»أي نوع من الرجال أنت يا أبي؟» أتجاهل الرد عليها، جسدها ميت، ربما أنا الآخر ميت، »أيتها المجنونة.. ذلك الضوء العابر الحزين سيقتلك يومًا ما». الأصوات المدوية حولي تصخب، عيناها الشبيهتان بمهٍر جامح مازلتا تطارداني في أحلامي. (أنا) تسلل خيط من ضياء القمرلملامح وجهي، الخيال يسرح إلي الله، »عله يغفر لي» أقولها، هل تستريح روحي العليلة؟!! ربما، قلبي العجوز علي غير عادته يدق بانتظام، الوحدة المطاردة لي هي كل ما تشغل بالي، قلبي كوخ متهدم، كذلك الروح، لم الوحدة مرهقة..؟ »الوحدة تسهل لمن لاروح له، أما أنا فروحي عليلة» أقول لنفسي ذلك. خيط آخر لضياء القمر يعانق الجسد الميت، بل خيطان رفيعان، كملمس يدها حين تعانقني »دقنك طولت يا ابا» تقولها ثم تتحسس باقي وجهي بيديها، تلمس الروح الجوفاء »كيف قتلتها؟، أحتضنها، أرقص وأدور مع شبحها في دوائر لا تنتهي، يتشكل وجه القمر مكان وجهي، فأتمتم بتعويذة قمر وموت. الموت قمر يتسلل نافذتي القمر موت أبيض لمن أصبح ضياء القمر روحًا..؟ خيط حاد ورفيع.. يتجسد هالة من نور ينبض الجسد الميت بحياة ينبض الجسد الحي بموت لكن النهاية غزال شارد يصلب علي أعتاب السماء (هو) القمر مكتمل، أمضي بنصف روح، نصف لم املك منه شيئًا سوي الظلام ، تلطخ الدماء وجهي وجسدي، دماء القمر حتمًا . »أنا من قتلت ابن القمر...؟» قد أكون؟، الأكيد أن عقدة الذنب ستلازمني إلي الأبد». تُرب القرية تحتل ضفة الترعة الشرقية، اللحود هنا نوعان، وكأن الموت وسيلة أخري للحياة، لحود خشبية تحتل الجانب الأيمن للطريق، وأخري رخامية تحتل الجانب الأيسر، الطريق الترابي يفصل بينهما، ترقد هي في تجويف من الطين، لحد خشبي يبدو كذهب، تبدو من بعيد كعروس ليلة الزفاف، » فقط لو أستطيع إصلاح ما كان» أمشي كسكير يترنح، أجر أقدامي المتعبة من الرحلة، كلما خطوت خطوة للأمام يعترض أبي الطريق، يستوقفني بنظرته الصارمة، بجسده الضخم، لم يدعني أملك ملاك أبدًا من قبل » انت ابن مين وهي بنت مين يا ابن الكلب» » كلنا ولاد تسعة» صفعته ماتزال تؤلم وجنتي، شفتي إلي الآن متورمة، برغم من مضي تلك الأعوام، وها هو الآن يريد أن يصفعني من جديد، لما تأبي الموت أيها القاسي..؟ رغم تلك الديدان المتساقطه من جسدك، رغم رائحتك النتنه ولونك الأزرق، أتمتم بتعويذة قمر وموت، يختفي شبح أبي، لكنه يحتل روحي. (هي) أحبته حقا كثيرًا، أكثر مما ينبغي، لن يدرك ذلك أبدًا، »عله يدرك يومًا ما » هكذا قالت في نفسها، رغم رحيله.. ظلت وحيدة الغرفة لياٍل عدة، القمر أنيس وحدتها المعتمة، تناجيه كحبيبها، ينسج من خيوطه البيضاء رداء لها، تتقبل الهدية، تبتسم في سعادة طفلة حازت رداء العيد بين أناملها، تتأمل استدارة بطنها، تحمل قمرا في رحمها، من سيصدق ذلك...؟ تتأمل وجه القمر، يبتسم لها، يلقي دعاباته عليها، ينبض الجسد الميت بحياة، يدخل أباها الغرفة، يصفعها، يركل وجهها.. بطنها، يشتمها » جبتلنا العار يا بنت الكلب» تعلم أنها في نقاء ضوء القمر الفضي، لكنها تدرك كل النهايات، »فالنهاية غزال شارد لن يهرب من قدره» كثيرًا ما كانت تقول له ذلك، لم يصدقها، ولم يستطع الوقوف أمام والده القاسي، فقط تركها وحيدة والركلات تتوالي، والقمر يثور، يرسل الرياح لتركل نوافذ الغرفه المعتمة، وفي النهاية يحتضن جسدها الدامي..الميت، أخيرًا ستنعم بالدفء. القاهرة