سؤال ملح تبادر إلى الذهن بعد صدور فيلم "السقوط" أحدث جزء من السلسلة الجماهيرية "مهمة مستحيلة" بقاعات العرض العالمية؛ وهو كيف استطاع النجم توم كروز صاحب الست وخمسين عاما؛ أن يبهر العالم بأداءه القوى ولياقته البدنية الهائلة؛ وهو فى تلك الفترة العمرية؛ لياقة وقوة جسدية نجح كروز فى الحفاظ عليها حتى مع اقترابه من عقده الستين؛ وهو ما جعله يتفوق بشكل غير متوقع على غيره من النجوم الشباب؛ الذين لازالوا فى سنوات عزهم وشبابهم، ليقدم لنا مع مخرج الأكشن العبقرى كريستوفر ماكويرى تحفة سينمائية غير متوقعة؛ استحقت لقب أفضل أجزاء السلسلة على الاطلاق ؛ ليس هذا فحسب ؛ ولكن كذلك المنافسة على لقب أفضل فيلم أكشن لهذا العام؛ حتى قبل أن تنتهى شهور هذا العام وأيامه؛ وليأتى هذا الجزء كدليل إثبات قوى؛ على استمرارية تلك السلسلة السينمائية لسنوات طويلة قادمة؛ وتفوقها على غيرها من سلاسل الأكشن السينمائى الأخرى ؛ مثل " فاست اند فيريوس " التى لا تمتلك فارس مغوار مثل توم كروز . "نجاح" تمتعت سلسلة " مهمة مستحيلة " بالنجاح والشعبية منذ أول أجزائها ؛ ولكن التحول الحقيقى الذى حدث لها ؛ كان مع صدور الجزء الرابع " بروتوكول الشبح " عام 2011 ؛ بعدما منح صاحبه المخرج براد بيرد - وهو بالمناسبة من أهم مخرجى سينما الانيمشن فى السنوات العشرين الأخيرة - بعدا خاصا بتلك السلسلة ؛ فلأول مرة فى تاريخ السلسلة ؛ يقدم مخرج رؤية فنية تتماشى تماما مع عنوان السلسلة ؛ من صعوبة المهمة والمشاهد المثيرة التى تقشعر الأبدان؛ ولعل مشهد برج خليفة أبرز مثال على اعادة اكتشاف براد بيرد للسلسلة ؛ وهو ما جعله ينضم إلى قائمة أعظم مشاهد الأكشن السينمائية على مر العصور. وبعد براد بيرد ؛ جاء كريستوفر ماكويرى ليستمر على نفس الطريق ؛ ويقدم جزءين أفضل من بعضهما البعض ؛ ليجعل من " مهمة مستحيلة " السلسلة السينمائية الأقوى فى تاريخ هوليوود . قصة " السقوط " رغم تشابك تفاصيلها وتعقد خيوطها ؛ الا أنها تتسم بالبساطة الشديدة ؛ والعدو هذه المرة هى جماعة تطلق على نفسها اسم "الرسل"؛ تعد امتداد للمنظمة الاجرامية التى قضى عليها هانت فى الجزء السابق ؛ وتهدف إلى خلق فوضى عارمة فى العالم كله ؛ وتتعاون هذه الجماعة مع جاسوس من داخل فريق ايثان هانت ؛ يسعى لشراء مادة " بلوتونيوم " لصالح الجماعة من أجل تصنيع ثلاث قنابل نووية ؛ وبالطبع تتركز مهمة هانت فى استعادة البلوتونيوم قبل تصنيع القنابل الثلاث . "نقد" يعد توم كروز من النجوم الذين يتعرضون للنقد بسبب أسلوب حياتهم الشخصية ؛ ولكنه بدون أدنى شك كنز سينمائى لا ينضب ؛ فهو مثال للفنان الذى يفنى حياته ؛ من أجل البقاء على القمة دوما ؛ فلا يوجد له فى الحياة سوى هدف واحد ؛ وهو التميز اللانهائى فى مشواره السينمائى. ووجد توم ضالته فى كريستوفر ماكويرى؛ فرغم أن "السقوط" جاء