ينقذون التلميذ القاتل من محاولة انتحار بعد الجريمة البداية كانت بلاغاً تلقاه اللواء محمد الشريف مساعد وزير الداخلية مدير أمن الإسكندرية بالعثور علي جثة معلمة 59 عاما بشقتها بمنطقة ميامي ، وأمر اللواء شريف رؤوف مدير المباحث الجنائية ونائبه العميد محمد عبدالوهاب رئيس مباحث المديرية بكشف غموض الحادث .. بالانتقال عثر علي جثة المجني عليها مسجاة علي ظهرها بملابسها بأرضية غرفة الاستقبال بالشقة سكنها بالطابق الرابع بجوار بابها وبها عدة طعنات وكذلك العثور علي حقيبة مدرسية بداخلها سكينان وورقة بها عبارات تحث علي القتل وبعض الأدوات المدرسية وحذاء رياضي وجاكيت رجالي.. وتوصلت تحريات المقدم عبد الحميد سكران رئيس مباحث المنتزه أول أن وراء ارتكاب الواقعة طالبا يدعي سيف الله 16 عاماً بالصف الأول الثانوي وتم ضبطه وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة وقرر بممارسته أحد الألعاب الإلكترونية علي أجهزة الحاسب الآلي والهواتف الذكية والتي تستند إلي وقائع إحد مسلسلات الرسوم المتحركة علي موقع " يوتيوب " إذ ولدت تلك اللعبة لديه فكرة القتل. داخل شقة المتهم بشارع مسجد سيدي بشر التقينا بأسرة الطالب سيف الذي يقيم بالطابق ال 16 بأحد الأبراج.. وجدنا الأم في حالة صدمة إثر ارتكاب ابنها لجريمة قتل وأحضرت لنا شهادات التقدير التي حصل عليها ابنها من مدرسيه، ولم تصدق أنه قتل معلمته التي كان يحبها وهي أيضاً كانت تعتبره مثل ابنها وتعطيه الهدايا لتشجيعه علي التفوق. أبحاث علي الكمبيوتر تحدثنا مع الأب " مهندس إلكترونيات " واحترمت " أخبار اليوم " رغبته في عدم ذكر اسمه وقال بصوت مليء بالحزن والأسي : ابني لا ينقصه شيء فحالتنا ميسورة ولدي شركة بالصين وقمت بتربيته هو وأخوته أحسن تربية.. كان سيف طفلاً ذكياً إلي أبعد الحدود.. كان يعمل أبحاثا علي الكمبيوتر.. أبحاثا مثلا عن الضفادع وتعلم أشياء كثيرة كلها مفيدة.. وعندما كان يطلب منه إجراء أحد البحوث بالمدرسة كان يعمل بحثاً مفصلا ممنهجاً.. وبالتالي تلك الأشياء كانت تسعدنا ولا تحزننا.. ابن ذكي مطلع متفوق في دراسته، ولكن كان هناك متلازمتان استمرتا معه منذ المرحلة الابتدائية إلي الآن وأخبرنا بهما المعلمون الذين تتلمذ علي أيديهم، الأولي أنه متفوق ومهتم بدراسته وملتزم أخلاقيا.. أما المتلازمة الثانية فكانت أن هناك شيئا غريبا، شيئا ليس طبيعيا.. ولا يوجد مدرس استطاع أن يدلنا أو يوضح ماهو الشيء الغريب الذي لاحظه.. كشفنا عليه لدي الأطباء، ولكن كان الكشف عليه كله كشفا عضويا " مخ وأعصاب، كشف دم، رنين مغناطيسي علي المخ ".. كل كلام المدرسين أن هناك ثمة شيئا غير طبيعي وعندما أسأل بماذا تنصحوننا، لا أحد يعطينا إجابة وافية.. " أنا بالنسبة لي الطفل دا ممكن يكون له أسلوب حياة مختلف عن أخوته، هم متربيين نفس التربية، وبالنسبة لي لم ألحظ أن هناك حالة مرضية..فقط له طبيعة مختلفة لكن الذي من بعيد قد يلحظ ذلك.. يجد أن هناك سلوكا ليس طبيعياً، لذا بدأنا نعرضه علي الأطباء.. لما كان سيف يتحصل علي دروسه، كان ممكن يبقي رقم واحد في كل المجموعات. كارتون ياباني أضاف الأب أنه كان مدمناً للجلوس علي " الآيباد " خاصة كارتون ياباني " إنمي ".. الأول كان فيه مجلة اسمها " مانجا " وتطور إلي " إنمي ".. لدي 6 أبناء كلهم يتفرجون علي الكارتون، وأنا بعدي بتابع قصة موضوع الألعاب والكارتون مقسمة لأعمار لذا لم أكن أندهش من متابعته للكارتون..