في مجموعة »الحور العين تفصص البسلة» (دار روافد) تقدم الكاتبة صفاء النجار كتابة قادرة علي التحاور مع العديد من النصوص الدينية والأسطورية، من خلال تفكيك هذه الموروثات وإعادة تشكيلها في قصص قادرة علي تجاوز البنية التقليدية للقصة القصيرة من خلال لعبة التشظي في كثير من الأحيان، حيث يبدو الزمن مفتتًا بين أنامل الكاتبة التي نسبت أبطال عالمها إلي جنس سماوي مقدس. هذا الجنس السماوي هو الحور العين، لكن الكاتبة ترصد رحلة الهبوط إلي الأرض، حيث يجلسن في انتظار الماء المغلي وهن يفصصن البسلة. رحلة الهبوط هذه تتجلي في العديد من قصص المجموعة، ابتداء من (الأمبيا) عندما »كان الأربعاء يومها الأسطوري الذي خلقها فيه الرب» فنري انتقال السرد من السماء إلي الأرض في عبارة مكثفة »حين ينفتح نوار ثدييها» رغم مباركة الرب لجسدها بلمسة يده تجد نفسها منفية في حياة لا تشبهها، حتي تلوذ تمامًا بجسدها عندما تقوم بطقوس الغسيل »ويزداد الجلباب الأزرق التصاقًا بها»، مرورًا بقصة (الحور العين تفصص البسلة) التي تحكي عن بطلة قتلت رضيعتها وقدمتها قربانًا لصوت مجهول يسكن رأسها، في تناص مع قربان إبراهيم، وتغرس أعضاءها الأنثوية في الأرض فينبت منها شجرة عظيمة مباركة مليئة بالتفاح، تنتصر للنساء وتخصبهن، وتخصي الرجال، فترتفع النساء ويهبط إلي الأرض الحور العين، في دائرة سيزيفية. أغلب أبطال المجموعة من النساء، لكنها كتابة لا تتوقف عند قضايا المرأة، وإن انتصرت لها، كتابة تحاول أن تجد للإنسان نسباً إلهياً، في واقع يرفض الأنبياء، يضطهدهم وينفيهم، مثلما نري في قصة (في انتظار ما سيأتي) عندما »استدعوه، صلوا من أجل أن يأتي»، ولما أتي احملوه كل الأوزار، أبلغوا عنه، صلبوه، واتخذوه هدفاً كي يعلموا أولادهم الرماية» وبهذا فإن الكتابة ترصد أصول المشكلات في الواقع، من سوء فهم للنصوص الدينية عن قصد أو دون قصد، وهي وإن رصدت في هذه الكتابة مشكلات المرأة فلأنها المستعبدة، والواقع عليها كل بطش هذا الواقع، لكنها لا تتوقف عند هذه المشكلات بل تتعمق للوصول إلي عللها الأولي. يمكن ملاحظة اعتماد الكتابة علي السينما في كثير من القصص، إذ يبدو الواقع هزلياً وبعيداً عن المنطق، ففي قصة »في انتظار ما قد أتي»، يبدو المشهد الأول ببعده الواقعي، دون أن تبرز الكاميرا، فالكومبارس جميعًا يقفون في انتظار الأتوبيسات، وعندما يصلون يقفون لتمثيل أدوارهم، دون وجود مفردات تكشف عن زيف هذا المشهد، بل إن تجمعهم وانتظامهم يجعلهم يبدون مثل أعضاء تنظيم سري أو جماعة إسلامية، وتضغط الكاتبة علي ()oom In) لتؤكد من خلال المفردات علي هذه الحالة فتقول في سياق السرد »كنا نعرف .. إذا كان معنا أو أنه ليس منا» وباستثناء مفردات قليلة مثل »بان يمين» »بان ليفت» فإن القارئ يضيع تماماً في عبثية هذا المشهد عندما يتحرر النص من الزمن وينتقل إلي الماضي القديم عندما اجتمع السادة ليعرفوا من سيضع الحجر الأسود. لم تقتصر وجود الكاميرا في هذه القصة، بل تظهر مرة أخري في قصة (اكتشاف) و(فيلم لأمي) و(فيديو كليب) و(سيجارة وأربعة أصابع)، وفي كل هذه القصص فإن وجود الكاميرا كان يشكك في صدق هذا الواقع العبثي، ويرده إلي شكل هزلي، أو يصنع من المعاناة قصصًا، فالحكي هنا طريقة للتطهير كما هو في رأي أرسطو، من تلوثنا بهذا الواقع، ومن حياة لا يجب أن تكون علي هذه الحال، حيث يمشي الناس في زحام دون أن يتوقفوا ليتأملوا أفكارهم، أو ليبصبروا قوس قزح الذي ظهر في مدينة اسبراريا، فيكون عقابهم هو اختفاء الألوان للأبد. هذه المجموعة تبحث عن اللون، وتعرف أن المرأة هي القادرة علي خلق عالم أفضل، وأن هذه القيود تجعل الأيام لا تطيب، وهي إن كانت تخاطب المرأة في كثير من الأحيان، مثل قصة »ومن أحياها» إذ تدعوها إلي القيام رغم هشاشة العظام والروح، لكن هذا الخطاب لا يقتصر عليها، بل هو خطاب إنساني عام يمس كل روحٍ ترغب في التحرر والوصول إلي جذورها السماوية.