أطول أجزاء السلسلة من حيث فترته الزمنية؛ إلا أن الجمهور لم يشعر بأى ملل على الاطلاق؛ وكيف يشعر بملل وقد قدم لنا كريستوفر مشاهد أكشن ولا أروع فى هذا الجزء ؛ من مشهد المطاردة بالدراجات البخارية عبر شوارع العاصمة الفرنسية باريس ؛ إلى المشهد الأخير بالفيلم فى المواجهة بالطائرة الهليوكوبتر ؛ وهو المشهد الذى لن تصدقه الا اذا كان بتوقيع كروز . أيضا برع ماكويرى فى أن يجعل من شخصية " ايثان هانت " ؛ فى سيناريو الفيلم الذى كتبه؛ شخصية مثالية أقرب إلى الكمال ؛ وضعها فى مكانة الحامى النقى لكل ما هو صحيح وجيد فى عالمنا ؛ كما ظهرت بوضوح مهارة ماكويرى البديعة ؛ فى بناء المشهد بأدنى العناصر الممكنة ؛ وهو ما أضاف إليه كصانع أفلام استثنائى بين أبناء جيله . وكعادة جميع أجزاء السلسلة ؛ تبدأ أحداث الفيلم بشكل سريع ؛ ليجد المشاهد نفسه منغمسا فى الأحداث المتلاحقة ؛ وإذا سرح قليلا أو فقد تركيزه ؛ سيجد نفسه تائها غير ملم بما جرى من " الرتم " السريع للأحداث. "شهادة ميلاد" فيلم " السقوط " ؛ كتب به كريستوفر ماكواير شهادة ميلاد جديدة له كسيناريست ومؤلف ؛ وهو بالمناسبة المخرج الوحيد الذى قدم فيلمين فى تاريخ تلك السلسلة ؛ فقد نجح فى كتابة نص قوى ملئ بالتفاصيل والتعقيدات ؛ ويكفيه أنه نجح فى المزج بين صراعين فى نفس النص ؛ الأول هو الصراع المعتاد بين الخير والشر فى سلسلة " مهمة مستحيلة " ؛ أما الثانى فهو الصراع بين أصحاب نفس المبدأ ؛ داخل فريق ايثان هانت نفسه ؛ وهو الصراع الأصعب نوعا ما . أيضا برع كريستوفر فى كتابة الشخصيات بعمق وثراء شديدين ؛ وهو ما تميز به "السقوط " عن الأجزاء الخمس السابقة ؛ فلم يأت أيا منهم بهذا العمق فى تناول شخصياته ؛ وقد جاءت شخصية " اوجست والكر " عميل "سى آي ايه " من أروع الشخصيات على مستوى الكتابة ؛ والتى جسدها النجم البريطانى هنرى كافيل ببراعة شديدة ؛ ليقدم مع كروز مناورة مذهلة فى الأداء التمثيلى ؛ قلما تشاهدها فى أفلام الأكشن . نجاح ماكواير فى عالم سينما الأكشن يمكن مقارنته بالمجد ؛ الذى وصل إليه المخرج جيمس كاميرون مع فيلم " آفاتار " ؛ ومن المؤكد أنه سيصبح من المخرجين الأعلى أجرا بعد هذا الفيلم؛ وسيصبح من الأهداف التى تسعى وراءها كبرى استوديوهات الانتاج فى هوليوود. فى أحد المشاهد الأخيرة بالفيلم ؛ يوجه الشبح " سولومون لين " تحذيرا مخيفا لايثان هانت قائلا : " النهاية التى دوما تخشاها على وشك الاقتراب ؛ والدماء سوف تغطى يديك ؛ وستسقط كل نواياك الطيبة " ؛ فى هذا المشهد لم ترد شخصية هانت على ذلك التحذير بالكلام ؛ ولكن رده كان بالأداء الراقى المتمكن ؛ الذى أخرس به جميع الأفواه المتحدثة عن أفول نجوميته ؛ مستمرا فى حماية جمهوره وعشاقه من حالة الاكتئاب والحزن التى باتت تغلف عالمنا ؛ من خلال إمتاعه بالمزيد من التحف السينمائية المثيرة .