كل سن لها ما يناسبها من الكارتون ومثل هذه الألعاب.. هو كان طيباً أكثر من اللازم، منغلقا علي نفسه للغاية، يجلس علي " الآيباد " بالساعات وليس لديه " أكاونت علي الفيس بوك أو تويتر أو حتي واتساب ".. هو منغلق لدرجة رفضه لأية وسائل تواصل اجتماعي.. ابني غير منفتح علي الناس.. جزء عايش فيه بكيانه الحقيقي وسط أسرته وأهله ومعارفه " الضيقين ".. ليس اجتماعيا.. في المحيط الضيق.. أقاربه من الدرجة الثانية علاقته بهم سطحية جدا أما أقاربه من الدرجة الثالثة فهو لا يعرفهم من الأساس.. ولديه واقع افتراضي عايشه من خلال أفلام الكارتون التي أدمنها.. يخاف كثيرا من الدم.. لا يأكل لحوم الخروف لأنه يراها وهي تذبح.. لو رأي شخصاً مصاباً بجروح يكاد ينهار.. من الممكن أن تأتي له " هيستريا " من شكل الدم.. ولا يأكل بسبب رؤيته للدم.. الشخصية التي في الواقع الافتراضي شخصية أخري " شخص قوي، بطل، يعوض كل النواقص التي لديه ".. هو أصغر أخوته الأولاد ولديه بنتان أصغر منه.. ومن ضمن خطته كان سيقتل أحد أخوته.. كانت لديه رغبة قوية لذلك لكنه كان يكبح جماح نفسه ويتراجع، رغم أن أخوته كلهم يحبونه جداً ويلعبون معه.. هو لديه رغبة قوية لذلك بسبب حالته المرضية البحتة.. فبكل المقاييس هذا ليس سلوك إنسان طبيعي..لو خرج ابني لن أجعله يجلس مع أخوته لأنه مريض بل سأضعه في مستشفي كبيره وسأتعامل معه وفقاً للخبراء في مثل هذه الحالة النادرة، وهذا كله بعد رأي أخذ الأطباء الكبار.. لكي يتلقي علاجاً حقيقياً ولا يؤذي نفسه أو غيره، حتي إنه أراد أن ينتحر بعد القبض عليه لكن رجال المباحث كانوا حريصين في الحفاظ علي حياته.. وكان من ضمن الأشياء التي كتبها للوصول إلي ما تريده تلك الأفلام التي يشاهدها، هي إلقاء نفسه في " بئر مسعود " وذلك لأن هذا المكان خطرجدا وأي شخص يلقي نفسه به يلقي مصرعه، وكأنها محاولة انتحار ويريد أن يتغلب عليه ويعوم ليصل إلي الناحية الأخري من تحت الصخر " سوبر هيرو " وذلك وفقاً للاتصال وفقاً للشخصية الأخري الموازية. وأضاف الأب : ومن ضمن الأشياء أنه أراد أن يستأجر دراجة نارية فأخبرته والدته أن الموتوسيكلات خطر وأنها مرفوضة بالمنزل لخطورتها فكان رده عجيبا.. فقال " لا أنتم لا تعرفون ماذا أفعل بالموتوسيكلات.. أنا بطير بها وأعمل خمسات وحركات " وذلك رغم أنه ليس لديه أية خبرة بالموتوسيكلات هو شخص آخر يعيش بخياله غير الذي يعرفه. أبنائي منذ صغرهم ربيتهم علي تحمل المسئولية وكيف يعتمدون علي أنفسهم.. كان يحب معلمته جدا وكان يثني عليها كثيرا وكذلك كل معلميه بل إنها أهدته منذ فترة قصيرة 5 جنيهات نظرا لتفوقه العلمي وأخلاقه.. "ويوم الحادث كان جاي حافي من عندها وكان واخد معه سكين مطبخ وليس مطواة قرن غزال كما قيل.. ابني مش صايع ولا بلطجي " وقد حدثت له لوثة عقلية من منظر الدم الذي يكرهه.. ظل يجري حتي وصل إلي منزل جدته القريب من موقع الحادث.. كان يوم الجمعة الماضي، كنت أشاهد التليفزيون، فقال لي سأذهب لتأجير دراجة.. هكذا قالها بطريقة كلام أفلام الكارتون فأخبرته أن والدته مانعة الدراجات كما أن الأمطار غزيرة ولا يمكنك قيادتها في مثل هذا الجو.. تحدث مع والدته فرفضت ،.. بعد أن ذهب إلي الدرس الأخير.. اتصلت جدته بوالدته وأخبرتها أن يد سيف ملطخة بالدماء وأنه حافي القدمين.. وعندما تحدثت إليها أخبرتها أنه ربما يكون قد ارتكب حادثاً بالموتوسيكل.. قالت خلاص مش مشكلة نشوف المشكلة بتاعت الموتوسيكل.. بعدها بدقائق اتصلت جدته مرة أخري وقالت إنه قتل معلمته، هنا انهارت والدته وذهبت أنا وشقيقه علي الفور وسألته عما حدث فقال : أنت لن تفهم ما سأقوله.. فحكي لي موضوع اللعبة " إنمي " وأنها مسيطرة عليه أنه عاوز يقتل منذ عام وأخيراً استجاب للعبة التي أدمنها وأصبحت تتحكم فيه.. ذهبنا إلي قسم الشرطة.. وداخل القسم أخرج الهدية التي كانت قد أعطتها له المعلمة. عيد ميلاد تقول جدة الطالب : كان عيد ميلاده يوم الحادث وقد أعددنا للاحتفال به..لكنني فوجئت به يلهث وهو يقول أنا قتلت يا تيتة.. لم آخذ كلامه بعين الاعتبار في البداية لكن طريقة كلامه كانت بها جدية كما أن يديه كانت بها دماء، مما جعلني ذهلت فاتصلت بوالدته التي انهارت وظلت تصرخ.. هو كان طفلا غريبا.. يريد أن يغلق الباب رغم أن الجو حار فيقول لنا أنتم لا ترون ما أراه.. حتي أثناء الأكل كان يأخذ بعض الأكل ويقوم من علي المنضدة ليذهب إلي غرفته ويغلق عليه الباب ويأكل وحيداً.. طوال حياته هادئ الطباع ولم يسب أحداً لكن كان غامضاً إلي درجة كبيرة.. عمره ما جاب لينا مشاكل.. وكان بيهزر معي " فزعتك يا تيتة.. فقط هذا ما كان يفعله ". شخص انطوائي وأكد جيران الطالب أنه كان لا يتحدث إلي أحد.. ولا يفتعل أية مشكلة مع أي شخص طوال حياته.. يقول حارس العقار " محمد " أقيم هنا منذ 5 أعوام ولم نسمع عن سيف أو أسرته سوي كل خير حتي أن والده أنقذ إحدي السائحات التي تقيم بالعقار المقابل للبرج الذي يسكنون به بعد أن حاولت الانتحار فهرع علي الفور وتحدث معها ونجح في إنقاذها.. وأكدت زوجته أن الطالب " كان في حاله وبالكاد يعرفنا فهو لا يتحدث إلي أحد منذ طفولته وأضافت أنها لم تصدق أنه يمكن أن يحمل سكينا ويقتل فقد كان يخاف من منظر الدماء.. ونفس الأمر أكده صاحب محل الكوافير المجاور للبرج موضحاً أن كل جيرانه حتي الآن لا يستوعبون ماحدث من سيف خاصة أن جميع أخوته في قمة الأدب وكذلك الطالب الذي ارتكب الواقعة فلم نعرف عنهم سوي مساعدة الجيران وعدم افتعال أية مشكلات. وأمام مدرسة "منهل المعرفة الثانوية للبنين " التي يدرس بها سيف الله التقينا عددا من زملائه.. يقول شكري بالصف الأول الثانوي إن سيف كان هادئ الطباع ولا يختلط كثيرا مع باقي زملائه فقد كان شخصاً انطوائياً، ويتفق معه في الرأي زميلاه محمود وعبد الرحمن وأكدا أنه كان طيباً جدا ولم يتوقع أحد أنه يمكن أن يقدم علي ارتكاب مثل هذه الجريمة..وأضاف زملاؤه أنه كان مدمناً لمتابعة كارتون " إنمي " الذي يشجع علي العنف إلا أن سلوكه الحقيقي بخلاف ذلك تماما. معلمة فاضلة ذهبنا إلي شارع المدينةالمنورة محل سكن المعلمة المجني عليها، وأكد جيرانها أنها كانت معلمة فاضلة ترعي والدتها وابنتها اللتين كانت تقيم معهما بالشقة وكل همها هو إسعاد ابنتها طالبة الجامعة، كما أن طلابها كانوا يحبونها كثيراً.